رجاء الخطيب - الديار
لازمَ اللبناني المثل الشعبي القائل «بيتدين ليتزين»، من باب الاشارة إلى مدى حب اللبناني لمباهج ومسرّات الحياة، حتى قد يصل به الأمر إلى اعتبارها من الأساسيات وليس الثانويات في سلم اولوياته. فهل بات اللبناني بحاجة فعلاً إلى أن يتزين ليكسو نفسه؟ من إستطاع أن يقوم بجولة في الأسواق لن يخفي دهشته مما قد يراه. أسعار تزنرها أصفار كثيرة، وملابس وأحذية تكاد تصبح حلما لا أكثر. يزداد الأمر سوءاً مع الملابس الشتوية، فهي عادة ما تكون أغلى ثمناً، حيث كانت «الجاكيت» من القماش العادي في أحد المحلات التجارية في لبنان لا تتخطى الـ٣٠٠الف ليرة لبنانية، أصبحت لا تقل عن المليون ليرة لبنانية. قد لا يلام التاجر على هذه الأسعار، وإن اتسم بشيء من الطمع، انما الواقع فرض تسعيرات مختلفة عليه وعلى المواطن معاً. فماذا يقول هذا التاجر الذي أمضى سنوات طويلة في شحن البضائع إلى لبنان وبيعها في السوق مؤسساً بذلك لنفسه مملكة تجارية ذات أسس متينة، ماذا يقول عن الواقع الذي اصبحنا فيه اليوم؟
السيدة إيمان خضر التي تدير عملها الخاص بتجارة الألبسة منذ ما قبل الأزمة، أكدت لـ «الديار» أن الفرق ما بين ذلك الوقت والوقت الحالي كبير جداً، وأن أحد أهم تأثيرات الأزمة، أن التاجر كان قادراً على السفر والتنقل داخل لبنان لإنتقاء بضاعته بنفسه من الخارج أو مصدر الجملة في الداخل، وهو الأمر الذي لم يعد متاحاً الآن بسبب إرتفاع كلفة التنقل، والتي يجب أن تحسب من ضمن سعر القطعة النهائي، ومع ذلك فإن هذه المشكلة لم يتم حلها، إذ أن معظم التجار اليوم باتوا يعتمدون على خدمة التوصيل إلى المنزل، وهي الخدمة التي باتت مكلفة جداً، وتضيف أرقاما خيالية إلى السعر الأساسي.
خضر تحدثت عن أمور لاحظتها خلال العامين المنصرمين في الأزمة، إذ أن العائلات المتعددة الأفراد لم تعد تشتري لافرادها الثياب في آن واحد، بل باتت تقسم الشراء على أشهر منفصلة كي لا تحرم نفسها وأطفالها، وفي نفس الوقت كي تبقى قادرة على الإقتناء دون الحرمان الكلي.
خضر أكدت أن هناك تراجعا في الإقبال، فكلفة شراء الثياب من الخارج، وتحديداً تركيا، السوق الأول لتجار الألبسة اللبنانيين، لم تتغير بشكل جذري كونها منذ القدم يتم تسعيرها بالدولار، وعلى الرغم من ذلك تقول، أنها كما زملائها في المهنة، يخاطرون بشراء بعد البضائع التي باتت لا تتخطى الاربعين دولاراً للقطعة الواحدة، وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم من كان يُعدّ من الزبائن، هو غير قادر اليوم على شراء القطعة التي تبلغ كلفتها ١٠ دولار أميركي. وإعتبرت أن الدولار هو العائق الأول والأخير اليوم، بالإضافة إلى طمع تجار الجملة وبعض المستوردين الكبار الذين يتحكمون بالسوق، ويتذرعون بمشكلة غلاء إشتراكات المازوت وغيرها من الحجج التي قد لا تصح في بعض الأحيان.
وفي تفصيل مهم، إعتبرت خضر أن ما يحصل حالياً ليس سرقة من قبل التجار والمتحكمين في هذه التجارة، لا بل إن ما كان يحصل في السابق وعلى مدى السنوات المنصرمة هو السرقة الفعلية، إذ أنه من غير المنطقي أن تتراجع الكلفة بالدولار إلى حوالى 80٪، وهو ما يفسر أن التسعيرة القديمة كانت خيالية ومبالغ فيها وأن التسعيرة الحالية تقترب من أن تكون منطقية ولو قليلاً.
وإعتبرت خضر أن هذه المصلحة كانت في السابق قادرة أن تؤمن لصاحبها قدرة شرائية عالية تصل إلى حد شراء منزل وسيارة وتأمين تكاليف معيشة جيدة جداً، حيث كان بعض التجار يقوم بإستغلال وإحتكار منطقته والتعامل مع زبائنه بشكل متفاوت طبقاً لقدرتهم الشرائية، ولكن مع الوقت الحالي تراجعت هذه القدرة لدى معظم التجار المحليين وتراجع هامش الربح لديهم، كما أن ربحهم دائماً في دائرة خطر القفزات الجنونية اللامتوقعة التي يقفزها الدولار بين الحين والآخر بشكل مفاجئ.
يهمس أحد الموظفين في أهم مجموعة تجارية في البلاد في أذن صديقه عن أن «لبنان ما زال يتصدر المرتبة الأولى في المنطقة في نسبة مبيع الملابس»!
فأين يكمن الخلل إذاً؟ ومن هي هذه الفئة القليلة القادرة على الشراء بجنون، وعلى غلبة الفئة الكثيرة التي لم تعد قادرة على إقتناء القليل من الثياب الداخلية في آن واحد؟ ما يجري هو إنعكاس بسيط ولكن صارخ لانحصار الثروات في أيدي فئة قليلة جداً من اللبنانيين، وبالتالي التوزيع غير العادل للثروات، مما ينذر بالمزيد من المشاكل الإجتماعية والإنفجار الإجتماعي الناجم عن تراكم الحقد الطبقي.... وهو قادم لا محال.