ميشال نصر - الديار
فتحت مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال اطلالته التلفزيونية الاخيرة، الباب على تساؤلات كبيرة و»مشروعة»، حول خلفيات سقفها العالي وابعاد ذلك، وحجم رسائل ما بين سطورها، التي فاقتها بأشواط، تلك التي قيلت بوضوح وصراحة، ومرات بعفوية، بينت «لمن لا يريد ان يفهم» موقع بكركي الطبيعي.
بكركي التي قطعت شكها باليقين، بأن الآمال في حدّ ذاتها ما عادت كافية في ضوء استعصاء الحلول وربط لبنان «غصب عنه» بمفاوضات فيينا المتأرجحة بين الانفراج او الانفجار، وفي الحالتين «الانفلاج» في بيروت، فيما الواقع المعيشي – الاقتصادي الى مزيد من الانهيار و»ما حدا سائل»، اما الحكومة فمجمّدة الى حين «قبع» المحقق العدلي، او ما يساويه، اما رئيسها، «فما باليد حيلة»، شعاره «الحكومة ماشية بالمفرق ، ومجلس الوزرا معطل بالجملة»، يعوّل تارة على لقاء البابا - ماكرون، وطورا على الزيارة الفرنسية الى الرياض، وما بينهما على الحركة الروسية في اتجاه طهران، قررت بكركي ان «تبق البحصة» و»تبلع الميّات يلي بتمها».
فمن حيث التوقيت، وبعيدا عن تفصيل المواقف التي اطلقها في اطلالته والواضحة من عنوانها، واضح ان ما اثاره البطريرك الماروني جملة امور تراكمت خلال الفترة الماضية، وبدأت تأخذ منحًى خطراً، طابعه طائفي بامتياز، مغلف بقوة تهديد يصعب على الراعي التغاضي عنها، وهي بالاساس تستهدف «قطيعه». صحيح انه منذ البداية لا «الحارة مغرومة ببكركي، ولا بكركي عاشقة الحارة»، لذلك كان شد الحبال بين الطرفين، المحكوم «بربط نزاع» امسك عصاه «الرئيس القوي»، خصوصا بعد «ثورة 17 تشرين» الذي استعاد معها الصرح رونقه السيادي، فكان نداء المطارنة، وعظات الاحد «التحررية»، فضلا عن مواقف المستشارين، ما قطع خيط التواصل الباقي بين الطرفين.
زاد من طين كل ذلك، حملات التخوين والسباب والشتائم والنيل من الكرامة التي تعرّض لها رأس الكنيسة المارونية، من قبل جزء من جمهور 8 آذار تحديدا على مواقع التواصل، ومن يدور في فلكه على الشاشات وفي الصحف، بمؤازرة من بعض الضالين من المغضوب عليهم من مسيحيين، والذي مسّ الخطوط الحمر بمحاولة تصوير البطريرك، بعدما صمد في وجه الحملات وتهويلها، كمساوم ومقايض «باع دم الضحايا»، في محاولة انذرت بأزمة «مفتعلة عن قصد» بين سيد الصرح واهالي ضحايا المرفأ، هو الذي حمل قضيتهم منذ اليوم الاول، والذي اعتبر ان على كل المسؤولين امام هول الكارثة رفع الحصانات عن انفسهم، وربما لو كنا «دولة تحترم نفسها» لكان استقال الجميع من رئيس الجمهورية «ونزول».
اما البلية، فكانت في الحديث عن ضغوط مارستها مراجع دينية على المحكمة العسكرية في ملف احداث الطيونة - عين الرمانة، وما قد ينجم عن ذلك من ثأر دموي، وهو ما لا يمكن لبكركي ان «تبلعه» او تسكت عنه. لتبقى القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد ما حدث في نقابتي الصيادلة، لجهة تشطيب المسيحيين من قبل فئة معينة، ونقابة اطباء الاسنان التي «الغيت» بالقوة، وهي امور بدورها تشير الى طبيعة المرحلة المقبلة.
امور عززتها المعلومات الواردة من روما، حيث تكشف المصادر ان روما كانت تدرس امكان الدعوة لسينودوس خاص بلبنان، لكن الجهات المعنية في الحاضرة البابوية نصحت بالعدول عن الفكرة بعدما تبين حجم الانقسام الموجود، حتى بين الطوائف المسيحية وقياداتها السياسية، العاجزة عن الاتفاق فيما بينها، حتى تتمكن من تسويق طروحاتها حول الخروج من الازمة، ما ادى الى فرملة المبادرات تجاه لبنان، والتي بقيت محصورة في اطار مساعدات في قطاعي التعليم والاستشفاء، رغم ان الفريق البابوي كان انجز مسودة اولية لمبادرة داخلية لبنانية تتلاقى مع مسعى دولي يقوده الكرسي الرسولي، لاخراج لبنان من كارثته، وهي المرحلة التي باشر تطبيقها عمليا عبر تواصل حثيث مع عواصم القرار الدولي الفاعلة، الا ان ذلك لن يغني عن ضرورة تحلي المسؤولين اللبنانيين بحس المسؤولية واضطلاعهم بمسؤولياتهم، ما ترجم «اعتكافا» بابويا عن زيارة بيروت، رغم انه على بعد دقائق منها، فهل تفعل رسالته فعلها؟
عليه، تؤكد المصادر ان الزيارة الميقاتية للبابا فرنسيس، وتواصل الاخير مع الرئيس الفرنسي، حملت اكثر مما تحمل، وكذلك وعد قداسته بايفاد وزير خارجيته بياترو بارولين، المتابع بدقة للوضع اللبناني، مطلع السنة القادمة، ذلك ان الاخير عبّر امام رئيس الحكومة عن رأيه في وجوب ان يبادر القادة السياسيون الى تنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية التي قطعوها، كذلك تحسين علاقاتهم العربية، بدل خلق مزيد من الازمات وتبريرها، وهو ما دفع برئيس الجمهورية، الذي سمع من رئيس الحكومة اجواء فاتيكانية «غير مشجعة»، الى ايفاد وزير الخارجية الى روما للوقوف على حقيقة المواقف، التي «نقزت بيروت».
سؤال واحد يطرحه اللبناني الذي كفر بحكامه و»لف لفهم»، بعد كل ما وصلت اليه الامور: من اين يأتي الانقاذ وكيف؟ في الحقيقة قالها «من اعطي له مجد لبنان» بصراحة ووضوح منذ يومين، «صحيح لحزب الله تأثير كبير، ولكن بالمقابل اين بقية الاشخاص ولماذا الخضوع» ؟ فبكركي لا تتدخل في السياسة، ولكنها معنية بالشؤون الوطنية، لذلك لا يمكنها ان تسكت.