إضراب القطاع العام بين تضخّم عدد مُوظفيه وتضخّم الإقتصاد
إضراب القطاع العام بين تضخّم عدد مُوظفيه وتضخّم الإقتصاد

اقتصاد - Wednesday, December 29, 2021 6:00:00 AM

يمنى المقداد - الديار

في كلّ مرة يطالب فيها القطاع العام في لبنان بتصحيح الأجور، تعود بنا الذاكرة إلى زمن»سلسلة الرتب والرواتب»، وأثرها الذي وضعه إقتصاديون في خانة العوامل التي عجّلت في إنهيار اقتصاد البلاد. وفي بلد تنهار فيه بنية العيش تدريجيا، يأتي إضراب القطاع العام الإداري في لبنان لينذر بإمكانية الوصول إلى الخطر الأكبر، المتمثّل بسقوط مؤسسات الدولة، لعدم قدرة موظّفيها على الاستمرار في عملهم.

 
في الأول من تشرين الثاني المنصرم، أعلنت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان، بدء الإضراب المفتوح عن العمل، باستثناء يوم الأربعاء الذي سيبقى يوم عمل عادي، ولفتت في بيانها إلى أن إضرابها تصاعدي حرصا منها على استمرارية الإدارة العامة وتيسير شؤون المواطنين، وحذّرت من تلاشي قدرتها على الصمود بعد أن فقدت الرواتب 95% من قدرتها الشرائية.

ما هي أبرز مطالب الرابطة؟

- أولاً: وضعُ خطة طوارئ لتسيير المرفق العام، تُوائم بين ما تحتاجه الإدارات من الموظفين وبين إمكانياتهم للحضور.

- ثانيا: زيادة بدل النقل ليواكب ارتفاع كلفته الحقيقية، أو تأمين خطة نقل لموظفي القطاع العام، أو تأمين «بونات» بنزين بما يتناسب والمسافات التي يقطعها الموظف.

- ثالثاً: حلّ مشكلة تَدنّي قيمة التقديمات الصحية والاجتماعية في «تعاونية موظفي الدولة» و»الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».

- رابعاً: تصحيح الرواتب والأجور، بما يتناسب مع مؤشر الغلاء أو على الأقل وفق سعر المنصة الرسمية في كل حين، واحتساب تعويضات الصّرف التي ترتّبت أو أُودعت في المصارف بالليرة اللبنانية، على سعر المنصة الرسمية بتاريخ تسديدها لمودعيها.

فما حجم موظفي القطاع العام؟ وما إمكانية تلبية مطالبهم في خضم إقتصادنا المنكوب؟

القطاع العام يمثّل 25% من حجم القوى العاملة في لبنان

قال الباحث في « الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ «الديار» أنّ عدد العاملين في القطاع العام، من إدارات ومؤسسات عامة وسلك تعليمي وعسكري، يبلغ نحو 320 ألف عامل وعاملة، أي ما يمثّل 25% من حجم القوى العاملة في لبنان، لافتا إلى أنّها نسبة مرتفعة جدا مقارنة بالدول المتقدمة، الذي يشكل القطاع العام فيها من 7 الى 10%، وتابع : بأنّ أنّ هناك نسبة بطالة كبيرة في لبنان، ما جعل هذا القطاع مجالا لامتصاص البطالة في ظل المحسوبية الطائفية والسياسية، فيما تصل كلفة العاملين فيه سنويا إلى نحو 12 ألف مليار ليرة أي ما كان يوازي سابقا 8 مليارات دولار، وهي كلفة تمثّل نحو 60% من نفقات الدولة، أو أكثر من 70% من إيراداتها (حسب السنوات).

