باتريك إيليّا أبي خليل
تأسّست براعم الذئاب الرماديّة على يدّ ألب أرسلان توركش وهو عقيد سابق في الجيش التركيّ كان مؤمناً بتفوّق العرق التركيّ على بقية الأعراق، ومتأثّراً بعلاقته القديمة مع النازيين في تركيا وبكتاب كفاحي للزعيم النازيّ هتلر، ومناهضاً لتغلغل الفكر الشيوعيّ في بلاده، ومساهماً في انقلاب عام 1960.
سرعان ما دخل توركش معترك السياسة عام 1965 عبر تأسيس حزب الحركة القوميّة وجناحها العسكريّ غير الرسميّ باسم منظّمة الشباب المثاليّ الملقّبة بالذئاب الرماديّة وفرقة الموت التركيّة، الهادفة إلى استعادة أمجاد دولتهم عبر توحيد جميع الشعوب التركيّة في دولة عظمى واحدة تمتدّ من البلقان إلى آسيا الوسطى، والساعية إلى حكم الإسلام إنطلاقاً من الهويّة التركيّة المعادية للقوميّات الأخرى، سيّما الأكراد واليونان والأرمن وغيرهم. وقد اكتسبوا اللّقب انطلاقاً من أسطورة الذئب الرماديّ الذي اعتنى بطفل تركيّ أُبيدت قبيلته، إلى أن شبّ وأعاد المجد لقومه.
وبعدما كان حزب الحركة القوميّة معارضاً لحزب العدالة والتنمية الحاكم، عاد وتحالف معه على أثر انقلاب عام 2016، حين أخذت سياسة تركيا الخارجيّة منحى أكثر جدّية وفعاليّة في نسج صلات مع الأقليّات ذات الأصول التركيّة، لاسيّما بعد فشل المفاوضات مع حزب العمال الكردستانيّ وانسداد أبواب الإنضمام إلى الإتّحاد الأوروبيَ.
أمّا الذئاب الرماديّة، فصُنّفت إرهاباً في العديد من الدّول بعد أن اتُّهمت بتنفيذ مئات العمليّات الإجراميّة التي راح ضحيّتها المئات، منها قتل عشرات العلويّين في مجزرة مرعش في تركيا عام 1978، ومحاولة اغتيال البابا يوحنّا بولس الثاني في الفاتيكان عام 1981، وغيرها من الجرائم بحقّ الأكراد منذ تسعينات القرن الماضي. عدا عن اتّهامها بالمشاركة في حروب عابرة للحدود التركيّة، في قبرص عام 1974 بين القبارصة الأتراك واليونانيّين حيث ما زالت تنشط حتّى اليوم فى ثلث الجزيرة الشماليّ، وفي إيغورستان الصينيّة حيث أنشأت معسكرات تدريب في آسيا الوسطى لمسلمي الأويغور ودعمتهم.
تبقى سياسة تركيا التوسعيّة ووجودها العسكريّ والثقافيّ في العديد من دول الشرق الأوسط، العامل الأبرز الذي سمح لمنظّمة الذئاب الرماديّة في توسيع نشاطها، إن في شمال سوريّا بهدف حماية الأقليّة التركمانيّة ومنع الأكراد من تأسيس دولتهم، أو داخل الحدود العراقيّة من أجل مطاردة عناصر حزب العمّال الكردستانيّ المعارض لبلادهم، أو في ليبيا بحجّة حماية من لهم أصول تركيّة. كذلك في القوقاز، وتحديداً في إقليم ناجورني قره باغ حيث قاتلوا إلى جانب أذربيجان ضدّ أرمينيا. هذا فضلاً عن اتّهامها من قبل الأمن الفيدراليّ الروسيّ بالتنسيق مع تنظيم داعش والمشاركة في انفجار الطائرة الروسيّة في شبه جزيرة سيناء المصريّة عام 2015.
ناهيك عن حضور الذئاب الرماديّة في أوروبا، وخاصّة فرنسا التي حلّت هذا التنظيم وفرضت حظراً عليه بعد تحريضه على الكراهية وهجوم عناصره على مظاهرة لمواطنين من أصول أرمنيّة، وكذلك في ألمانيا بعد مشاركة عناصر التنظيم مع النازيّين الجدد بتحرّك ضدّ حزب العمّال الكردستاني فيهاّ، كما وشنّت مجموعات تابعة له هجمات على تظاهرة نظّمها يساريّون وأكراد في النّمسا، وغيرها من البلدان الأوروبيّة التي تنشط فيها فرقة الموت التركيّة الطامحة في التوسّع واسترجاع الأمجاد، وإعادة فرض قواعد مستحدثة تكرّس تركيّا قوّة إقليميّة لا بل عالميّة ضمن الخريطة السياسيّة الجديدة للقرن الحادي والعشرين، فإذا رأيت أنياب ''الذئب'' بارزة فلا تظنّن أنّ تركيّا تبتسم ...