تمر العلاقة بين الرئيس ميشال عون وحزب الله في هذه الفترة بحالات من التوتر والتشنج بسبب ملفات ومسائل عدة، منها مسألة انعقاد مجلس الوزراء وتحقيقات المرفأ، ومسألة قانون الانتخابات والتعديلات التي أدخلت عليه، ومسألة العلاقة مع دول الخليج. ويبدو هذا التوتر طبيعيا مع بدء العد العكسي للعهد واقتراب موعد الاستحقاقات الكبرى والقرارات الحاسمة. لكن ثمة سببين رئيسيين ومباشرين يقفان وراء هذا "التنافر":
ـ الأول يتصل بالرئيس نبيه بري ودوره وموقف حزب الله منه. فأوساط التيار الوطني الحر تعتبر دور بري سلبيا ومعرقلا ومتسببا في خسائر سياسية كان آخرها خسارة معركة تعديل قانون الانتخاب، وتعتبر أن الحزب هو الذي يؤمن الحماية والغطاء لبري، ولولا ذلك لكان العهد نجح في تركيز دعائمه وتحقيق أهدافه، وكان بري لحق بالرئيس سعد الحريري الذي تهمش دوره وبوليد جنبلاط الذي حجّم موقعه. لكن لا مجال لدى حزب الله لمسايرة عون وباسيل في مطلبهما الداعي الى تحجيم بري، وهذا لم يحدث من قبل ولن يحدث في سنة العهد الأخيرة، ولا يقبل الحزب أن يوضع أمام معادلة الخيار الصعب: إما نحن وإما بري. وإذا وضع أمام هذه المعادلة فإنه يختار بري لأن الخلاف الشيعي خط أحمر والأولوية لوحدة الطائفة وتماسكها واستقرارها.
ـ الثاني يتصل بالاستحقاق الرئاسي الذي بدأ العد العكسي له في ظل ظروف صعبة وغامضة يصعب معها على أي كان حسم خياراته من الآن، أو التحكم بمجريات هذا الاستحقاق، فالرئيس ميشال عون الذي حدد وكشف هدفه وأمنيته بأن يوصل النائب جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية خلفا له، مثلما أوصله الى رئاسة التيار الوطني الحر وأورثه الزعامة السياسية، يريد من حزب الله موقفا والتزاما من الآن بهذا الخصوص. لكن الحزب لا يستطيع إعطاء مثل هذا الالتزام أو التعهد كما فعل مع الرئيس عون لأسباب مختلفة. ومع أن الحزب لديه مصلحة أكيدة في إيصال باسيل الى الرئاسة إذا استطاع الى ذلك سبيلا، إلا أنه يدرك بالمقابل أن الظروف التي حكمت معركة عون الرئاسية مختلفة عن الظروف التي تحكم معركة الرئاسة المقبلة، وأن ورقة الفراغ الرئاسي لا يمكن أن تلعب لفترة طويلة في ظل الظروف الراهنة، وأن فرص باسيل ضعيفة ووضعه صعب بسبب العقوبات الخارجية والعزلة الداخلية، وحيث إنه لا أحد معه إلا حزب الله الذي سيكون عليه مواجهة الجميع تقريبا من أجله، إضافة الى أن الاعتبارات الأخلاقية والأدبية التي حكمت علاقة الحزب مع عون ليست موجودة في العلاقة مع باسيل التي تخضع فقط لحسابات سياسية و"مصلحية".
إذا كان حزب الله لم يقرر ولا يلتزم في موضوع رئاسة الجمهورية، فإنه قرر في موضوع الانتخابات النيابية، وقادر على تقديم التزامات وتعهدات في هذا الشأن، وهو قرر توفير كل الدعم للتيار الوطني الحر ولرئيسه، ليس حبا بباسيل وإنما «كرها» بسمير جعجع، ولتفادي أن تتحول "القوات" الى القوة المسيحية الأولى شعبيا وبرلمانيا. وتنفيذا لهذا القرار، فإن حزب الله شرع في التنسيق مع التيار والتداول معه في مختلف الدوائر المختلطة وذات "الاهتمام المشترك"، وسيوفر الدعم لحليفه في كل دائرة وبطريقة أكثر وضوحا وأكبر حجما مما حصل في العام 2018 عندما كان باسيل متحالفا مع الحريري ولم يكن في حاجة ماسة الى أصوات حزب الله.
اتخذ حزب الله قراره بعدم خسارة التيار الوطني الحر في الانتخابات وعدم خروجه مهزوما، بعد التراجع الملموس الذي طرأ على شعبيته وراكمته التطورات التي لم تكن في مصلحته منذ سنتين، بدءا من ثورة 17 تشرين، مرورا بانفجار مرفأ بيروت، وصولا الى أحداث عين الرمانة. لكن الحزب لم يأخذ أي قرار بدعم باسيل الى رئاسة الجمهورية، وقد لا يأخذ مثل هذا القرار أبدا، خصوصا أن إشارات أولية صادرة عنه تفيد بأنه بات أقرب الى خيار سليمان فرنجية ويراه أسهل منالا وأقل تكلفة. وكانت الإشارة الأولى صدرت عن حزب الله، وفتحت الباب أمام حركة اتصالات ولقاءات بين حارة حريك وبنشعي من خلال "أزمة قرداحي" وبعدها. ويبدو الحزب معنيا، الى جانب دعم باسيل في الانتخابات النيابية، بالقيام بعملية مصالحة بين باسيل وفرنجية، وأيضا على قاعدة الفصل بين الملفين النيابي والرئاسي، لأنهما بحاجة الى التحالف شمالا في انتخابات الدائرة المسيحية بمعزل عن المنافسة الشرسة وافتراق المصالح بينهما في الانتخابات الرئاسية.