باتريك إيليّا أبي خليل
يجنح العالم اليوم في ظلّ تسلّح غير مسبوق حتّى في مرحلة الحرب الباردة، ويقبع أمام مشهد مرعب لتجارة الأسلحة العالميّة المتفلّتة والمتشعّبة، لاسيّما في مجالَي الجوّ والبحر، حيث برزت دول إقليميّة منافسة لتلك العظمى على صناعة الأسلحة وتطويرها وبيعها، لما تضخّه من مئات المليارات سنويّاً على اقتصاداتها.
تتمركز الأسلحة الجويّة في طليعة هذا السباق المحتدم مع ما تفرضه من تفوّق على الأرض والبحر معاً أكانت طائرات مقاتلة أو مسيّرة، كما وصورايخ الدفاع الجوّي المضادة أو الإنزلاقية الفرط صوتية العابرة للقارات وغيرها. أمّا بحراً، فجنون اكتشافات الغاز الضخمة في عمق البحار فرضت على الدول تقوية أساطيلها من طرادات ومدمّرات وحاملات طائرات وغواصات ودمجها بتقنية الجيل الحديث بما يضمن حماية الحدود البحريّة أو التوسّع في المياه الدوليّة المتبحّرة.
وفي جولة مقتضبة حول هول تجارة الأسلحة، نجد أنّ الولايات المتّحدة تتصدّر عالميّاً بيع السلاح وتليها روسيا في المرتبة الثانية ثمّ الدّول الأوروبيّة فالصين، ناهيك عن أنّ الولايات المتّحدة والصين هما الأكثر إنفاقاً من بين دول العالم على ميزانيّتيهما العسكريّة، بفعل الهيمنة الأميركيّة المُهدَّدة بصعود الصين الصاروخيّ. أمّا الهند، فتتربّع على صدارة الدول المستوردة للسلاح وتأتي بعدها السعوديّة ثانية عالميّاً، أولى عربيّاً.
والملفت في هذا السياق هو موقع منطقة الشرق الأوسط في مبيعات السلاح إذ تشكّل ثلث سوقه العالميّ، رغم أنّ إسرائيل وتركيا تعتبران من أكثرها تطويراً للأسلحة وتصديراً لها.
فعربيّاً، تستورد دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، الأسلحة المتطوّرة من الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا بشكل أساسيّ لردع الخطر الإيرانيّ. وفي سوريا يقتصر استيراد الأسلحة على تلك المقدّمة من روسيا وقلّة إيرانيّة الصنع. وتُعدّ مصر من أكبر مستوردي السلاح الفرنسيّ والروسيّ في المنطقة، في حين أن غالبيّة عقود التسليح العراقيّة بعد سقوط صدّام حسين تمّت مع الولايات المتحدة الأميركية رغم محافظة روسيا على موقعها كشريك ثانٍ فيها.
إلّا أنّ الخطورة الكبرى، تكمن في مشهديّة المغرب العربيّ، إذ يتناطح سباق التسلّح على وتر تأجيج قديم متجدّد لخلافات الجزائر والمغرب، حيث السعي الروسيّ لجعل الأولى قوّة عسكريّة على خاصرة حلف الناتو بهدف خلق التوازن بين ضفّتي غرب البحر الأبيض المتوسّط بعد تثبيت نظام الأسد الحليف في شرقه، تحقيقاً لوضع اليد على الغاز المكتشف في قعر حوضه، ومن عبره الإستمرار في الهيمنة على لعبة مفاتيح الغاز العالميّة ومنع الأوروبيّين من التحرّر من القبضة الروسيّة في هذا المجال. في مقابل المغرب التي تعمل على منع جارتها من فرض واقع جيوسياسيّ جديد في شمال أفريقيا، خصوصاً مع اشتداد الخلافات بينهما على أثر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الإنفصاليّة في الصحراء. لذلك تعمد المغرب إلى تنويع الصفقات العسكريّة ومصادر شراء الأسلحة أميركيّاً وصينيّاً وإسرائيليّاً وتركيّاً، وهو ما ينذر بتفاقم النزاع بين الدولتين على وقع توازن رعب عربيّ يُضخّ لهيبه من وراء كواليس عالميّة.