راكيل عتيّق
لا تأثير مباشراً لاستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من الحكومة على انعقاد مجلس الوزارء، فالأخير مُفرمَل بسبب اعتراض «الثنائي الشيعي» على طريقة عمل المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار. لكن على رغم ذلك، ترى أوساط سياسية معنيّة أنّ خطوة قرداحي قد تشكّل مدخلاً الى حلول أخرى قبل نهاية السنة، إذ إنّ حركة «أمل» و»حزب الله» مع إيجاد حلّ ومخرج لمعضلة البيطار والحكومة، ويبقى التعويل على التجاوب مع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي ما زالت نفسها التي اتفق مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عليها، والتي وافق عليها كلّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون مثلما صرّح الراعي بعد زيارته القصر الجمهوري إثر لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في 26 من تشرين الأول الفائت، حيث قال إنّها ستشهد التنفيذ في اليوم التالي، إلّا أنّ «الديك ذُبح قبل صياحه» بحسب هذه المصادر.
مبادرة بري المطروحة للانتهاء من الاعتراض على عمل البيطار والإفراج عن مجلس الوزراء، ما زالت نفسها، والتي يعتبر أنّها «حلّ بسيط لا يُخسر أحداً لا في السياسة ولا في القضاء». ولا تقضي مبادرة بري بـ»قبع» البيطار، بل أن تؤدّي كلّ جهة دستورية وقضائية عملها، بحيث يستمرّ البيطار في عمله، ويقوم المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بعمله لجهة ملاحقة ومحاكمة الرؤساء والوزراء المدّعى عليهم في الملف، خصوصاً أنّ هذا المجلس المؤلّف من 15 عضواً يضمّ 8 قضاة الى جانب 7 نواب، ورئيسه هو مجلس القضاء الأعلى، وسبق لهذا المجلس أن حاكم رؤساء ووزراء سابقين». وتسأل المصادر إيّاها: «لماذا نعقّد الأمور وهي واضحة؟»، معتبرةً أنّ «هذا الموضوع يجب أن يأخذ مداه، فالجميع متفقون على أنّ موضوع انفجار المرفأ لن «يُلفلف»، لكننا نلمس أنّ هناك ظلماً في مسار التحقيق، فمنذ 2013 حتى الآن مرّ كثير من الوزراء وجميعهم يتحمّلون المسؤولية عن الإهمال، إلّا أنّ هناك أشخاصاً أساسييين غاصوا في هذا الموضوع، ومنهم القاضي الذي أدخل الشحنة، فلقد قام بواجبه لكنه لم يردّ على أحد لاحقاً لسحب النيترات من المرفأ».
من جهتها، تؤكد أوساط حركة «أمل»، «انّنا لا نقول برحيل البيطار، بل فليكمل عمله وفي النتيجة سيصدر قراره الظني بالتعاون مع الهيئات القضائية، لكن لماذا أحال القضاة المدعى عليهم بموجب القانون على مجلس القضاء الأعلى لمحاسبتهم ولا يحيل رؤساء الحكومات وجميع الوزراء، لا أن يستنسب وزيرين أو ثلاثة، على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفق الدستور والقانون أيضاً؟».
الحلّ المثالي بالنسبة الى «الثنائي الشيعي» هو أن يعلن البيطار أنّه ليس صاحب صلاحية وأن يحيل المدّعى عليهم من وزراء سابقين الى مجلس النواب، لكن هذه النقطة الأساسية يبدو أنّ حصولها متعذر، ولو كان البيطار يريد أن يُقدم عليها لفَعل، كذلك صبّت كلّ القرارات القضائية في اتجاه واحد برد كلّ أشكال دعاوى وطلبات كف يد البيطار عن الملف. لذلك، بدأ طرح حلول عدة لإيجاد مخرج لهذه المعضلة، ومنها مبادرة بري والتي طرحها على الراعي، لكنّ العرقلة جرت من «تيريز»، بحسب أوساط مطّلعة، في إشارة الى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. والحلّ المطروح يقضي باجتماع محكمة التمييز وتحديدها أنّ صلاحية ملاحقة المدعى عليهم من رؤساء ووزراء سابقين تعود لمجلس النواب، وهذه «التخريجة القضائية» طرحها بري بحيث لا تكسر السلطة القضائية ولا تعرّض مجلس النواب لانقسام عمودي، إذ إنّ الاتهام الصادر من مجلس النواب يتطلّب أكثرية ثلثيه، وهذا يتطلّب توافقاً سياسياً، في ظلّ عدم موافقة الكتل المسيحية الرئيسية على ذلك، وعدم إعطاء باسيل موافقة لحضور الجلسة والتصويت مع إحالة هؤلاء المدعى عليهم الى المجلس الأعلى. وبالتالي إنّ «العقدة ما زالت عالقة عند هذه النقطة»، بحسب المصادر نفسها.
