إنقضت السنة وقُضي على التدقيق
إنقضت السنة وقُضي على التدقيق

اقتصاد - Tuesday, December 28, 2021 8:23:00 AM

نداء الوطن

خالد أبو شقرا

في 29/12/2020 أقر مجلس النواب القانون رقم 200/2020 القاضي بتعليق السرية المصرفية لمدة عام، إفساحاً في المجال أمام الشركة الموكلة بالتدقيق الجنائي منذ تموز 2020 الحصول على المعلومات المطلوبة. وعلى الرغم من ذلك، ضاعت الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 بين ادعاء المركزي تعاونه مع الشركة وتسليم كامل المستندات من جهة، وإصرار "ألفاريز" على عدم كفاية المعلومات للبدء بالتدقيق وتعليق المهام. وفي 17 أيلول الفائت عدّل العقد الموقع مع الشركة وقضى بتسليم مصرف لبنان المعلومات التي سبق أن رفض تسليمها في العقد السابق، على ان تصدر تقريرها الأولي بعد 12 أسبوعاً من بدء عملية التدقيق، أي قبل نهاية العام. وهذا ما لم يحصل.

التقرير ليس للمحاسبة

أسئلة كثيرة تطرح عن انعكاس انتهاء مفعول القانون 200/2020 على عملية التدقيق. أولها إن كانت الشركة تستطيع الاستفادة بعد هذا التاريخ من المعلومات التي سبق ورُفعت عنها السرية أم لا؟

مصدر حقوقي يعتبر أن "كامل المعلومات التي حصلت عليها الشركة إبّان مرحلة رفع السرية المصرفية يمكن لها استخدامها في تقريرها. لكن المشكلة لا تكمن في المعلومات إنما في قطبتين مخفيتين في العقد:

الأولى، أن التقرير يبقى سرياً ولا يمكن نشره.

الثانية، أن الشركة لا تستطيع استخدام المعلومات أمام المحاكم. ما يعني أن التقرير الذي سيصدر في النهاية عن الشركة لا يعدو كونه سوى مؤشر عام "يهدي" الدولة إلى أماكن الخلل والمخلين، لكنه لا يصلح للإدعاء على المرتكبين والمخالفين أمام القضاء. وإن قررت الدولة الملاحقة القانونية استناداً إلى المعلومات الواردة في التقرير، فعليها الإدعاء أمام المحاكم المختصة لتبدأ الأخيرة رحلة جديدة في التدقيق والملاحقة. ما يعني العودة إلى نقطة الصفر وتضييع المزيد من الوقت. إنطلاقاً من هذه الوقائع تعتبر المصادر أن "التدقيق الجنائي لا يتعدى كونه طبخة بحص بمكونات كلفتها 2.7 مليون دولار. وهو مشروع شعبوي غير قابل للحياة".

النقاط العالقة

بحسب الكتاب الأخير الذي أودعه مصرف لبنان وزارة المالية في تاريخ 6 كانون الأول الحالي، كرد على ادعاءات الشركة عدم تسلمها المعلومات المطلوبة يتبين بوضوح أن المشكلة ما زالت عالقة في 4 نقاط رئيسية وهي:

- إنتظار تزويد الشركة بالمزيد من بيانات المعاملات والحسابات المستخرجة من النظام المصرفي الأساسي.

- عدم تسليم تفاصيل حركة حسابات موظفي مصرف لبنان عن السنوات الخمس الأخيرة.

- عدم تقديم محاضر اجتماعات المجلس المركزي لمصرف لبنان عن السنوات الخمس الأخيرة.

- رفض تقديم البيانات العائدة للعام 2015.

تضييع الوقت

باستثناء النقطة الأخيرة التي تتناقض مع العقد الموقع في أيلول 2021 والذي يشمل كشف حسابات السنوات الخمس الأخيرة فقط، أي فعلياً منذ العام 2016 وليس 2015، فان انتهاء مفعول قانون تعليق السرية المصرفية يعني استحالة الحصول على بقية المعلومات المطلوبة. ما يعني أن "المركزي نجح مرة جديدة من بعد تجديد العقد في أيلول الفائت في تضييع الوقت لمنع تسليم الملفات وعرقلة التدقيق"، برأي المحامي والباحث الاقتصادي أديب طعمة، و"هي عرقلة تأتي من ضمن الاستراتيجية نفسها التي اعتمدها المركزي منذ إقرار قانون تعليق العمل بالسرية المصرفية نهاية العام الماضي". وبحسب طعمة فان "التدقيق الجنائي يعتبر بعين الدول المانحة أحد الشروط الاصلاحية الاساسية المطلوب تنفيذها لتقديم المساعدة. واذا ما أضيف الفشل في هذا الملف إلى عدم القدرة على تحقيق أي تقدم وإنجاز يذكر في بقية الملفات الاصلاحية، فان مساعدة لبنان على تجاوز الأزمة تصبح في "خبر كان"، ويضيع المزيد من السنوات في الفشل وإهدار الوقت والمزيد من التراجع". وبحسب طعمة فان "كل الاصلاحات في كفة وهموم المنظومة في كفة أخرى. فالأخيرة لا همّ لها إلا تذويب الودائع لتصفية حساباتهم وانقاذ شركائها في الأزمة، بعيداً عن مآسي المواطنين ومعاناتهم".

التفشيل مقصود

قبل نحو 22 يوماً على انتهاء مفعول القانون 200/2020، وتحديداً في 7 كانون الأول الحالي، عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي جلسة تشريعية وضع على جدول أعمالها 36 مقترحاً. من ضمن هذه المقترحات كان اقتراح معجل مكرر من نواب تكتل "الجمهورية القوية" لتمديد العمل بقانون رفع السرية المصرفية لاغراض التدقيق الجنائي حتى انتهاء الشركة من أعمالها. إلا أن الهيئة العامة أسقطت صفة العجلة عن الاقتراح محولة إياه إلى اللجان المختصة للدرس. وذلك على الرغم من توفّر الأكثرية المؤيّدة لصفة العجلة بوضوح داخل القاعة بحسب ما نقل عن المجتمعين وقتها. إلا أن رئيس المجلس اعتبر أن الأغلبية الموافقة غير متوفرة، وأعلن سقوط صفة العجلة عنه بعد لحظات على رفع الأيدي بدون أي تدقيق إضافي. و"هذا ما كان منتظراً من منظومة مطلوب منها التدقيق في نفسها"، بحسب الخبير الاقتصادي د. وليد أبوسليمان، و"غداً ستُستخدم عودة السرية المصرفية كذريعة للامتناع عن تقديم العالق من الملفات، وبالتالي إجبار شركة التدقيق "ألفاريز آند مارسال" على الانسحاب".

 


من دون أن ننسى أن مجلس النواب اتخذ قراراً في جلسته المنعقدة في 27/11/2020، جواباً على رسالة رئيس الجمهورية في ما يتعلق بالتدقيق الجنائي، والذي نص على أن "تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي، للتحقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرّع بسرية مصرفية أو خلافها". وبرأي أبو سليمان فان "نسف التدقيق الجنائي من قبل المنظومة هو ضرب لأحد أهم المبادئ الاصلاحية المطلوبة والتي تتمثل بتوزيع الخسائر والمحاسبة والشفافية. فمن دون تدقيق شفاف لا يمكن تحديد كيفية توزيع الخسائر وكيف صرفت الأموال. وعليه سيكون إفشال التحقيق عائقاً أمام أي اتفاق مستقبلي مع صندوق النقد الدولي، مثله مثل تقصد عدم إقرار "الكابيتال كونترول" في الوقت المناسب وبقية الاصلاحات.

مع توقيع وزير الداخلية والبلديات مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات النيابية في أيار المقبل، واذا لم يتم فتح دورة استثنائية فان النواب سيتفرغون قبل شهرين على الأقل من الموعد المحدد للحملات الانتخابية. ما يجعل من إمكانية تمديد العمل بقانون رفع السرية المصرفية مهمة شبه مستحيلة ويعدم الأمل بأي تدقيق جنائي.

ينتهي غداً مفعول قانون «تعليق العمل بأحكام قانون سرية المصارف»، والتدقيق الجنائي لا يزال معلقاً على «حبال هواء» مصرف لبنان. 365 يوماً بنهاراتها ولياليها في «جنة» الحسابات المفتوحة على «مصراعيها» ولم تذق Alvarez & Marsal «عسل» المعلومات والمستندات التي تسمح لها باتمام المهمة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني