تصدّرت الملفات القضائية واجهة الأحداث في لبنان للعام 2021، وغالباً ما طغت على الملفّات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً فضية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، الذي تسبب بشلّ الحكومة على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهو كفيل بتفجيرها في الأسابيع الأولى من العام الجديد، إذا ما استمرّ الوضع على حاله.
مع انتزاع الورقة الأخيرة من روزنامة الــ 2021، لا بدّ من التوقّف عند الملفات القضائية الحسّاسة، التي شغلت اللبنانيين على مدى أيام السنة المنتهية، وكادت تهدد السلم الأهلي بالتوترات التي أحدثتها، وعلى رأسها التحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت، والحرب الطاحنة التي تخوضها أحزاب السلطة على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، بهدف “قبعه” واستبداله بقاضٍ طيّع، وإذا اقتضى الأمر نسف التحقيق برمّته.
المعطيات المتوفّرة بملفّ المرفأ، تشير إلى أن القضية ستلقي بثقلها على السنة الجديدة، واضح أن قوى السلطة لن تسلّم بمشيئة البيطار والإذعان للائحة الادعاءات التي أصدرها منتصف السنة الماضية، وشملت رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنوّاب: علي حين خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق، والوزير السابق يوسف فنيانوس، وقادة عسكريين وأمنيين أبرزهم: المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي. وتجمع المعطيات على أن هذه القوى تجد في إصرار البيطار على استجواب هؤلاء وربما توقيفهم، استهدافاً مباشراً لها، طالما أن القرارات القضائية التي ستتخذ بحقهم ستعرّي فساد المنظومة التي أوصلت البلد إلى الانهيار والدمار.
لا يبدو أن المواجهة مع البيطار ستقتصر على 18 دعوى قدمت ضدّه حتى الآن، لأن القائمة ستطول، وعلم “صوت بيروت أنترناشونال”، أن الفريق القانوني للسياسيين المدعى عليهم “بدأ التحضير لقائمة دعاوى جديدة، فما إن يجري رفض المراجعة السابقة يسارع إلى تقديم دعوى جديدة، لإغراق الملف بمتاهات تعطيل طويل الأمد، يفضي إلى حلّ من إثنين، الأول: تيئيس البيطار ودفعه إلى رفع الراية البيضاء والتنحّي طوعاً، وهذا الخيار غير متاح أقلّه حتى الآن، والثاني: التوصل إلى تسوية بين أطراف السلطة الحاكمة، تحدث تغييراً جذرياً في التركيبة القضائية، تطيح بالبيطار ومن يحميه وفي مقدمهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود”.
من أبرز الملفات التي شغلت الرأي العام، أحداث الطيونة، بكل تداعياتها السياسية والأمنية والقضائية، ومن المؤكد أن هذا الملفّ سيبقى متفجراً ويثير التوترات، وليس أدل على ذلك من الدعاوى التي أقامها وكلاء الضحايا لتنحية قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان عن الملفّ، عبر اتهامه بـ”الانحياز والارتياب المشروع”، وتلويح الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، بأنه إذا لم تشمل الملاحقات المسؤولين الذين “أعطوا الأوامر لنصب الكمين المسلّح”، في إشارة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فإن أهالي الضحايا سيتصرّفون بشكل أحادي، علماً أن التوقيفات والملاحقات طالت طرفاً واحداً، هو أبناء منطقة عين الرمانة، ولم تشمل أي من الطرف الآخر الذي كان مدججاً بالسلاح، وأجرى استعراضات عسكرية في وضح النهار، في تحدّ واضح للدولة بكل أجهزتها العسكرية والأمنية.
ومن بين القضايا الأكثر متابعة، كانت الملاحقات التي طاردت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، شغلت الرأي العام اللبناني على نطاق واسع، خصوصاً وأن القضاء اللبناني فتح أكثر من ملفّ مع سلامة، بناء على تحقيقات أجراها القضاءين السويسري والفرنسي، وطالت تحويلات لحاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا ومساعدته إلى الخارج، كما كان للمدعية العامة في جبل لبنان غادة عون، اليد الطولى في استدعاء سلامة إلى التحقيق مع بعض أصحاب المصارف التجارية، ولم تتردد في الادعاء عليهم بجرائم “اختلاس المال العام عبر التلاعب في قيود رسمية، والاثراء غير المشروع وغسيل الأموال”، وطلبت من قاضي التحقيق استجواب هؤلاء وتوقيفهم.
أما اللافت في المحطات القضائية للسنة المنتهية، فكانت دعاوى القاضية عون ضدّ شركة مكتّف للصيرفة وشحن الأموال، ولم تتردد هذه القاضية بتنفيذ عمليات مداهمة مرّات عدّة لهذه المؤسسة، برفقة مناصرين للتيار الوطني الحرّ، وإعطائها الأمر بكسر وخلع مكاتب شركة مكتّف ومصادرة أجهزتها، بذريعة “مخالفة القوانين والتهرب الضريبي من دون أن تعلم الرأي العام اللبناني بنتائج تحقيقاتها ومصادراتها لمعدات هذه الشركة، ومخالفة قانون النقد والتسليف، في حين أن القاضية نفسها لم تحرّك ساكناً حيال الدعوى التي قدّمت أمامها ضدّ مؤسسة "القرض الحسن" التابعة لـ"حزب الله"، التي تمارس النشاط المصرفي والمالي عبر استقطاب ودائع لديها وإعطاء قروض لمدينين، من دون مرور هذه العمليات بمصرف لبنان، ومن دون خضوعها للرقابة ودفع الضرائب.
وعلى هامش هذه الملفّات، ثمّة دعاوى أخرى انشغلت بها الدوائر القضائية، عبر تقديم أهالي ضحايا أحداث الطيونة بدعوى ضدّ سمير جعجع واتهامه بالمباشر بإعطاء الأوامر لقتل أبنائهم، فيما ردّ أهالي عين الرمانة بدعوى ضدّ نصرالله، اتهموه فيها بتحريض محازبيه على اجتياح منطقتهم وترويع أبناءها الآمنين والتعدي عليهم وعلى ممتلكاتهم، بالإضافة إلى دعاوى لا تقلّ أهمية تتمثّل بأحداث خلدة، واستجواب فريق قضائي فرنسي لرئيس مجلس إدارة شركة “رينو ــ نيسان” السابق رجل الأعمال كارلوس غصن، عدا عن مئات الملفات التي غرقت فيها المحكمة العسكرية.
المصدر: صوت بيروت إنترناشونال