كتبت جوني فخري في "العربية":
ينتظر بسّام بفارغ الصبر ردّ السفارة الكندية في لبنان لحزم أمتعته مع زوجته وولديه للهجرة من لبنان والاستقرار نهائياً خارجه، بعدما تدهورت أحواله المعيشية جرّاء الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يعاني منه البلد، جارفا معه معظم القطاعات العاملة.
"لا مستقبل لدينا هنا وما عملنا على بنائه على مدى سنوات انهار بسرعة الآن"، بتلك الكلمات عبر بسّام عن خيبته.
فقد اختار الرجل الأربعيني (48 عاماً) الذي يسكن في منطقة بعبدا بجبل لبنان، الاستقرار نهائيا في كندا، بعد أن سبقه إليها أولاد عمّه منذ سنوات فأسّسوا أشغالهم الخاصة وحصلوا على الجنسية الكندية.
الهجرة خيارنا الوحيد
وبدأ التمهيد للهجرة بتسجيل وَلَدَيه منذ عامين في مدرسة فرونكوفونية في جبل لبنان حتى إذا حصل على أوراقه الرسمية لا يجدا صعوبة بالتأقلّم في مدرسة كندية.
فيما أوضح لـ"العربية.نت" أنه كان "يعمل منذ سنوات أمين مستودع في إحدى شركات السيارات وكان مستورا وعائلته، لكن كل شيء تغيّر فجأة وبات من الصعب تأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش".
"قرار الهجرة ليس بالسهل" هذا ما أكده بسّام، متسائلا "فمن منّا لا يحب أن يكبر أولاده في وطنهم الأم، لكن ظروف الحياة في لبنان عاكستنا ولم يعد أمامنا سوى خيار الهجرة. فهل الحياة التي نعيشها اليوم تُعتبر حياة طبيعية؟ طبعاً لا".
إلى ذلك، كشف "أن 27 من زملائه في مركز الصليب الأحمر حيث كان متطوعاً ممن لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين غادروا البلاد في الأشهر الماضية نحو أوروبا (خصوصاً فرنسا) وكندا ومعظمهم من حملة الشهادات العالية، بحثا عن العيش بكرامة
راتبي بات أقلّ من 100 دولار
بدورها، أكدت رلى أنها تسعى للهجرة، هرباً من "جهنم" على حدّ قولها.
فالأم لولدين وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن إعالة طفلتين بعدما تخلّى والدهما عن واجباته تجاههما، بلا بارقة أمل. وقالت لـ"العربية.نت" إنها قدّمت طلبات عمل "أونلاين" في دول خليجية عديدة كمعلّمة لمادة الرياضيات، وهي تنتظر الردّ لتحزم أمتعتها مع طفلتيها والاستقرار بعيداً عن أزمات لبنان اللامتناهية.
كما أضافت "كان راتبي كمدرّسة يكفيني لإعالة طفلتي، لكنه اليوم بات يساوي أقل من 100 دولار نتيجة تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار وتخطّيه عتبة 23 ألفاً".
تنامي المشاعر السلبية
يذكر أنه مع ازدياد صعوبة الحياة في لبنان، سجّل عام 2021 أرقاماً قياسية جديدة للمشاعر السلبية لدى اللبنانيين.
فمن بين ثلاثة من كل أربعة أشخاص (74%) يقولون إنهم يعانون من الإجهاد كثيراً في اليوم نتيجة ضغوطات الأوضاع المتدهورة يومياً.
كما أظهر تقرير حديث لليونيسف صدر في تشرين الأول الماضي (2021) تدهورا كبيرا في الظروف المعيشية، حيث تخطى 53% من العائلات التي لديها طفل واحد على الأقل وجبة، مقارنة بـ 37% في نيسان.
يما قدرت اليونيسف أن 12% من الأطفال يتم إرسالهم الآن للعمل للحصول على الاحتياجات الأساسية.
فرار الكفاءات
ومنذ أشهر ذكر "مرصد الأزمة"، وهو مؤسسة بحثية تابعة للجامعة الأميركية في بيروت، في تقرير أصدره منذ، ثلاثة مؤشرات وصفها بـ"المُقلقة" حول الموجة الثالثة للهجرة التي يشهدها لبنان، أوّلها ارتفاع الرغبة بالهجرة عند الشباب، حيث أشار إلى أن 77% منهم يفكّرون بالهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة الأعلى بين كل البلدان العربية حسب تقرير "استطلاع رأي الشباب العربي" الصادر العام الماضي.
أما المؤشر الثاني فهو هجرة الكفاءات والمهنيين، خصوصاً العاملين في القطاعين الصحي والتعليمي.
فيما أوضح المؤشر الثالث أن يطول أمد الأزمة، فالبنك الدولي يُقدر أن يحتاج لبنان بأحسن الأحوال إلى 12 عاما ليعود إلى مستويات الناتج المحلي التي كانت عام 2017، وبأسوأ الأحوال إلى 19 عاما.
من جهته، وصف رئيس "حركة الأرض" طلال الدويهي في تصريحات لـ"العربية.نت" "هجرة القطاعات المهنية، لاسيما القطاع الاستشفائي بـ"الموجعة"، لأنها تفقد البلد أصحاب الكفاءات العالية".
أكثر من 450 ألف لبناني
كما أشار إلى "أنه منذ تاريخ 17 تشرين الأول 2019 وحتى اليوم هاجر أكثر من 450 ألفا باتّجاه دول أوروبية، لاسيما فرنسا بالإضافة إلى دول الخليج، و20 بالمئة من هؤلاء عائلات استقرّت في كندا (حوالي 12 ألف لبناني) وأستراليا في حين أن البقية أفراد توجّهوا إلى الدول المجاورة وإلى القارة الإفريقية (نحو 3 بالمئة)".
إلى ذلك، كشف "أن هناك طلبات هجرة كثيرة ينتظر أصحابها أن تبتّ بها السفارات من أجل المغادرة، كما أن هناك رجال أعمال كثر نقلوا مصالحهم إلى دول أوروبية وإلى الولايات المتحدة الأميركية". واعتبر الدويهي "أن اللبنانيين يهاجرون بحثاً عن الاطمئنان حيث لا يوجد حزب الله وداعش"
وصنّف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
74 % من اللبنانيين فقراء
فيما أعلنت الأمم المتحدة في دراسة بحثية صدرت في سبتمبر الماضي، أن 74% من سكان لبنان يعانون من الفقر في 2021.
من جهتها، أوضحت أشارت الخبيرة في الاقتصاد النقدي والمالي والأستاذة الجامعية الدكتورة ليال منصور في تصريحات لـ"العربية.نت" "أن الدراسة التي اعتمدتها الأمم المتحدة لقياس معدلات الفقر، استندت إلى إمكانية كل لبناني مهما كان مركزه الاجتماعي الوصول إلى الحاجات الأساسية له من طبابة وتعليم".
الأسوأ بتاريخ البلاد
كما أضافت "من الطبيعي أن تكون نسبة الهجرة مرتفعة طالما أن اللبنانيين باتوا عاجزين عن تأمين أبسط حقوقهم المعيشية. واعتبرت "أن كل يوم يمرّ من دون معالجة الأزمة معناه أننا ذاهبون إلى مزيد من التدهوّر وارتفاع بالمؤشرات السلبية، لاسيما وأن الأزمة تستنزف القطاعات الحيوية وتُسبّب بهجرة أصحاب الكفاءات، وللأسف أهل السلطة يتصرفون وكأنهم في "أرض الخيال".
إلى ذلك، أوضحت "أن نسبة التضخم في لبنان هذه السنة باتت أعلى من فنزويلا والموزمبيق وبلغت 300% وهذا رقم خطير"، مشددة على "أن الحلّ يبدأ بالاستقرار السياسي والأمني".
يذكر أن الأوضاع الاقتصادية والمالية لا تزال آخذة في التدهور بالتزامن مع استمرار شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فضلا عن الارتفاع الجنوني بأسعار السلع الاستهلاكية، لاسيما الوقود وانقطاع التيار الكهربائي والمياه معظم ساعات اليوم.