كلير شكر
لا في متن المواقف التي أدلى بها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل خلال الساعات الماضية، ولا بين سطورها، ما يوحي بأنّ ثمة تسوية ما يُعمل عليها لإنهاء التعقيدات التي جرّتها التحقيقات العدلية في انفجار المرفأ، كي تستعيد الحكومة عافيتها وتُنتشل جلسات مجلس الوزراء من عنق الخلافات... لا بل يثبت السجال القديم - الجديد على خطّ العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وباسيل، أنّ كلّ المحاولات الجارية لفصل ملف ملاحقة الرؤساء والوزراء عن بقية الملفات الموضوعة على طاولة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، لم تصل بعد إلى نتيجة.
يوم الخميس الماضي، سقط الرهان على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لحصول هذا الفصل بعدما ردّت في الشكل طلبات مخاصمة الدولة المقدّمة من الرئيس حسان دياب والنائب نهاد المشنوق، ولو أنّها في المقابل، حسمت الجدل القائم حول المرجع الصالح لردّ المحقّق العدلي، معتبرةً أنّ الغرفة الأولى في محكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي عيد المرجعيّة الوحيدة الصالحة لتقديم دعاوى الردّ ضدّ المحقّق العدلي طارق البيطار.
وبذلك، ازدادت القناعة لدى فريق المعترضين من المُدّعى عليهم، أنّ المسار القانوني لا يزال صعباً للغاية، وقد لا "يُفلتهم" من يديّ المحقق العدلي في ضوء الدعم الذي يلاقيه، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الخارجي... مع أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان شبه متأكد أنّ ملف المرفأ سيشهد تطورات "تسووية" ستساعده على الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الخميس، على أن تكون استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، الخطوة التالية، من باب العمل على فتح ثغرة في جدار الأزمة مع السعودية. هذا أقله، ما تمّ التفاهم عليه في لقاء الاستقلال الثلاثي الذي جمع كلّاً من عون وبري وميقاتي.
ولكن وفق بعض المواكبين، فإنّ الانقسام العمودي الحاصل في الجسم القضائي، سيطوّق حكماً أي مسعى "تسووي" ليصيبه بالفشل المبكر نظراً لتموضع القضاة بين اصطفافين حادين يستحيل معه حصول حالات اختراق نوعية. وهذا ما حصل بالفعل يوم الخميس الماضي. هكذا، استعاد الحديث عن مبادرة مجلس النواب تجاه تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، عافيته ليكون الحلّ البديل، ولو أنّ هذا الطرح لا يلبّي طموح "حزب الله" فيما يعتقد الرئيس بري أنّه قد يكون أفضل الممكن طالما أنّ "منافذ" العدلية مقفلة. وعلى هذا الأساس، أبدى باسيل استعداده لمشاركة "تكتل لبنان القوي" في جلسة تشريعية تطرح العريضة الاتهامية بحق الرؤساء والوزراء السابقين المتهمين من جانب المحقق العدلي، لإحالتهم إلى المحاكمة أمام المجلس الأعلى في حال صوّتت الأغلبية لصالح هذا القرار.
وفق بعض النواب العونيين، تأمين النصاب لا يعني أبداً أنّ "التيار" صاغ تسوية معينة ستؤدي حكماً إلى قيام المجلس الأعلى، مشيرين إلى أنّ الخلاف لا يزال بالأساس قائماً حول جدول أعمال الجلسة، حيث يطرح البعض أن تكون الجلسة ببند وحيد، هو العريضة الاتهامية، فيما "تكتل لبنان القوي" يلفت إلى أنّه لا يمانع في المشاركة في جلسة تشريعية تكون من بين بنودها العريضة الاتهامية، ولو أنّه سيصوت ضدّ احالة المتهمين إلى المجلس الأعلى.
ولكن، لهذا الطرح ثغرتان:
لا شيء يضمن تأمين النصاب القانوني لهذه الجلسة خصوصاً وأنّ الكتل النيابية الأخرى تعيش هاجس المزايدة الشعبوية عشية الانخراط في الحملات الانتخابية، لا بل ثمة من يجزم بأنّ سيف العقوبات الأوروبية والأميركية مصلت فوق رقاب الجميع، الأمر الذي يمنع قيام أي تسوية من شأنها أن تكفّ يديّ المحقق العدلي أو أن تسحب ملف التحقيق مع السياسيين.
إنّ إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا يعني أبداً أنّ المحقق العدلي سيتراجع عن اجراءاته القانونية، وقد تشهد القضية مسارين متوازيين. ولهذا يصرّ "حزب الله" على كفّ يديّ البيطار. وهو سيناريو لا يزال غير متوفر.
إلى الآن لا تسوية تحرر الحكومة من أسرها، ولا يبدو أنّ ميقاتي في وارد استفزاز الثنائي الشيعي للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء يعرف مسبقاً أنّها ستكون شرارة اشتباك لا يريده.