المحامي شربل عرب
"لدينا قضاة ولكن ليس لدينا قضاء" مقولة نسمعها كثيرا خاصة في الفترة الأخيرة اي منذ بداية الأزمة في ٢٠١٩ وحتى قبلها بقليل، ولكن اليوم هؤلاء القضاة الذين كنا لا نزال نسند ظهورنا عليهم يرحلون دون عودة ولكن هل سألتم لماذا؟
هل سألتم لماذا نسمع يوما بعد يوم بأن قاضيا ترك منصبه واستحصل على اجازة دون راتب لمدة سنة ونحن نعلم أنه لن يعود؟ هل تسألون لماذا قدم بعضهم استقالته وترك لبنان؟
اما الاجابة فهي: لأن لبنان بمؤسساته لم يعد يشبههم ولم يعد يستطيع تأمين كرامة هؤلاء المعيشية بالحد الأدنى، فراتب الـ ٤ ملايين ونصف لم يعد يستطيع تأمين محروقات سياراتهم، وأكثر من ذلك عليهم شراء الأوراق والحبر ومعدات الطباعة لاعداد احكامهم وقراراتهم وذلك على نفقتهم الخاصة، وهؤلاء لا يسرقون ولا يريدون السرقة ولم يقبضوا الرشاوى لبيع حقوق الناس -لأن قصور العدل لم تعد تليق بهم ولا تليق بالمحامين والمتقاضين ولا بالمواطنين وفيها أدنى حقوق الانسان.
نعم، لا حمامات والنفايات في بعض قصور العدل مكدسة في جوانبه ولا كهرباء كمن يدخل الى مغارة او الى دهاليز مظلمة وفي الشتاء لا تدفئة وفي الصيف لا مكيفات... و في أسوأ وضع انساني للقضاء وللمساعد القضائي وللمواطن والمحامي وللانسان بشكل عام -لأن القضاء تحول الى السؤال من قبل المتقاضي عن اسم القاضي وليس عن حقه بحسب القانون! وهنا أجزم أن الفاسدين هم قلة قليلة لكنها تشوه سمعة الباقين الذين ترفع لهم القبعة على معاناتهم اليومية التي أشهدها بأم العين.
ومن هنا يجب اصلاح الذات كما يجب اصلاح الفساد في جميع المؤسسات وفي المحامين والموظفين والادارة -لأن لبنان تحول الى مزرعة تديرها العصبية الطائفية ولا يستطيع القاضي أن يأخذ قرارا ضد مخالف للقانون مدعوم من هنا أو هناك، فتكون كرامة القاضي وحقوق الناس على المحك ولأن هناك من يحكمون بقوة الأمر الواقع ولا يعترفون لا بالقضاء ولا بالدولة -لأن القضاء أصبح يضرب بيد من حديد فقط على الضعفاء باستثناء بعض القضاة الذين لا يخافون أحدا ويحكمون بالحق ولو كلفهم ذلك حياتهم، وهم كثر لكن القلة الفاسدة شوهت جرأة أحكامهم ضد الفاسدين.
نعم هذه بعض الأسباب التي دفعت خيرة من القضاة الى الرحيل والخيرة الباقية توضب حقائب السفر.
لذلك يجب فورا العودة الى الذات واصلاح النفس واصلاح المؤسسات وخاصة القضاء والعدالة، لأننا اليوم أصبحنا نبحث عن العدالة للقضاة وهم من يحمون العدالة، فكل التحية للأحرار الشرفاء منهم ونكرر قول نادي القضاة "اذا انهار القضاء انتهى الكيان اللبناني".