"طاقة الهيدروجين" ليست مفهوما جديدا في مجال الطاقة، إذ تعود أول تجارب استخدام الهيدروجين مصدرا للطاقة إلى بداية القرن التاسع عشر
وترجع الدراسات الجدية الأولى في الموضوع إلى منتصف القرن العشرين. لذلك، يمكننا وصف الاهتمام الحالي بالهيدروجين بأنه "نهضة طاقة الهيدروجين".
ولا شك في أن تجدد الاهتمام بطاقة الهيدروجين وتطور سوق الهيدروجين على خلفية هذا الاهتمام يتعلق بالخطط التي اعتمدتها معظم الدول للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق الحياد الكربوني أو المناخي في المستقبل المنظور (أي منتصف القرن الحالي).
ويتحقق كلا الهدفين إذا نجحنا في خفض سريع وحاد في حصة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة.
السوق الأكثر نموا
ولقد اعتمدت أكثر من 20 دولة حول العالم برامج وطنية طويلة الأجل لتطوير تقنيات الهيدروجين.
أما سوق الهيدروجين فهو الأكثر نموا في دول أوروبا وأمريكا وآسيا وبينها ألمانيا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة حيث تشهد الصناعات البتروكيماوية الرائدة تطورا نشطا.
وتأتي الصين وكوريا الجنوبية وبريطانيا بين الدول التي تبذل جهودا حثيثة من أجل تطوير هذا القطاع. كما تعمل دول في الشرق الأوسط وبينها السعودية والإمارات ومصر وعمان والمملكة المغربية على زيادة الاستثمارات في إنتاج الهيدروجين.
وأصبحت روسيا لاعبا واعدا آخر في هذا السوق حيث حددت مهمة بناء قطاع طاقة الهيدروجين موجهة للتصدير كإحدى أولوياتها في الاستراتيجية الوطنية للطاقة حتى عام 2035.
وتعطي شركة "روساتوم" الأولوية الاستراتيجية لتطوير تقنيات إنتاج الهيدروجين ذات القدرة التنافسية على المستوى العالمي، وعلى المدى القصير تعتزم الشركة تطوير كفاءات وخدمات في مجال الهندسة الهيدروجينية، بالإضافة إلى تطوير حلول متكاملة للبنية التحتية الهيدروجينية.
وفي آب من العام الجاري أقرت الحكومة الروسية برنامجا لتطوير القطاع يقضي بإنشاء مجمعات لإنتاج الهيدروجين.
ومن المتوقع أن يتخصص المجمع الشمالي الغربي في تصدير الهيدروجين إلى الدول الأوروبية والعمل على تنفيذ إجراءات إزالة الكربون في الشركات الروسية التي تورد منتجاتها للخارج.
أما المجمع الثاني المزمع إنشاؤه في شرق البلاد فسيركز على تصدير الهيدروجين إلى الدول الآسيوية بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية للهيدروجين في قطاعي النقل والطاقة.
وبموجب البرنامج من المخطط أيضا إنشاء مجمع في المنطقة القطبية الشمالية سيوفر مصدرا لطاقة منخفضة الكربون للأراضي التابعة للمنطقة القطبية الشمالية الروسية.
وأدرجت "روساتوم" طاقة الهيدروجين عام 2018 ضمن قائمتها لمسارات التطوير العلمي والتكنولوجي ذات الأولوية.
الآفاق العالمية
في الوقت الحاضر، يصل مستوى الطلب العالمي على الهيدروجين إلى 74 مليون طن في حين تظل شركات البتروكيماويات مستهلكا أساسيا للهيدروجين.
وتشكل حصة إنتاج الأمونيا والميثانول 70% من إجمالي استهلاك الهيدروجين بينما يستهلك قطاعا النقل والطاقة حاليا 0.1% فقط من إجمالي الهيدروجين المنتج، ولكن في ضوء وجود الخطط العالمية الرامية إلى إزالة الكربون ومكافحة تغير المناخ من المتوقع أن يتزايد استهلاك الهيدروجين في هذين القطاعين بعينهما مستقبلا.
والآن لا يزال هذان القطاعان يمثلان المصدر الرئيسي لانبعاثات الكربون (بلغ حجم الانبعاثات الناجمة من قطاعي إنتاج الطاقة والنقل 40% من إجمالي الانبعاثات العالمية).
يؤكد الخبراء الدوليين والمنظمات الدولية بما فيها وكالة الطاقة الدولية أن قطاع طاقة الهيدروجين يتمتع بإمكانات واعدة للنمو وأن أمامه آفاق كبيرة.
وفقا للسيناريو الأساسي، سيصل الاستهلاك العالمي للهيدروجين إلى 314 مليون طن بحلول عام 2050 (تعود 159 مليون طن من هذا المستوى إلى قطاعي النقل والطاقة).
وفقا لتقديرات "مجلس الهيدروجين" العالمي ستغطي الطاقة المولدة من الهيدروجين 18% من جميع احتياجات الطاقة العالمية بحلول عام 2050.
وتبدو توقعات "بلومبرغ إن إي إف" حتى أكثر تفاؤلا إذ تشير إلى أن الهيدروجين سيلبي 24% من احتياجات العالم من الطاقة بحلول منتصف القرن الحالي.
كما يتوقع خبراء "بلومبرغ إن إي إف" زيادة الاستثمار في إنتاج الهيدروجين خلال العقود الثلاثة القادمة إلى 11 تريليون دولار أمريكي بينما قد ينخفض سعره إلى مستوى أسعار الغاز الحالية.
التحديات
تأتي التكاليف العالية لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطرق صديقة للبيئة والمخاطر أثناء نقله وتخزينه بين التحديات الرئيسية التي يواجهها قطاع طاقة الهيدروجين.
حسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) سيكون سعر الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة المولدة من المصادر المتجددة عند مستوى 4-6 دولارات للكيلوغرام بحلول عام 2025 مع احتمال الانخفاض إلى دولارين للكيلوغرام بحلول عام 2040.
يعمل العلماء والمهندسون في دول عديدة على تطوير تقنيات أرخص لإنتاج الهيدروجين ستكون في الوقت نفسه خالية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وفي هذا السياق تدعم وزارة الطاقة الأميركية البرامج البحثية التي يفترض أن تساعد على خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين لتبلغ دولارين للكيلوغرام بحلول عام 2025 وإلى دولار واحد لكل كيلوغرام بحلول عام 2030.
يتوقف نجاح تطوير سوق الهيدروجين على التجاوز حاجز السعر وهو أمر يتطلب ليس توسيع نطاق الإنتاج والاستهلاك فحسب بل أيضا دعما نشطا من قبل الدولة.
يتم الآن إنتاج أكثر من 80% من الهيدروجين محليا في أماكن استهلاكه، ولا يزال سوق الهيدروجين في مهده لذا يتمثل أحد التحديات الماثلة أمام القطاع في إنشاء سلاسل توريد لنقل الهيدروجين من المنتج إلى المستهلك.
وفي هذا الصدد يلعب التعاون بين اللاعبين في سوق الهيدروجين دورا هاما لأنه لا يمكن إنشاء سلاسل إمداد دولية بالهيدروجين تتسم بالكفاءة والجاذبية التجارية إلا بالتعاون والشراكة.