الان سركيس
بدأت عجلة الترشيحات تدور دورتها في معظم الدوائر، وتتّجه الأنظار إلى الدوائر ذات الغالبية المسيحية نظراً إلى قساوة المعركة هناك.
تعتبر المعركة الإنتخابية في دائرة بيروت الأولى من أصعب المعارك، فهذه الدائرة تضم كلاً من الأشرفية والصيفي والرميل والمدور، وفيها 8 مقاعد مسيحية، 4 أرمن ومقعد لكل من الأرثوذكس والموارنة والكاثوليك والسريان.
وعلى رغم أن الأرمن هم الكتلة الناخبة الأكبر التي ضُربت بنزيف الهجرة الهائل الذي طاولها، ومع تصاعد الحجم الماروني العددي وفعالية البرجوازية الكاثوليكية، إلا أنه يبقى للأشرفية طابعها الأرثوذكسي الغالب والمهيمن، ويبقى لمقعد الأرثوذكس نكهته الخاصة.
وإنطلاقاً من هذا المعطى، تعطي "القوات اللبنانية" أهمية كبرى لهذا المقعد، ففي إنتخابات 2018، صبّت أصواتها التفضيلية على مرشحها عماد واكيم وضمنت فوزه وإنتقلت إلى دعم النائب نديم الجميل وأمّنت إنتصاره.
واليوم، تبدو المعركة أكثر شراسة، فالدائرة الاولى في العاصمة تعرّضت لأكبر إنفجار في العالم وهناك تغير في الرأي العام ومناهضة للعهد وداعمه الأول "حزب الله" و"طحشة" قوية لما يعرف بـ"المجتمع المدني".
وأمام كل هذه التغيرات، فقد أبلغت "القوات" واكيم بأنه لن يكون مرشحها بل سيتابع النضال من موقع آخر، وبالتالي فإن الخيار وقع على نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني ليحمل شعلة المواجهة في أصعب الدوائر.
ويأتي إختيار حاصباني لأن طبيعة المعركة تبدّلت عن 2018 وما سبقها، فإضافة إلى العنوان الكبير للمعركة وهو إستعادة الدولة من "الدويلة"، يعتبر الأرثوذكس أن هذا المقعد كان يشغله نواب كبار أمثال فؤاد بطرس وغسان تويني وجبران تويني قبل إستشهاده، وبالتالي يجب إختيار شخصية تكمل المسيرة وتكون من هذه المدرسة.
ومن هذا المنطلق، أرادت "القوات" أن تعطي بعداً لمعركتها وتؤكّد حرصها على المقعد الأرثوذكسي، فاختارت حاصباني الذي كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء والذي يعتبر من أهم المناصب الارثوذكسية.
ويحظى حاصباني ببركة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، فهو ابن الكنيسة وقريب منها وبالنسبة إلى الأرثوذكس فإنه يعتبر شخصية تمثلهم خصوصاً أنه برز في الخارج وعندما تولّى مناصب وزارية ويتمتع بديناميكية في العمل ويصنّف على أنه من النخبة الأرثوذكسية، وكان هناك ثناء من الخصوم قبل الحلفاء على قدرة "القوات" على إختيار وزراء وكوادر كحاصباني. صحيح أن للأشرفية خصوصيتها، إلا أنّ الحسابات الإنتخابية تلعب لعبتها، وبالتالي فإن حاصباني لا ينحدر من أحد البيوتات السياسية التقليدية بل إنه درس في مدارس الاشرفية وبنى نفسه بنفسه وينتمي لعائلة ذات توجهات سيادية وتقطن الأشرفية منذ أواخر القرن التاسع عشر وشهدت على مآسي الحرب العالمية الأولى من العاصمة بيروت.
والظاهر أن "القوات" لا تخوض الإنتخابات ضدّ خصم واحد هو "التيار الوطني الحرّ" و"حزب الله" في الأشرفية، بل إن "المجتمع المدني" يحاول الأكل من صحنها، لذلك فإن ترشيح حاصباني يُعتبر "ضربة معلّم"، فهو ينتمي إلى "القوات" لكنه ذو وجه مدني وقادر على خوض النقاش العلمي والمواجهة في الوقت نفسه لأنه يتمتع بثقافة واسعة تشفي غليل أرثوذكس الأشرفية وبقية المكونات.
ومن جهة ثانية، فإن حاصباني يتفوّق على بقية المرشحين بأنه عاش لفترة في الخارج، وهو على إتصال مع المغتربين في هذه الدائرة والذين يعرفونه جيداً، لذلك فهو قادر على جذب أصوات الإغتراب والتي سترفع حكماً حظوظه بالفوز وترفع حاصل اللائحة.
تخوض "القوات" معركة الدائرة الأولى وتريد أن تثبت أنها قوة سيادية وتغييرية في آن واحد وأنها موجودة مع أبناء المنطقة، فعند وقوع زلزال إنفجار المرفأ كان حاصباني إلى جانب الأهالي، وكذلك يتابع أدقّ التفاصيل، وعدا عن إنشغالاته السياسية فهو رئيس أمناء نادي الحكمة الذي يمثّل وجدان الأشرفية ويتخطّى برمزيته الحدود الرياضية.
ويبقى التحدّي الأكبر في تمكّن حاصباني من أن يكون رافعة للائحة "القوات" وينجح في مهمته كما نجح في مهمات سابقة قادها، لأن فوزه شبه مؤمّن بالأصوات التفضيلية القواتية وبعلاقاته، من هنا فإن مهمته لا تقتصر على فوزه بل المساعدة على تأمين فوز أكبر عدد من "زملائه" على اللائحة.