واكد ان إضراب القطاع العام مسألة محقة، لأنّ الرواتب اليوم لم تعد تساوي شيئا، فالحد الادنى للأجور هو 27 دولارا، ولفت إلى أنّه حتى المدير العام في الوزارة أيّ رأس الهرم الإداري، أصبح راتبه يوازي 300 أو 400 دولار (حسب الدرجات)، وبالتالي لم تعد الوظيفة مغرية أو مصدرا للدخل، مضيفا: أنّ الموظف يمكن أن يصرف أكثر من راتبه اذا أراد أن يحضر إلى عمله كل يوم خاصة إذا كان يسكن في منطقة بعيدة. وتابع: أنّ أسباب إضراب القطاع العام مفهومة، لكن زيادة الرواتب والأجور دونها العديد من الصعوبات - ولو أنها مسألة محقة وأساسية-، فاليوم إذا أرادت الدولة زيادة الرواتب والأجور لديها خياران إما أن تطبع عملة وبالتالي يصبح لا قيمة بتاتا لليرة اللبنانية، وندخل في دوامة التضخم، أو أن تفرض الدولة المزيد من الضرائب والرسوم وبالتالي ترتفع كلفة المعيشة والأسعار وتتحول حياة اللبناني الى جحيم أكثر مما هي الآن.

وفي كلام سابق لشمس الدين ذكر أنّ حجم إيرادات الدولة الذي يقدّر بـ 13 ألف مليار ليرة سنوياً بات يحصل منه اليوم قرابة الـ 6 آلاف مليار ليرة فقط، وأشار لـ «الديار» إلى أنّ استمرار الإضراب من دون حلول سيؤدي الى انهيار الدولة وتراجع الإيرادات، فاليوم هناك الكثير من الايرادات لا تقوم الدولة اللبنانية بجبايتها نتيجة الإضراب، وسيؤدي استمرار هذا الأمر الى تراجع الإيرادات وانهيار الدولة والمزيد من العجز.

ويؤكد شمس الدين إمكانية الحلول عبر العمل على مسألة أساسية وهي خفض سعر الدولار من خلال آليات اقتصادية جديدة، كاستقدام أموال ومساعدات لا سيّما من صندوق النقد الدولي، ووضع خطة مالية جديدة تؤدي الى خفض الدولار وبالتالي خفض الأسعار، لافتا إلى أنّ ذلك يفتح الباب أمام تحديد زيادة منطقية للعمال لأنه اليوم وفق الأسعار الحالية فإنّ أي زيادة دون الـ 500% تعتبر مجحفة بحق العمال وهناك صعوبة بتحقيق هذه الزيادة بهذه النسبة العالية.

بدل مقطوع شهري مُستمّر لموظفي القطاع العام

الإتحاد العمالي العام الذي يعمل على قدم وساق لإبرام تفاهمات مع الجهات الرسميّة بشأن الإضراب الحالي وحقوق عمال القطاع العام والخاص، أوضح رئيسه بشارة الأسمر لـ «الديار» أنّ موظفي القطاع العام يقسمون إلى قسمين: الأول يضم موظفي الإدارات العامة، تحت إطار» رابطة موظفي القطاع العام»، والقسم الثاني يتبع الإتحاد العمالي العام ويضمّ كلّ المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات والمستشفيات الحكومية، بما في ذلك المطار والمرفأ والضمان الإجتماعي والريجيه والإهراءات وأوجيرو ومؤسسة كهرباء لبنان، ومؤسسات المياه وغيرها، وهذه المؤسسات لا تلتزم فعليا بالإضراب الذي تقوم به رابطة موظفي الإدارة العامة اليوم.

ولفت إلى أنّ الإتحاد العمالي على تشاور دائم مع الرابطة وجرت اجتماعات مشتركة معها، ومع وزير العمل ورئيس الحكومة لحلحلة الإضراب، سبقتها سلسلة لقاءات عند رئيس التفتيش المركزي جورج عطية ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، أفضت إلى إعطاء بدل نقل 64 ألف ليرة ومقطوعة شهرية لمدة شهرين حدها الأدنى نصف راتب أي مليون ونصف ليرة، وحدّها الأقصى 3 ملايين ليرة، على أن يستأنف الحوار مع بداية السنة الجديدة وأن يكون هناك بنود بالموازنة تنصف كلّ مؤسسات ومصالح الدولة، وأن يكون هناك بدل مقطوع شهري مستمّر لموظفي القطاع العام.

