خالد أبو شقرا
وعورة درب العام 2022، قد تجعل من مسارات الأعوام الثلاثة الأولى من الازمة بمثابة نزهة. ففي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يبدأ الاقتصاد مشواره التصاعدي، ما زال يهبط مثقلاً بمنظومة نقلت الحرب في ما بينها من الجبهات إلى الإدارات. الخلافات ستستحكم أكثر مع اقتراب الاستحقاقات النيابية والرئاسية. وطوق العزل الذاتي سيشتد على خناق القطاعات الانتاجية والخدماتية. فيما الاتفاق مع صندوق النقد سيتحول إلى حلم ليلة صيفية.
انفجار الأزمة لم يخلخل الاقتصاد فحسب، بل "دك" أساسات الطبقة السياسية التي "أثبتت أنها لم تكن تدير البلد من بعد الحرب، إنما تمتص خيراته وثروات أبنائه"، بهذا الوضوح يرى وزير الاقتصاد السابق رائد خوري الواقع. و"طالما الحلول منوطة بهذه الطبقة فلا خلاص؛ ليس لأنها تتعامل في ما بينها، ومع الخارج، بعقلية الميليشيات فقط، إنما لجهلها الفاضح بأبسط قواعد الإدارة الرشيدة والحوكمة والشفافية. وحتى لو استطعنا أن نتوصل إلى إطار العمل المناسب مع صندوق النقد الدولي، أو غيره من المؤسسات الدولية فستفشل الخطة حكماً، لأن الأمور مرتبطة في النهاية بالاشخاص وتوابعهم من المستشارين. فهذه الفئة التي حكمت البلد بالوكالة اعتادت على تلقي الأوامر من زعماء الأحزاب وتأييدهم من دون نقاش أو مجادلة. وهي لم تعد تنفع لتطبيق الحلول الهادفة للخروج من المأزق.
فنزويلا نموذجاً
مع الفشل الذريع لـ"نموذج تثبيت سعر الصرف"، الذي انتُهج منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، لم يبصر النموذج الجديد المنوي اعتماده في المرحلة المقبلة، النور بعد. فلا المعايير الاقتصادية الواجب اتباعها متفق عليها، ولا السياسة النقدية الواجب الالتزام بها محددة، ولا الاصلاحات مقرّة، ولا العلاقات مع الخارج تحظى بالاجماع. كل ما يحصل هو "الاستمرار في عزل أنفسنا عن المجتمعين العربي والدولي"، يقول خوري. ومن المستحيل عزل أنفسنا عن الدول العربية، وانتظار نجاح نظرياتنا حول الخروج من الأزمة". والسؤال الأول الذي على هذه الطبقة السياسية الإجابة عليه "هل نريد اتباع النموذج الفنزولي؟" يسأل خوري واذا كان الجواب ايجاباً فلننظر إلى هذا العملاق النفطي كيف يغرق في الفقر والعزلة ونتوقع مصيراً أسوأ. أمّا إن كان الجواب بالنفي، فعلينا:
- البدء بالعمل الجدي على فك عزلتنا.
- تحديد خياراتنا في ما يتعلق بالشكل الاقتصادي للبلد. ومن الضروري العودة إلى خطة ماكينزي التي رسمت بالتفصيل حلاً عملياً لكيفية الانتقال من النظام الريعي إلى الانتاجي، المبني على تعزيز القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة المرتفعة.
- صون القضاء واحترام استقلاليته وتنفيذ أحكامه.
- الاتفاق على السياسة النقدية والنظام الواجب اتباعه. وخصوصاً بعدما أثبت نظام تثبيت سعر الصرف أنه تمويل لنظام عيش يفوق قدرة الاقتصاد من أموال المودعين.
- التوافق على تصغير حجم الدولة، وإصلاح القطاع العام وتخفيض العجز في الموازنة.
- الدخول في برنامج تمويلي مع صندوق النقد الدولي، يعطي ثقة بالبلد والاقتصاد.
- استئناف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبدء جدياً في استكشاف الثروات النفطية الكامنة. ذلك أن هذه الثروة هي مدخل لجذب العملة الصعبة، وإعادة تفعيل العجلة الاقتصادية والاستثمارية.
الهبوط متواصل في 2022
هذه العناوين على تكرارها وبساطتها، "لن يتحقق منها شيء في العام 2022"، من وجهة نظر خوري. فـ"الهبوط الحر مستمر، والانتخابات النيابية مثلما هو واضح لن تحمل معها أي تغيير يذكر. والتعويل على ممثلي الاحزاب أن يحملوا معهم التغيير الايجابي كـ"أمل إبليس في الجنة". ومع تعطل الحلول لن تعود المخاطر مقتصرة على الانهيار النقدي والتضخم، وافلاس المؤسسات وارتفاع نسب الفقر والبطالة، إنما على إفراغ البلد من طاقاته العقلية والانتاجية. حيث من المتوقع أن تحمل السنوات القادمة أرقاماً قياسية في هجرة الأدمغة وأصحاب الاختصاص في شتى المجالات، وترك الطبقة الوسطى، المحرك الاول للاقتصاد البلد. وإذا ما أضيفت هذه الظاهرة الى العجز عن صيانة البنى التحتية من شبكة طرق ومواصلات، واتصالات، ومرافئ برية جوية وبحرية، ومرافق حيوية... فان البلد سيدخل في حلقة مفرغة من الفشل والفقر، ولن يعود يتوفر فيه أي نوع من الخدمات، ويتحول إلى بيئة طاردة للاستثمارات بعملة منهارة، ويصبح انتشاله من الحفرة أصعب بكثير".
يدرون ولا يهتمون
الصورة الواقعية التي يرسمها خوري حتّمت سؤاله بوصفه وزيراً سابقاً، إن كان المعنيون في الحكم يرونها أو أنهم جاهلون عنها، وفي الحالتين المشكلة كبيرة. "بيعرفوا، ومش فارقة معهم"، يجيب رائد خوري. و"الأسوأ أنهم لا يملكون الخبرة الكافية لادارة الازمة ووضع تطبيق السياسات التي تكفل الخروج منها حتى لو أرادوا ذلك. فنحن ننتظر منهم أن يكونوا رجال دولة فيما هم زعماء طوائف نقلوا معاركهم الساخنة من الجبهات إلى وسائل التواصل الاجتماعي الباردة، ولا نية لهم لا بالاتفاق ولا بتخليص البلد". ويضيف، "نحن نعرف أنهم يعلمون أن حديثهم عن الخطط لا أساس له، وأن تلويحهم بالعمل على اتفاق مع صندوق النقد مجرد "شيك بلا رصيد". ولو سلمنا جدلاً بتوصلهم الى امضاء مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فان الآمال بان تمر في البرلمان قبل الانتخاب معدوم. فهم عاجزون عن تغيير موظف، فكيف لهم أن يوقعوا على تصغير حجم الدولة واقصاء أزلامهم عن الإدارات وفقدان مراكز التنفيعات السياسية والجنات الخلفية للتوظيف الانتخابي في إدارات الدولة ومؤسساتها. وعليه فان كل الذي يفعلونه في الحكومة الحالية، وسبق وفعلوه في الحكومة السابقة كان مجرد كلام لا أساس له. وما زالوا لغاية اللحظة عاجزين عن تحديد الخسائر وكيفية توزيعها ولم يمرروا أصلاحاً واحداً يذكر. وهذا ما يعلمه جيداً صندوق النقد. ومن المستحيل أن يوافق عليه أو أن يدخل في اتفاق مع دولة لا اتفاق فيها على أبسط العناوين وتدار الامور فيها بالشعبوية.
التعويل الوحيد يبقى على المواطنين والخيارات التي سيضعونها في صناديق الاقتراع، وإن كان برأي خوري الامور لن تتغير كثيراً في انتخابات العام 2022 فانه من المؤكد أن عملية التغيير قد تبدأ بعد 4 سنوات. بشرط نبذ الخطاب السياسي القديم والاتيان بالكفوئين من أهل الاختصاص. عندها قد يصبح هناك أمل بالخروج من الأزمة.