رنى سعرتي
أطلق مصرف لبنان في حزيران 2020 منصة صيرفة بهدف وحيد، هو الحدّ من انهيار سعر صرف الليرة وتأمين الدولارات للتجار والمستوردين، للحدّ من ارتفاع أسعار السلع، وفقاً لسعر الصرف المعتمد في السوق السوداء. كما ألزم الصيارفة باعتماد سعر الصرف المحدّد عبر منصة صيرفة، وتسجيل العمليات بالدولار، في محاولة لوقف المضاربات التي تعمل بشكل متعمّد، بحسب حاكم المركزي، بالإضافة الى المنصات الالكترونية، لتسريع انهيار الليرة.
لم تفلح منصة صيرفة، منذ اطلاقها ولغاية اليوم في خفض سعر صرف الدولار، كما انّها لم تمنع اسعار السلع المستوردة من الارتفاع مواكبة لسعر الصرف في السوق السوداء، رغم انّ نسبة كبيرة من التجار والمستوردين يشترون الدولارات عبر صيرفة، ويفوق حجم التداول عليها الـ10 ملايين دولار يومياً، بمعدل يقلّ عن سعر الصرف الحقيقي بحوالى 25%. بالإضافة الى ذلك، فإنّ الصيارفة توقفوا عن التداول وفقاً لسعر صرف صيرفة بعد فترة قصيرة من اطلاقها، لأنّ أحداً لن يقبل ببيع دولاراته بسعر صرف يقلّ عن السعر الحقيقي. وبما انّ مصرف لبنان لا يزوّدهم بالسيولة النقدية بالعملات الاجنبية لبيعها بالسعر المحدّد على المنصة، فإنّ الصيارفة لا يمكن ان يتحمّلوا تلك الخسائر في فوارق سعر الصرف. وبالتالي، تمّ وقف العمل بها من قِبلهم. ويبقى السؤال: أين تذهب تلك الدولارات؟ ولماذا لم تساهم في خفض سعر صرف الدولار أو في خفض أسعار السلع؟ ومن هم المستفيدون من شراء تلك الدولارات بسعر صرف أقلّ من السوق السوداء؟
في هذا الإطار، اوضح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية»، انّ التداعيات السلبية للمنصة، تكمن في انّها تفتح باب الاستنسابية في اختيار المستفيدين منها، أي الافراد الذين يشترون الدولارات عبرها بأسعار صرف اقلّ من السوق السوداء من خلال المصارف. أما ايجابيات صيرفة، انّها تخفّض الطلب على الدولار في السوق السوداء، حيث تلبّي نسبة كبيرة من الطلب على الدولار، كانت ستتوجّه الى السوق السوداء لولا وجود صيرفة، وكان سيكون هناك طلب اضافي على الدولار. وبالتالي، كان سيؤدّي الى ارتفاع سعر صرف الدولار بنسبة اكبر.
لكن حمود اشار الى انّ المشكلة انّ حجم الدولارات التي يتمّ بيعها عبر المنصة وحجم الدولارات المتوفر لدى الصيارفة، لا يكفي لتلبية حجم الطلب في السوق، خصوصاً للاستيراد والتجارة، بالإضافة الى الطلب من قِبل الافراد للتخزين وغيره. قائلاً، انّ حجم الطلب على الدولار ما زال كبيراً، وفي حال وقف العرض من قِبل مصرف لبنان او السوق، فإنّ ذلك سيؤدي الى مزيد من الارتفاع في سعر صرف الدولار.
واعتبر انّ مصرف لبنان يدرك تماماً انّ صيرفة ليست الحلّ، وانّها تؤدي الى استنزاف الودائع، حيث كان حجم الاحتياطي 18 مليار دولار وتراجع تدريجياً الى 16 و14 ملياراً وصولاً الى 12 ملياراً والهبوط متواصل، «وذلك من اجل محاولة لجم سعر الصرف على حساب اموال المودعين».
في المقابل، تلعب الاستنسابية الدور الأبرز في عمل منصة صيرفة، وكأنّ الدولارات التي تمّ هدرها سابقاً نتيجة سياسة دعم السلع، والتي صبّت فقط في مصلحة التجار والمحتكرين لا تكفي، حتى تأتي منصة صيرفة لتشكّل امتداداً لتلك السياسة، حيث انّ التجار يستفيدون من شراء الدولارات على سعر صيرفة الذي يقلّ عن السعر الحقيقي بحوالى 25 في المئة، ويستمرون في تسعير البضائع والسلع للمستهلك على اساس سعر صرف السوق السوداء، بما يؤمّن لهم ارباحاً مالية على حساب تراجع قدرة المواطن الشرائية.
وإذا كان سعر صرف صيرفة يُعتمد حالياً لدعم 85 في المئة من فاتورة البنزين المستورد، فإنّ هذا الدعم لم يعد يجدي نفعاً، إذ انّ اسعار البنزين مع صيرفة ومن دونها اصبحت خارج قدرة المواطن اللبناني. كذلك يندرج في الاطار نفسه، تسديد رواتب القوى العسكرية بالدولار عبر المصارف على سعر صرف منصة، أي انّ الراتب الذي يبلغ مليوني ليرة يمكن سحبه على سعر صرف صيرفة ليصبح حوالى 80 دولاراً، ليتمّ بعدها بيع تلك الدولارات في السوق السوداءـ لتصبح مليونين و350 الف ليرة بدلاً من مليونين!