مايز عبيد
تفقد مدينة طرابلس مؤسساتها ومصانعها يوماً بعد يوم، أمام أزمة مستفحلة لا يجد التجار طاقة نجاة للخروج منها. وفي غياب أي خطة للنهوض بالمدينة تقفل هذه المؤسسات، ويفرغ السوق الطرابلسي والشمالي من تجاره، ويفقد كثيرون فرص عملهم.
أما التجار، فهم يتنوعون بين من يقفل مؤسسته بشكل نهائي في طرابلس بهدف الهجرة إلى بلد آخر، لا سيما إلى تركيا ومصر وسلطنة عمان، لإعادة افتتاح مؤسسته هناك. وهؤلاء غالباً هم التجار الذين ما زالت لديهم القدرة المادية على الإستمرار وهم قلة. نوع آخر يقفل مؤسسته إلى أجل، ويبقى في طرابلس، على قاعدة حصر الخسائر وتخفيف الأعباء، ريثما تعود الأمور وتستقر أحوال الدولار، لإعادة فتح مؤسسته من جديد. ونوع ثالث يقفل مؤسسته ويبقى في بيته، لأن لا قدرة لديه للهجرة وفتح عمل جديد خارج لبنان. وبين هذا وذاك وذلك، هناك من لا يزال في مؤسسته ومدينته، صامداً يحاول الحفاظ على ما تبقّى على مقولة "ناطرين الفرج".
يشرح أمين سر جمعية تجار طرابلس غسان الحسامي الوضع ويقول: "تعيش مؤسسات طرابلس واقعاً مريراً منذ 2007 وتالياً، مروراً بجولات العنف الإحدى والعشرين، من 2008 وحتى 2014، وشكلت هذه الأحداث الدافع الأكبر وراء هجرة العديد من المصانع لا سيما مصانع الألبسة، حتى وصلنا إلى العام 2019 منهكين مستنزفين".
أضاف: "من عام 2019 بدأنا نشهد الإنهيارات المتتالية، وبدأ التضييق علينا من المصارف يشتد ومنعوا الدولار عن التجار، ونحن نعلم أن التجارة أكثرها استيراد من الخارج. هذه الأسباب والتراكمات، أوصلت إلى ما وصلنا إليه. صحيح أن الجسم التجاري في لبنان كله متعب، ولكن نحن في طرابلس، النقطة الأضعف على مستوى كل لبنان؛ لأن وضعنا من الأساس لم يكن سليماً".
وأكد الحسامي أن مؤسسات طرابلس "تواجه عجزاً كلياً، والكثير من المؤسسات أقفلت تطبيقاً لمقولة عدم الشغل شغل، والتي بقيت تكابد للصمود من اللحم الحي وخسرت الكثير من رأسمالها أمام الإرتفاع المتواصل للدولار مقابل الليرة. وهناك مزيد من المخاطر المحدقة بالقطاع التجاري وأنا أعرف العدد الأكبر من الزملاء التجار الذين توجهوا إلى تركيا أو إلى مصر واستقروا هناك ونقلوا كيانهم الإجتماعي كما مؤسساتهم التجارية وهذا ما يضعف أكثر الحضور التجاري في طرابلس".
وشدد الحسامي على أن التاجر "بدون كهرباء وبدون محروقات وبدون أي ضمانات اجتماعية، وهجرة التجار ليست ترفاً إنما سعي وراء الإستقرار والأمان والكرامة المفقودة في لبنان. كما أن هناك أشخاصاً يقفلون مؤسساتهم ويجلسون في بيوتهم. أنا صاحب مؤسسة أقفلتها في 2021 حفاظاً على سلامتي التجارية، لا سيما إذا كانت المصلحة تحسب من ضمن الكماليات. تخيل في النهار الواحد أن يدخل محلك أكثر من 20 متسولاً، ولا يدخل زبون واحد. بعد سنة من الإقفال تبين أنني كنت محقاً لأن الدولار ارتفع ثلاثة أضعاف. الآن السوق يعيد تموضعه، لصالح تجارة الأونلاين التي فرضت نفسها كتجارة بديلة في الآونة الأخيرة".
وأشار الحسامي إلى أنه "في شباط 2020 أجريت إحصاءً في 11 موقعاً في المدينة، تجمع 950 محلاً تجارياً، تبيّن أن من بينهم 270 محلاً أقفلت إلى غير رجعة، وهذا ضمن مناطق تجارية وشوارع مكتظة. هناك تجار أنهوا إيجارات محلاتهم وسلموها لأصحابها. الإحصاء الذي أجريته بيّن ما نسبته 30 % أقفلوا، لكن هذه النسبة قد أصبحت أكثر من ذلك أيضاً. هناك روزنامة تجارية يعتمد عليها التاجر لتعويض بعض خسائره وهي الأعياد الرسمية الخمسة بشكل أساسي. مثل هذه الأيام أسواقنا كانت لا تقفل قبل منتصف الليل، والشوارع والمحلات فيها الزينة والبهجة والفرح. للأسف، حتى الزينة مفقودة والحزن يسيطر على نفوس الناس. عمل المؤسسات يقتصر على الحد الأدنى الأدنى، لأن أولويات الناس صارت في الكهرباء والبنزين والأكل والتعليم ولم تعد هناك إمكانيات لأمور أخرى أمام هذا الضعف في المداخيل والقدرات الشرائية. فالأزمة فاقت قدرات الجميع، ولمن ستشكو؟ هل نشكو لبلدية لم تتمكن حتى اليوم من دهن جدرانها التي احترقت منذ أشهر؟ حاولنا الكثير كجمعية تجار لتوفير الصمود، ولكن لا سياسة لدى الدولة لدعم مناطق الأطراف".
وختم الحسامي: "طرابلس في واقع صعب على كافة الأصعدة. أبناؤها يخرجون منها والوافدون لا يأتون من باقي المناطق لأن أوضاعهم ليست أحسن. ما يحصل هذه المرة أصعب من أي شيء حصل في السابق. وأمام كل المضايقات التي تمارس على التجار، والعوامل التي تحول دون أن يقف السوق على رجليه من جديد، وفي غياب أي أفق للحل لا يمكننا إلا أن نقول (الله يحفظ طرابلس ويلطف بلبنان واللبنانيين).