ولفت الأسمرإلى أنّه ضمن مبدأ «خذ وطالب» قبِل الإتحاد العمالي العام هذا الإتفاق، فيما لم يقبله أعضاء الرابطة واستمروا بإضرابهم، مؤكدا ضرورة إعطائهم حقوقهم كاملة، وتأمين إيردات توفر هذه الحقوق، عبر حل مشكلة الأملاك البحرية والسرقات والفساد.

وإذ شدّد على حقوق الإدارة العامة التي تمثلها الرابطة واستمرار الحوار معها للوصول الى نتيجة، دعا إلى تخفيف وطأة الإضراب وتسهيل العمل بالإدارات العامة حتى تتمكن الدولة من تحصيل الرسوم والغرامات وزيادة جباياتها لأن الجبايات متوقفة اليوم نتيجة الإضراب.

وأوضح أنّه كان لا بدّ من قبول الإتفاق، أمام الإنهيار المتسارع، والتصاعد المستمر بسعر الدولار، وذلك من باب الحرص على الدولة لأنّ توقيف المرفأ أو الكهرباء أو مصالح المياه أو الضمان الإجتماعي أو أوجيرو ينعكس سلبا على معيشة المواطن الذي يعاني ما يعانيه وليس بحاجة الى مزيد من الإضرابات، فهو بحاجة إلى مواقف حازمة وجازمة، وليس إضرابات متواصلة تشكل نقمة متزايدة على الواقع العمّالي وواقع الناس بظل هذه الأزمة الخانقة.

فشل طرح مبالغ مقطوعة شهرية للقطاع الخاص

على مستوى القطاع الخاص قال الأسمر إنّ الإتحاد العمالي العام قام بواجباته ووصل إلى بدل نقل 65 ألف ليرة، وزيادة المنح المدرسية، وكشف عن طرح مبالغ مقطوعة شهرية للموظف في القطاع الخاص، إنما اصطدم بعدم وجود نيّة لدى أصحاب العمل للتصريح عن هذه المبالغ الى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي كي لا يترتب عليهم أعباء من حيث تعويضات نهاية الخدمة، -وهذا جائز لهم قانونيا، ما أدّى إلى توقف الحوار مبدئيا.

اضاف: المطلوب لحلحلة الأزمة، محاربة المتلاعبين بسعر الدولار في الغرف والمنصات السوداء، تحريك الاجهزة الأمنية والقضاء و أجهزة الرقابة لمراقبة الأسعار والضرب بيد من حديد، على أن يترافق ذلك مع إعطاء زيادات أو مبالغ مقطوعة، وختم أنّ الإتحاد العمالي العام طالب بمبلغ مقطوع إلى كلّ القطاعات العسكرية بقيمة مليون ونصف ليرة شهريا كبدل نقل، لا سيما في ظل المآسي والصعوبات التي تمر بها هذه المؤسسات، وقد لمس تجاوبا من رئيس الحكومة، لكن الأمور مرهونة بالتوافقات السياسية وانعقاد مجلس الوزراء لتمرير هذه المراسيم.

تخفيض العديد والدولار

لطالما وصم القطاع العام في لبنان بأنّه مغارة الفساد والمحاصصة والمحسوبيات نظرا للتوظيف المطيّف والفائض عن الحاجة أحيانا، إنّما في المقابل هذا القطاع يعني الدولة وهو حجر أساس ويحتوي الكثير من الطاقات والخبرات، وضرورة الإهتمام بموظفية أولوية وطنية، إنّما على قاعدة تخفيض سعر الدولار مسبوقا بتخفيض عديد هذا القطاع. 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني