الحُكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية الدائمة، غيابياً، على الزميل رضوان مرتضى، وقضى بحبسه سنة وشهراً، يستمر بالتفاعل. ناشطون ومسؤولون ومؤسسات تُعنى بالحقوق السياسية والفردية والإعلامية، أدانوا حُكم سجن صحافي، بسبب كلمة قالها في سياق حديثه عن مسؤولية الجيش عن وجود نيترات في مرفأ بيروت قبل انفجار 4 آب 2020. لكن ردود الفعل لا تكفي، القضاء مسؤول عن هذا الحُكم. صحيح أن هذه المحكمة استثنائية، ويجري التعامل معها كما لو أنها ثكنة عسكرية تابعة لقيادة الجيش، خلافاً للقانون الذي يمنع أي صلة بينها وبينها الجيش، إلا أن ذلك لا يُعفي مجلس القضاء الأعلى، ووزير العدل، من مسؤوليتهما.
وعند الحديث عن مجلس القضاء، فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق رئيسه، القاضي سهيل عبّود، الذي يقدّم نفسه، ويجري تقديمه، كقاضٍ تغييري مستقلّ. والمطلوب منه ما يفوق الموقف، وصولاً إلى اتخاذ إجراء ينسجم مع المهمة الأولى لمجلس القضاء الأعلى، وهي السهر على حُسن سير العدالة، المنصوص عليها في القانون. وإضافة إلى رئيس مجلس القضاء، ثمة مسؤولية على نائبه، المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. فالأخير هو رأس النيابات العامة، بما فيها النيابة العامة لدى المحكمة العسكرية. وسبق أن نظر، شخصياً، في قضية الزميل مرتضى، واستمع لإفادته، قبل أن تبدأ ملاحقته لدى القضاء العسكري. وكان على عويدات منع وصول القضية إلى ما وصلت إليه، ومن واجبه حالياً السعي إلى التراجع عن الخطأ. العضو الثالث في مجلس القضاء الأعلى الذي يتحمّل مسؤولية أيضاً، هو رئيس التفتيش القضائي، القاضي بركان سعد. فإذا كان ثمة التباس ما بشأن صلاحية التفتيش التدقيق بعمل رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة، فإنه لا عُذر لدى سعد لعدم التحرك تجاه القضاة المدنيين في المحكمة العسكرية، سواء مفوّض الحكومة فادي عقيقي، أو معاونته منى حنقير، أو الأعضاء المدنيون في هيئة المحكمة. مسؤولية القضاء هنا ليست محصورة بالدفاع عن صحافي حكمت عليه محكمة عسكرية، خلافاً للقانون، بالسجن، بعد مخالفتها أصول الادعاء والتبليغ، بل تتجاوز ذلك إلى حماية الجسم الصحافي، ومنع تحويل لبنان إلى دولة يُمنع فيها انتقاد موظف ولو كان برتبة قائد للجيش.
أبرز ردود الفعل على الحُكم صدر أمس عن وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي شدد في بيان على أن «محكمة المطبوعات هي الجهة الوحيدة الناظرة في قضايا المطبوعات، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بعمل الصحافيين والإعلاميين، وذلك بما يتوافق مع الدستور والأنظمة والقوانين التي ترعى حرية الرأي والتعبير، وتعتبر السمة الأبرز من سمات لبنان وأسس وجوده ونتيجة نضال عريق تميزت به الصحافة اللبنانية والإعلام اللبناني على مر السنوات والعهود». وعبّر قرداحي عن أمله في أن «تعالج قضية الزميل رضوان مرتضى بما يكفله قانون المطبوعات، ويضمن حرية التعبير وحق المؤسسات والإدارات العاملة وفق الأنظمة والقوانين، وبعيداً من الاستنسابية وكل ما لا يتوافق مع حرية القول والكلمة وحق الوصول إلى المعلومات». وأشار إلى أن «القانون الخاص بقضايا المطبوعات، واضح في هذا الشأن»، معبّراً عن تأييده «ما أعلنته نقابة المحررين والإجراءات القانونية التي ستتخذها في هذا السياق».
وكانت النقابة قد أصدرت بياناً يوم الجمعة الفائت، استغربت فيه الحكم، معتبرة أنه مخالف للقانون، وكلّفت النقابة مستشارها القانوني المحامي أنطون الحويس «درس هذا الملف وإمكان الطعن به وسلوك طرق المراجعة القانونية في شأنه»، رافضة أن «يشكل هذا القرار سابقة. ولن تسكت النقابة عن أيّ استهداف أو ظلامة بحق الإعلاميين».
وأعلن مجلس نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع وقوفه إلى جانب مرتضى، معبّراً عن أسفه للحكم الذي رأي أنه مخالف للقانون.
كذلك عبّر «تجمّع نقابة الصحافة البديلة» عن رفضه الحكم على مرتضى، مذكّراً «بأن محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية مرفوضة وتدل على انزلاق خطير نحو الدولة الأمنية». وشدّد التجمّع على عدم محاكمة الصحافيين إلا أمام محكمة المطبوعات، ووجوب إلغاء عقوبة السجن للصحافيين من القوانين، لما لها من تهديد لدور الصحافة في عملية كشف الفساد، إضافة إلى ضرورة إلغاء العقوبات المتعلقة بالمس بالشخصيات السياسية والعسكرية والدينية، لما لذلك من مس بحرية التعبير.
وأصدرت مؤسسة «مهارات» بياناً ذكّرت فيه بأن «قانون القضاء العسكري رقم 24 للعام 1968 لا سيما المادة 157 لا تجيز ملاحقة الصحافيين أمام المحكمة العسكرية في قضايا النشر المتعلقة بالجيش والسلطة العسكرية». كذلك فإن «المحكمة العسكرية أصدرت عدة أحكام غيابية بحبس صحافيين في العامين 2018 و2019 ثم تراجعت عنها معلنة عدم اختصاصها في ملاحقة الصحافيين ووسائل الإعلام في قضايا التشهير ونشر المعلومات المتعلقة بالمؤسسات العسكرية والأمنية». وذكّرت «مهارات» السلطات القضائية «أن حرية الصحافة ووسائل الإعلام لا يمكن أن تقيّد بشكل استنسابي وغير مبرر بهدف إسكات الصحافيين والتضييق على حرية تداول المعلومات بشأن القضايا والملفات المتعلقة بالمصلحة العامة أو ذات الاهتمام العام لا سيما في قضية انفجار مرفأ بيروت».
وأصدرت «لجنة دعم الصحافيين - سويسرا»، بياناً أدانت فيه «الإجراءات المتخذة بحق الإعلامي مرتضى. وتطالب السلطات القضائية اللبنانية بإسقاط جميع الملاحقات القانونية بحقه، واحترام الأصول القانونية لناحية الجهة المتخصصة بمتابعة ملفات الصحافيين، والتي هي محكمة المطبوعات وفق القوانين اللبنانية. كما تذكر السلطات اللبنانية بضرورة احترام التزاماتها وتعهداتها وفق القوانين والاتفاقيات الدولية».