طوني عيسى
ليس غوتيريس أقوى من هوكشتاين الذي فشل حتى اليوم في فرض تسوية في الناقورة، ولا هو أقوى من ماكرون الذي فشل دائماً في فرض الإصلاح، ولا عنده الأوراق التي يملكها السعوديون، وقد فشلوا في الحدّ من نفوذ «حزب الله» في القرار والتمدّد إقليمياً. ومع ذلك، جاء غوتيريس إلى بيروت، حاملاً إلى الطبقة السياسية إيّاها، الملفات إيّاها، والمطالب إيّاها. فهل منطقيّ أن يَتوقّع نتائج مختلفة؟
في الوقت الضائع، وانتظاراً لما يمكن أن ينتج عن المفاوضات الإيرانية - الأميركية في فيينا، تحرَّك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في اتجاه لبنان، بهدف واحد: عدم السماح بسقوط هذا البلد في الفوضى، فيتحوَّل بؤرة تزعزع الاستقرار في حوض المتوسط وأوروبا.
يتحرك غوتيريس عاجلاً، بعدما وصل لبنان إلى مستوى انهيار يهدِّد بتجاوز كل الحدود، مع وصول الدولار إلى حافة الـ30 ألف ليرة، وتَعطّل الإدارات والمؤسسات والأجهزة الأساسية، وبلوغ غالبية الشعب اللبناني حافة الفقر، وانزلاق بعض الشرائح إلى الجوع الفعلي، فيما جائحة «كورونا» تتوثّب لموجة جديدة تُنهك القطاع الاستشفائي المتلاشي.
فما يُقلق غوتيريس هو أن يدفع هذا الواقع بعشرات الآلاف من النازحين السوريين أو الفلسطينيين، أو الفئات اللبنانية الأشدّ فقراً، إلى ركوب البواخر كمهاجرين نحو شواطئ أوروبا، حيث تتخبط الحكومات في التعاطي مع هذه الأزمة.
ويزيد المخاوف ما ظهر أخيراً من تقارير عن احتمال تغلغل الخلايا الإرهابية في أوساط البيئات الفقيرة، مستفيدة من حال الضياع والنقمة، بحيث يتم استخدام لبنان منصة للإرهاب نحو العالم.
عند هذه الحدود، يبدو دور غوتيريس حيوياً، وهو الأوروبي (من البرتغال)، والأكثر خبرة في شؤون النازحين السوريين، إذ واكب انفجار مشكلتهم عام 2011، خلال وجوده على رأس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بين 2005 و2015. كما أنه يعرف جيداً خصائص وجود 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان.
يحاول غوتيريس، وبتغطية أوروبية خصوصاً، تشجيع قوى السلطة في لبنان على التعاون لمنع الوصول إلى هذه الفوضى. ولتحقيق هذا الهدف، هو يريد منها تسهيل الحلول في 3 محطات يتوجب على لبنان أن ينخرط فيها، في الشهرين الأولين من السنة المقبلة:
- إنجاز اتفاق مع صندوق النقد الدولي وفق خطة إنقاذ تحدُّ من وطأة الاختناق الاجتماعي.
- تحريك عمل الحكومة والمؤسسات والأجهزة.
- إبرام اتفاق على مخزونات الغاز بين لبنان وإسرائيل.
وبعد ذلك، يتم إجراء انتخابات نيابية تفرز سلطة جديدة.
والأمم المتحدة منخرطة عضوياً في 3 ملفات ساخنة في لبنان على الأقل، هي: ملف النازحين عبر المفوضية العليا، وملف صندوق النقد التابع أيضاً للأمم المتحدة، وملف مفاوضات الناقورة التي ترعاها «اليونيفيل». كما يمكن للمنظمة الدولية أن تضطلع بدور في رعاية العملية الانتخابية المنتظرة في الربيع.
ولكن، هل يمتلك غوتيريس فعلاً حظوظ النجاح؟
في تقدير بعض المطلعين أنّ غالبية أركان السلطة الذين يصفّقون اليوم له إنما يفعلون ذلك بنيّة خبيثة، كما فعلوا مع ماكرون ويفعلون مع دوكان والوسطاء والموفدين الآخرين. ففي الواقع، جاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لتعيد الاعتبار إليهم، بعدما احترقت أوراقهم أمام الأميركيين والأوروبيين والعرب، وانكشف انخراطهم في الفساد ورفضهم المطلق لمتطلبات الإصلاح.
ولذلك، تعمدت القوى الدولية والعربية الاتصال بالجيش ودعمه وحده، وإرسال المساعدات إلى المجتمع المدني مباشرة. واليوم، يعتبر هؤلاء أنّ زيارة غوتيريس فرصتهم الثمينة لكي يعوّموا أنفسهم، وعلى أعلى المستويات الدولية.
وستقوم قوى السلطة بالمناورة واستيعاب المكاسب الآنية من هذه الزيارة، لكنها ليست مضطرة إلى التجاوب مع مطالب غوتيريس. فالرجل ليس له وزن حقيقي، بل موقع معنوي، كالفاتيكان إلى حدّ بعيد. وأما القوة فهي للنافذين إقليمياً ودولياً.
وبالتأكيد، لن يُقدِّم الطرف الأقوى داخلياً، «حزب الله»، أي تنازل، ولن يفرج عن أي تسوية في أي ملف، ما لم يكن ذلك جزءاً من تسوية كبرى تنخرط فيها إيران. وهذا الأمر يبقى رهن النتائج التي يمكن أن تفرزها مفاوضات فيينا.
وانطلاقاً من هذا الواقع، ثمة من يعتقد أنّ غوتيريس، بزيارته للبنان ولقاءاته أركان المنظومة السياسية، إنما يدخل إلى حديقة الذئاب. وقد ينجو هو نفسه موقتاً إذا رمى لكل ذئبٍ ما يشتهيه. ولكن، في النهاية، هو سينفق كل ما لديه. وحينذاك، سيضطر إلى المغادرة سريعاً، لئلا يصبح هو الفريسة.