وفي حين وعد عون خيراً في هذا الإطار، سواء حين زاره الراعي أو خلال الاجتماع الرئاسي الثلاثي يوم عيد الاستقلال، بحسب هذه المصادر، بحيث تجتمع الهيئة العامة لمحكمة التمييز وتحدّد الصلاحيات، إلّا أنّ هذا ما لم يحصل. لكن ألا يعني ذلك «إجراء تليفونات سياسية» وتدخلاً في عمل القضاء؟ تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» أنّ «هذا ليس تدخلاً بل نحن نحترم القضاء، لكنّنا نقول له إنّ هناك دستورا وقانونا، وهناك 4 مواد في الدستور تنص على أن يحاكِم المجلس الأعلى الرؤساء والوزراء في مجال عملهم ما عدا الجريمة المشهودة، ونقول للقضاة إنّ هذه صلاحية مجلس النواب، ونحن نطالب بالصلاحية ونسلك مسلك القضاء، ونقدّم دعاوى لينصفنا، ولا نتدخل في القضاء ولا نريد أن نتدخل، ونقول للبيطار أن يكمل عمله».
وترى مصادر أخرى أنّ المطلوب ربما ما فُهم من حديث رئيس الجمهورية الصحافي خلال زيارته لقطر، خصوصاً لجهة إبدائه رغبة في البقاء في رئاسة الجمهورية إذا طلب منه مجلس النواب ذلك، وتسأل: «أي مجلس نواب يعني، الحالي أو الجديد؟ وهل يقصد: «اعطيني لأعطيك؟». وتعليقاً على ذلك، تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» أنّنا «لن نسير الّا بانتخابات نيابية»، مشيرةً الى أنّ هناك إرادة دولية وداخلية لإجراء الانتخابات، وأحد لا يجرؤ على تعطيلها، مؤكدةً أنّ الثنائي وتحديداً «حزب الله» غير خائف من الانتخابات، فـ»الحزب أجرى الانتخابات و»خلّص»، بكلّ ما يقدّمه اجتماعياً». وتلفت الى أنّ «غالبية الشيعة الذين تسجّلوا في دول الانتشار يؤيدون حركة «أمل»، ولا مشكلة لدى الثنائي في تصويت المغتربين، بل المشكلة تكمن لدى الطرف المسيحي، وتحديداً «التيار الوطني الحر»، خصوصاً أنّ نتيجة تصويت المغتربين في بعض الدوائر في الدورة الماضية ساعدت «القوات اللبنانية».
وانطلاقاً من تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباشرةً في قضية استقالة قرداحي، وإجرائه اتصالات تصب في هذه الخانة، إضافةً الى أنّ تعطيل مجلس الوزراء بات يؤثر على جميع الأفرقاء، ومن بينهم، من «يريد إجراء تعيينات وإمرار قرارات خلال الأشهر المقبلة قبل الانتخابات»، من المُفترض أن تشكّل استقالة قرداحي مع ما يرافقها من اهتمام ومتابعة دوليين، مدخلاً الى حلول أخرى، يُمكن أن تنضج في غضون أيّام إذا «العقول القاسية بَردت»، بحسب مصادر معنية، إذ إنّ الأساس متفق عليه ويبقى إيجاد المخرج المناسب له أو المدخل لاستئناف انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا