باتريك إيليّا أبي خليل
تستعر النزاعات المتفرّقة والمتشعّبة على مساحة كوكبنا، منها ما ينزلق في حرب مسلّحة حدوديّة أو أهليّة، بعناوين إنفصاليّة أو دينيّة أو سلطويّة، في ظلّ فَوحٍ لازمٍ لروائح الحروب بالوكالة. ومنها ما يأخذ شكل حصار سياسيّ صرف أو اقتصاديّ لغايات سياسيّة، أو يندرج في إطار تنافس شرس على الإستئثار بالموارد وخطوط الإمدادات، مترافق مع التهديد والوعيد، المناورات والإستعراضات العسكريّة، صفقات الأسلحة النوعيّة والتحالفات الغرضيّة.
صحراء المغرب، ليبيا، السودان، إثيوبيا، ساحل أفريقيا، لبنان، سوريا، العراق، اليمن، إيران، قرة باغ، أفغانستان، كشمير، لاداخ، ميانمار، كوريا الشماليّة، إيغورستان، أوكرانيا، فنزويلا، وكوبا وغيرها من الأمثلة الحيّة على اتّساع رقعة الخلافات العالميّة ...
ولكن، ما قد يُشعل فتيل المواجهة في المرحلة المقبلة ويؤجّج نارها، هو اقتناص المناطق الكانزة لمواقع استراتيجيّة حسّاسة ولموارد طبيعيّة هائلة، تكمن في بحار خمسة وتُكسب امتيازات التفوّق وأفضليّة التقدّم نحو الصدارة العالميّة.
بحر الصين الجنوبيّ، أبرز هذه النقاط الخمس، حيث سباق التسلّح سيّما البحريّ، والتحالفات العسكريّة المشكّلة حديثاً بصدده نظير كواد وأوكس، بهدف احتواء صعود الصين المهيمنة في البحر الجنوبيّ على حساب الدول المتاخمة له، خصوصاً تايوان، الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها وتسعى لاستعادتها.
من جهة أخرى، يطلّ علينا الشبح القاتم للبحر الأسود بمشهديّة القرم المُنتزَعة من أوكرانيا، وجماعات انفصال دونباس في شرقها المنتفض والممسوك بقبضة روسيّة، أقلّ ما يُقال عنها أنّها استفزّت الغرب الذي لجأت إليه السلطة الأوكرانيّة المبتورة أطراف كيانها، مستدعية إلى شواطئه الأساطيل الحربيّة الأميركيّة وتلك التابعة لحلف شمالي الأطلسيّ تلمّساً للعون، ما استنفر روسيا المتخوّفة من تحوّل البحر الأسود إلى بحيرة عسكريّة للناتو محاذية لحدودها إذا ما أخلّت تركيا بالتزامها باتفاقيّة مونترو للمضائق، أو في أبعد ظنّ إذا ما شقّت تركيا قناة اسطنبول الكاملة السيادة، ما يعطي هذه الدولة الإقليميّة دوراً فاعلاً في لعبة التوازنات العالميّة.
أمّا شرق حوض بحر المتوسّط، والبحر المتجمّد الشماليّ، وقناة الموزمبيق، فتشهد تنافسات حامية على مخزونها الهائل من الغاز الطبيعيّ، المورد الأساسيّ للطاقة النظيفة التي تتناتش الدول العظمى السيطرة عليها. إذ يرى الإتّحاد الأوروبيّ في غاز المتوسّط تنفّساً وكسراً للهيمنة الروسيّة على مفاتيح لعبة الغاز الدوليّة، مع إدراكه أنّ الكلمة الفصل لتَحرّره تعود للدول الإقليميّة، وعلى رأسها مصر وتركيا وإسرائيل التي تكيل بمكيالاتها الخاصّة لا وفق الإعتبارات الأوروبيّة. ناهيك عن قناة الموزمبيق، المقبرة البحريّة، حيث تنوء تحت ظلال الإرهاب المتربّص بالقارة السمراء، لاسيّما داعش التي سيطرت على بالما أهمّ مدن الساحل الموزمبيقيّ الإستراتيجيّة الغنيّة بالغاز، مهدّدة بذلك خطوط نقله البحريّة وحظوظ استثمارات ضخمة لشركات تنقيب عالميّة. في حين أنّ البحر المتجمّد الشمالي حيث القطب الذائب على نار تنافس صينيّ-روسيّ من جهة وأوروبيّ-أميركيّ من جهة أخرى، يُلهبها الخلاف على أحقيّة التوسّع وإرسال البعثات العلميّة، والتسابق الشره على اكتشاف واستخراج الغاز من بحره، والذي من المقدّر أن تفوق احتياطيّاته تلك العالميّة مجتمعة بأكثر من أربع مرّات.
وإن كانت عسكرة البحار ستؤدّي حتماً إلى المواجهة، فالأكيد أنّ اهتزاز أمم اليابسة أمر لا مفرّ منه.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا