النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
وصلني مؤخراً كتابان من تأليف زميل العمر حسين ضنّاوي الأول بعنوان "الزمن في بيت الكلمات" والثاني بعنوان "الخروج من الزمن الضائع" كما تلقّيت من المربّي العزيز شفيق حيدر كتاباً بعنوان صفحات انطاكية، فكانت الكتب هذه مودّة مفضية إلى المعرفة، وسيكون لي قريباً تعليق عليها. ومنذ حوالي عشرين يوماً، استلمت بالبريد كتاب "الدولة المستضعفة" من تأليف الصديق عبد الستّار اللاز، مرفقاً برسالة رقيقة يقول فيها إن هذا الكتاب شهادة للحق يرفع الحيف عمن ظُلِمَ، ويؤكّد مسؤولية من ظَلَمَ وأوصل البلاد إلى حافة الهاوية، ويختمها بأدبه الجم بعبارة "أرجو أن ينال استحسانكم"، هاتفته فوراً لأشكره، فلمست وَهَنًا في صوته مردّه أن حالته استدعت دخوله المستشفى كما أوضح لي، وأكد ان لا بد من لقاء بعد خروجه؛ في الثاني من الشهر جاءني النَّعيُّ فتجاذبني شعور بالحزن على من ذهب، والرضا بأن الكتاب صدر قبل الذهاب لأنني عاينت معاناته، وانهماكه، ودقّته في جمع المعلومات، كما أشركني في مراجعته والبحث عن عنوان له، إلى أن أرساه على عنوانه الحالي؛ كما أطلعني على قلقه لأنه كان عليماً بحقيقة مرضه، ويخشى ألا يمهله الأجل ليراه قيد تداول الأيدي والعيون.
عندما أسمى مجلس النواب، بأكثرية كبيرة دولة الرئيس تمام سلام لتشكيل الوزارة بعد استقالة الرئيس ميقاتي، اختار عبد الستّار ليكون مستشاره الصحافي، فلزم دارة المصيطبة، وكنت ألقاه في كل مرة أزور فيها الرئيس المكلف، وفي كل مرة كان يطلب إلي أن أحث الرئيس على الإسراع بالتشكيل، ورغم هذا فقد اقتضت الظروف استهلاك عشرة أشهر وعشرة أيام من نزيف الوقت والفرص إلى أن صدرت المراسيم بعد ذلك، وكنت في عداد الحكومة الجديدة، حيث عرفنا بعدها أسباب ذلك التأخير، مما شرحه لنا الرئيس سلام، وكيف أنه كان وفخامة الرئيس ميشال سليمان يعكفان على تدوير الزوايا ومحاذرة الألغام الداخلية والخارجية إلى أن تم الإفراج عنها. رحلة الفراغ تلك كانت فصلاً من كتاب عبد الستّار الذي يتحدث بإسهاب عن دراية الرئيس سلام وحذره ودقة احتسابه للأمور ولقد قدّم الراحل العزيز خدمة لتاريخ لبنان بأن دوّن صفحات دقيقة عن الأزمات التي اعترضت حكومة المصلحة الوطنية والمطبات والأفخاخ المنصوبة لها، وعن آلية التعطيل الدورية التي كان يمارسها وزير بارز ويسايره فيها وزراء آخرون، وعن هجومه امام الشاشات على الرئيس قبيل انعقاد الجلسة، وعن قنبلة النفايات التي لم يتورّع الرئيس سلام عن وصفها بأنها نفايات سياسية قبل أن تكون نفايات منزلية، وأنها عار يطمر الوطن، وأولى عبد الستّار عناية كبيرة لمسألة اختطاف العسكريين وخفاياها، أما مسألة النزوح السوري فقد أفرد لها مساحة 22 صفحة شعرت عندما قرأتها أنني شريك في كتابتها وهذا لا يجانب الحقيقة لأن المؤلف كان لشدّة دقّته يسألني على مدى أوقات طويلة عن أصغر التفاصيل، إذ كنت حينها مكلّفاً من الحكومة بالمسؤولية عن ذلك الملف.
عندما انتهى عبد الستّار من الكتابه أرسل لي نسخة عن النص ليستطلع رأيي، لما كان من ثقة متبادلة بيننا، فما كان مني إلا أن شكرته على ما زوّدنيه الكتاب من معلومات لم أكن أعرفها، ثم انتظرت خروج المؤلَّف من المطبعة حيث عانى ولادة عسيرة لأنه بقي لفترة يكابد آلام المخاض في عيادة الرئيس سلام الذي كان يدقّق في الشاردة والواردة.
كتاب "الدولة المستضعفة" تحدّث عن حقائق فترة الشغور الرئاسي، وكيف تعامل معها الرئيس سلام، حيث كان لدى افتتاح كل جلسة يدعو لانتخاب الرئيس، لأنه لم يكن ليوافق إطلاقاً أن تطول فترة حلولنا محل الرئاسة، وهو الذي رفض أن يزور القصر الجمهوري مرة واحدة أثناء الشغور.
ولو قُيّض للمؤلف أن تطول به الحياة، لألّف ملحقاً عن الشغور المستدام.
استأخر كتابة جزء آخر من قصيدة " كوخ في جوار اليقين" للأحد القادم، لأسمعكم أربعة أبيات كتبتها مؤخراً، عندما استغرقت زيارة ابني توفيق لنا يومين فقط قبل أن يرجع إلى دبي، فتملّكني شعور أنّ لقاءنا به وبعائلته وبابنتي رلى سيكون متعسّراً في المستقبل، لما يمرّ به لبنان من بلايا.. وكأننا ننجب الأولاد للتصدير، وربما ستتم إعادة تصديرهم إلى بلد المنشأ.
قلت:
عَلَيْنا لأبنائنا المَعْذِرَة
فنحن الذنوب..وَهم مَغَفِرهْ
وهم يُتْقنونَ خصيب الكلام
ونَحْن نعيش على الثَّرْثَرَهْ
سَكَبْنا عليهم حَناناَ وخَوْفاً
وَلُذْنا من المَوْتِ بالمَقْبَرهْ
فشبوا فُرادى وَوَلَّوْا جُموعاً
وَخَلَّوا دياراً ..لنا مُقْفِرَهْ
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا