مع الانتفاضة الشعبية او ضدّها، ايجابيات عدّة ظهرت في الفترة نفسها اي منذ حوالي الثلاثة اشهر، أولاها التخلص من المظاهر المزيفة التي كان يتمسك بها معظم الشعب اللبناني.
فالأقنعة سقطت والعبارات الفضفاضة أُلقيت في سلة المهملات، لان الجميع باتوا يعلمون أنهم غير قادرين على السير قدماً نحو "الفخفخة"، وأن الحقيقة الموجعة تظهر يوما بعد يوم، ما دفعهم ومن دون تردد الى مشاركة ظروفهم الصعبة لربما يجدون من يخفف عنهم معاناتهم.
منصة "فيسبوك" التي لطالما استعملت للترفيه والضحك والتسلية، اصبحت فجأة الملجأ الاول لكل محتاج و"ملتقى لفاعل الخير والمحتاج"، وذلك من خلال مخرجة ابداعية في حقل الاعلانات تدعى هلا دحروج، قررت الابداع في مجال انساني اجتماعي من خلال انشاء صفحة في "فيسبوك" اسمها "LIBANTROC".
هكذا بدأ الامل...
هلا دحروج بدأت مسيرتها في خدمة الناس المحتاجين انطلاقاً من منزلها حيث تعيش مع اولادها الثلاثة، هذه الأمّ كانت تؤمن الطعام والالبسة على قدر امكانياتها وتوزّعها للمحتاجين الى أن جاءت "الثورة" التي قررت خلالها دحروج تغيير حياة الاخرين، فثارت على طريقتها الخاصة.
"كنت "مدبرسة" بسبب الازمة التي نعيشها والكل يريد التغيير لكن احدا لا يتحرك لتحقيقه فعلا لا قولا"، هكذا عبرت دحروج عن سبب فتحها للصفحة على "فيسبوك"، مشيرة الى انه "عندما سمعتُ أن عددا من الاشخاص انتحر بسبب الوضع الاقتصادي، أحسستُ عندها انه عليّ القيام بأمر ما لانني لا أحب ابدًا تضييع الوقت وانطلاقا من ايماني بفكرة "يا غيروا، يا ما تنقوا"، فكرتُ في مواقع التواصل الاجتماعي التي يستعملها الناس بطريقة خاطئة حينها قررت أن استعمل "فيسبوك" بطريقة ايجابية وتفيد الناس وهكذا بدأت واصدقائي بهذه الخطوة."
ولفتت دحروج الى "انني أؤمن جدا بفكرة المقايضة ومن هنا خطرت في ذهني فكرة تقوم على تبادل الخدمات بين الناس في ظل الظروف الحالية الصعبة فيقدّم كل مواطن ما يحتاج اليه الاخر، فنتعاون للصمود الا أن الصفحة تحولت الى مقايضة (تقديم خدمات متبادلة) وتقديم تبرعات معاَ"، مضيفة "بحب قدّم خدمات وما بحب المصاري".
وتؤكد دحروج ان الازمة جعلتها تفكر بالهجرة الا أن استخدام طاقاتها في سبيل مساعدة الناس جعل الامل يعود اليها والسعادة تسكن في قلبها وبالتالي تراجعت عن فكرة الهجرة.
فريق كبير يعمل بشكل تطوعي في صفحة "LIBANTROC"، واعضاء هذا الفريق من جميع الاختصاصات من اطباء ومحامين وغيرهم، هذه الصفحة التي اصبحت تشكل عائلة مؤلفة من اشخاص من جميع الطوائف ومختلف المناطق، اعادت الامل الى اللبنانيين، اذ أن دحروج واعضاء الصفحة استأجروا منزلا في منطقة دير قوبل في الشويفات مخصصا لكل متشرد وجائع ولكل انسان فقد عمله ويحتاج الى سند للانطلاق مجددا في الحياة، وعمدوا الى تأمين الطعام والثياب لهؤلاء الاشخاص وغيرهم، كما تمكنوا من فرش بعض المنازل.
واعلنت دحروج في حديثها الى موقع VDLnews انهم بحاجة الى المزيد من المتطوعين، مشددة على أن عائلة LIBANTROC منفتحة على الجميع فـ"شربل يساعد ويعطي محمد ما يحتاج اليه والعكس".
وأكدت "حتى لو ما قدرنا نأمن شي، بكفي الامل يلي عم تقدموا هيدي العيلة الحلوة".
وعن كيفية تأمين المبلغ اللازم لدفع ايجار المنزل، شرحت دحروج أن مبلغ الايجار مؤمن لمدة اربعة اشهر حتى الان وذلك بفضل نساء لبنانيات يعشن في الاغتراب، مؤكدة أن المساعدات المادية التي تُطلب لمريض او لدفع ايجار يمكن أن يقوم الشخص المتبرع بدفعها بنفسه حيث يجب، اذا كان لا يرغب في تسليمنا اياها مباشرة.
واشارت الى أن اعضاء الفريق يتأكدون، كل بحسب منطقته، من مصداقية الشخص الذي يقدّمون له العون.
وبهدف تأمين مساعدات للاشخاص الذين يقصدون الصفحة، تبيع دحروج حاليا اساور في اليد مقابل مبلغ 3000 ليرة لبنانية للواحدة منها، صممتها بنفسها وهي موجودة في نقاط عدّة في لبنان والخارج.
وتكمل دحروج عن تجربتها "رأينا حالات مؤثرة جدا"، وتخبر عن رجل، ساعده فريق "LIBANTROC"، يسكن في برج حمود كان قد باع كليته لاطعام اولاده في وقت سابق وحالة منزله سيئة جدا، فقام الفريق بتأمين كمية من المأكولات له، الا أن الرجل نفسه تقاسم الطعام المقدم له مع أحد المحتاجين كما تبرّع بكرسي متحرك كان لوالده، وأوصل الكرسي الى الشخص الذي يحتاج اليه في صيدا، مشيرة الى ان الفريق أمّن لهذا الرجل عملا.
كما تخبر عن امرأة جرى تقديم المساعدة لها، ففتحت بدورها بيتها لكل شخص لا يملك سقفا يحميه.
ووجهت دحروج رسالة الى اللبنانيين المغتربين بالقول انه يجب عليهم ان يتواصلوا معنا اذ يمكنهم ان يساعدوا في تسديد اقساط مدرسية لاولاد فقراء وتقديم مساعدات مادية اخرى، لافتة الى أنه في خلال هذه الازمة المعيشية اصبح المواطن يتمنى أن يسكن في غرفة الناطور ليخفف الاعباء المادية عنه.
كما حضّت دحروج الاشخاص الذين يفكرون بالهجرة، على ان "يكونوا هم التغيير"، متوجهة الى كل شخص بالقول:"بلّش من نفسك، وشيل الفساد من حالك، وما تنطر غيرك يغيّر وحاسب نفسك قبل ما تحاسب الغير."
وردًا على سؤال حول الرسالة التي تودّ أن توجهها الى الوزارات المعنية والسلطة، اجابت دحروج "سِنْغُفْ، بفضّل ما اتعاطى معهم لانن بلا ضمير."
واضافت:" انا لا انام الليل اذا علمت ان هناك أحدا ينام على الطريق!".
الامال في هذا الوطن الكئيب تولد مجددا في ظل وجود عائلة مثل عائلة "LIBANTROC" التي لا حدود لها في العطاء في ظل غياب شبه تام للدولة ومؤسساتها، وكل بسمة نرسمها على وجه انسان تعود لنا على شكل دعوة بالخير، فلا تترددوا بالعطاء!.