إبراهيم ناصر الدين - الديار
على وقع «قلق» قداسة البابا فرنسيس الشديد تجاه الأزمة في لبنان، حيث اعلن من قبرص ان «الشعب اللبناني متعب ينهكه العنف والالم»، لم يكن المشهد اللبناني القاتم يحتاج الا الى اجواء اقليمية اشد قتامة، مصدرها فيينا، واسرائيل، ليكتمل المشهد السوداوي الذي يخنق اللبنانيين المتروكين لقدرهم بكل ما للكلمة من معنى حقيقي لا مجازي، في ظل سلطة عاجزة عن تامين الحد الادنى من تفعيل عمل حكومة بمهمة محدودة تقتصر على «فرملة» الانهيار وتلطيفه واجراء انتخابات تشريعية. لكن حتى هذه المهمة تبدو مستعصية حتى الان وسط انسداد المخارج، وغياب التسويات الداخلية، معطوفة على «عناد» سعودي يحول دون تفكيك الازمة المفتعلة مع دول الخليج حيث ازداد رئيس الجمهورية ميشال عون احباطا بعد عودته من الدوحة وهو يشعر «بالاستياء» وبات اكثر ادراكا ان «عقاب» العهد مستمر حتى «يلفظ انفاسه» الاخيرة بسبب خياراته السياسية، وحتى مع الاستقالة المتوقعة لوزير الاعلام جورج قرداحي اليوم، تمهيدا لزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرياض، لا حل الا بفك الارتباط مع حزب الله، وهو امر تعجيزي غير وارد «بقاموسه» بحسب ما نقل عنه زواره.
في هذا الوقت، وفيما تضاعف معدل الفقر في لبنان من 42 في المائة في عام 2019 إلى 82 في المائة من إجمالي السكان في عام 2021 بحسب تقرير «الاسكوا» مع وجود ما يقرب من 4 ملايين شخص يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، وصلت الى بيروت تقارير جدية صادرة عن اكثر من مؤسسة دولية منها «اليونيسف» حذرت من انهيارات قاسية قد تفضي إلى تعميم الفوضى والأخلال بالاستقرار الأمني الهش، ما يفرمل اي تفكير «بالاستقالة» لدى رئيس الحكومة الذي لم «ييأس» بعد .! هذه التحذيرات المعطوفة على تقاطع تقارير امنية غربية ومحلية تشير الى ارتفاع منسوب المخاطر الامنية خصوصا في الشمال، تتزامن مع ارتفاع منسوب التوتر الاقليمي على خلفية التصعيد الاسرائيلي الممنهج ضد ايران مواكبة لاجتماعات فيينا النووية، والجديد بالامس الكشف عن وثيقة اسرائيلية «سرية» جرى اعدادها تحضيرا للمواجهة العسكرية المفترضة وسط ترجيحات امنية اسرائيلية بان يكون حزب الله جزءا من المعركة؟!
تشاؤم وتصعيد؟
اذا المشهد الاقليمي، لا يبدو اقل قتامة من الازمة اللبنانية المتفاقمة، والجديد بروز اسئلة اسرائيلية عن موقف حزب الله من حرب مفترضة ضد ايران تعد لها اسرائيل، بحسب وثيقة «سرية» كشف عنها بالامس. فتزامنا مع اعلان وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان عن التشاؤم بخصوص نوايا أميركا والتروكيا الأوروبية، ووصف مصدر اوروبي مواقف ايران «بالمتطرفة»، تعهد رئيس الموساد الاسرائيلي بمنع ايران «النووية»، وطلب رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت من الولايات المتحدة خلال مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، «وقفا فوريا» للمحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، فيما اعلن وزير»الدفاع» الإسرائيلي بيني غانتس، إن شن هجوم على إيران «في مرحلة ما»، قد يكون هو الخيار الوحيد، لتعطيل برنامجها النووي، مؤكدا أن على إسرائيل الاستعداد لكافة الاحتمالات..
«وثيقة سرية»
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن وثيقة «سرية» تشير الى ان الحكومة الإسرائيلية تعتزم إنفاق نحو 1.56 مليار دولار لشراء أسلحة، استعدادا لشن هجوم عسكري على إيران، بهدف تعطيل برنامجها النووي، ولهذا ستشتري تل أبيب، صواريخ اعتراضية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي المعروفة باسم القبة الحديدية، إلى جانب ذخائر دقيقة ومتعددة لسلاح الجو الإسرائيلي..
هل يدخل حزب الله الحرب؟
وأكدت الصحيفة أن الجهات «السيادية» في تل أبيب، متشائمة للغاية إزاء ما ستفرزه المحادثات النووية بين الدول العظمى وإيران في فيينا ونوهت إلى أن الجيش الإسرائيلي يعزز في الوقت الحالي من استعداداته عبر التدريبات المكثفة وجمع المعلومات الاستخباراتية لاحتمالية أخذ قرار إسرائيلي بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وتساءلت الصحيفة حول الموقف الأميركي تحت إدارة الرئيس جو بايدن، في حال أقدمت إسرائيل على ضرب إيران، لكن السؤال المركزي الإضافي بالنسبة للدوائر السيادية في تل ابيب هو: هل سيدخل حزب الله إلى المعركة ضد إسرائيل؟ وإذا كان نعم، فبأي شكل؟
اضرار كبيرة في «الجبهة الداخلية»
في الماضي كان الجواب قاطعاً نعم، وبكل القوة تقول الصحيفة، لكن الآن، الامور غير واضحة تماما في ضوء الازمة الكبيرة في لبنان، لكن المعضلة الكبيرة لدى المنظومة السياسية – الأمنية هي حول كيفية تبرير الموضوع للجمهور، ولا سيما بالنسبة للضرر الذي سيلحق بالجبهة الداخلية مع حجم ناري من نحو 2.500 صاروخ ونحو 100 موقع تدمير في اليوم، وهو رقم رسمي اطلع عليه الوزراء في اللجنة الوزارية للجبهة الداخلية، التي انعقدت مؤخراً، ومثلما جرى التدرب عليه في السيناريوهات في مناورة الجبهة الداخلية الوطنية. ومن شأن هذا أن يخلق ضغطاً وقلقاً، بل ويعظم قوة «العدو».
«نقص» بالجهوزية
ولفتت «يديعوت» الى ان مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي يتعاطون مع سيناريو دخول حزب الله إلى المعركة بعد الهجوم كخيار»معقول للغاية»، ولكن لا يعرفون بأي قوة، وهذا هو السبب الذي يجعل الجيش الإسرائيلي يشتري المزيد من صواريخ القبة الحديدية للاعتراض، مما يوجه نقداً إضافياً تجاه الجيش الذي كان ينبغي أن يفعل ذلك منذ زمن بعيد، وأن يستكمل منظومة الدفاع الجوي ونشر البطاريات الدائمة في أرجاء الدولة. واقرت الصحيفة بوجود نواقص لدى الجيش الاسرائيلي، ولفتت الى انه يملك الآن تسع بطاريات قبة حديدية فقط، وتنقصه بضع بطاريات للنشر الدائم، وتتبادل القيادة العسكرية الاتهامات مع القيادة السياسية حول اسباب التقصير، فنتنياهو وكل وزراء الدفاع كانوا يعرفون الفجوات وفضلوا عدم التمويل؟
اسباب «احباط» عون ؟
داخليا، لا تلوح في الافق اي «بارقة امل» بامكانية تراجع الرياض عن موقفها المتشدد ازاء لبنان، وبات ثابتا ان التصعيد سيتواصل على نحو تدريجي ليس فقط الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، بل الاستحقاق الرئاسي، وبحسب زوار بعبدا، بات رئيس الجمهورية ميشال عون مقتنعا بعدم ارتباط الازمة بنتائج الانتخابات التشريعية فقط، وانما بالعلاقة مع العهد، وهذا يعني ان لا تسويات قبل الانتخابات الرئاسية التي يحاول الخارج التاثير على نتائجها مسبقا من خلال ايصال البلاد الى حالة الانهاك الكبير، وذلك لتسهيل فرض خيارات خارجية «قاسية» على الاطراف اللبنانية. ووفقا لتلك الاوساط، وعلى عكس الاجواء الايجابية العلنية، عاد الرئيس عون من زيارته القطرية اكثر احباطا، بعدما اقتصرت النتائج على «بروتوكوليات» ومواقف غير قابلة للتسييل، واصبحت الصورة اكثر وضوحا من قبل، فالمطلوب سعوديا اتخاذ قرار «بفك الارتباط» مع حزب الله واتخاذ مواقف علنية «لعزله»، وهذا الامر غير منطقي، وليس واقعيا، ولن يقوم به اي مسؤول عاقل لانه سيؤدي الى هز الاستقرار في البلاد، ولهذا اذا لم يتراجعوا عن تشددهم، لن تحل الازمة، يقول عون لزواره..
لا رهانات على ماكرون
وانطلاقا من هذه المعطيات، لا توجد اي رهانات لدى المسؤولين اللبنانيين على حصول اي خرق يمكن ان تحققه زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الخليجية، فالمسألة لن تحل بخطوات «حسن نية» عبر اقالة او استقالة وزيرالاعلام جورج قرداحي، فالمطلوب خليجيا خطوات لفك ما يصفونه «بهيمنة» حزب الله على الدولة، وخروج الرئاسة الاولى من تموضعها الى جانب الحزب، كما تشير مصادر دبلوماسية غربية، لم تستبعد غياب الملف اللبناني عن جدول اعمال الرئيس الفرنسي المثقل بالمشاكل «الثنائية» مع الرياض، وتفضل الادارة الفرنسية المقبلة على استحقاق انتخابي عدم البحث في ملفات اشكالية ومحاولة اعادة تفعيل الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج..
لا معطيات فرنسية
وعشية زيارة الرئيس الفرنسي الخليجية، التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السفيرة الفرنسية آن غريو وعرض معها المستجدات السياسية وتطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة، ووفقا للمعلومات، ابدت السفيرة «استياءها» من الشلل الحكومي الحالي، كما لم تقدم اي معطيات جدية تشير الى امكانية حصول اختراق دبلوماسي مع دول الخليج خلال لقاءات ماكرون في الرياض، واكتفت بابلاغ رئيس الحكومة ان الرئيس الفرنسي لا يزال مهتما بالاوضاع اللبناني، ولا يزال الملف على جدول اعماله!