أقفل الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، الباب أمام التنازل للسعودية في الأزمة التي افتعلتها على خلفية تصريحات الوزير جورج قرداحي. حزب الله لم يوافق على إقالة الأخير، ويرى أن المصلحة الوطنية توجب عدم التنازل الذي لا تلاقيه الرياض بإيجابية، بل تطالب بالمزيد. كذلك يرفض الحزب التفاوض باسم اليمنيين، إذ يمكن السعودية حل مشكلتها معهم بوقف الحرب ورفع الحصار وبدء المفاوضات السياسية
لا تنازل للسعودية التي بعدما أخذت «ألِف» إقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبة، انتقلت إلى «باء» المطالبة بإقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. وفي حال نالت مرادها، ستطالب وتطالب حتى تصل إلى «الياء». بهذه العبارة يمكن تلخيص موقف حزب الله الذي عبّر عنه أمينه العام السيد حسن نصرالله، من الأزمة التي أكّد أن النظام السعودي افتعلها مع لبنان بذريعة تصريح لقرداحي عن حرب اليمن، يسبق تعيينه وزيراً. في خطابه بمناسبة «يوم الشهيد»، أمس، بدا نصرالله كمن يقول لمحمد بن سلمان إن مسؤوليتك أنت أن تحل الأزمات التي تفتعلها، وليس من واجبنا أن نقدّم لك سلّماً للنزول عن الشجرة. فبالنسبة للذريعة السعودية التي تعتمدها لمعاقبة لبنان، والمتمثلة باتهام حزب الله بقيادة عمليات «أنصار الله» العسكرية في اليمن، ردّ السيد نصرالله بنفي ما وصفه بـ«الأوهام»، ناصحاً السعوديين بأن «الحل في اليمن يبدأ بوقف إطلاق النار ورفع الحصار، وبدء مفاوضات سياسية». وفي هذا السياق، نفى ما تردد في الأسابيع الماضية عن المفاوضات السعودية- الإيرانية في بغداد، وتحديداً لجهة القول إن طهران قالت للرياض إن الملف اليمني بيد حزب الله، أو السيد حسن نصرالله تحديداً.
خطاب السيد أمس حمل تعبيراً عن قرار بعدم الرضوخ للإملاءات الخارجية، منتقداً الذين طالبوا الوزير قرداحي بتقدير المصلحة الوطنية وتقديم الاستقالة، «فمَن قال إن المصلحة الوطنية تكمن في الخضوع للمطالب الخارجية؟». في الوقت عينه، كانت لغته هادئة، وأكّد أن الحزب لا يريد التصعيد مع السعودية ولا مع أي دولة خليجية.
ووصف نصرالله رد فعل السعودية على تصريحات قرداحي بأنه «مبالغ فيه جداً، لأن هناك سياسيين ومسؤولين أميركيين وأمميين قالوا ذات كلام قرداحي ولم يردّ السعوديون، إضافة إلى قيام أفراد بشتم النبي محمد ومع ذلك لم تقدم السعودية على قطع العلاقات مع الدول التي حمت هؤلاء الذين شتموا، إضافة إلى جانب آخر يتعلق بصداقة السعودية مع اللبنانيين فهل هكذا يتعاطى الصديق مع صديقه؟». وأضاف: «حملات الشتم لم تتوقف ضد سوريا منذ 15 عاماً، ومع ذلك لم تقف سوريا ضد القرار الأميركي الذي سمح بمرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية في أراضيها»، مؤكداً «أن هذا التصرف هو عنوان الصديق، مثلها في العلاقة مع إيران التي لم تمنن لبنان بما قدمته وساندت من خلاله لبنان وبخاصة في دعمها لطرح الاحتلال الإسرائيلي».
وأعلن أن حزب الله رفض إقالة الوزير قرداحي، «لأن السعودية لم تقابل لبنان بأية إيجابية عندما تمت إقالة الوزير شربل وهبي». وبرأيه، فإن «السعودية تبحث عن حجة لتفتعل أزمة مع لبنان»، لأن ذلك جزء من المعركة مع مشروع المقاومة في لبنان»، مذكّراً بالدور السعودي التحريضي ضد المقاومة في حرب تموز 2006.
وتوقف عند ما قالته السعودية من أسباب مشكلتها مع حزب الله، وتحديداً اتهام الحزب بالهيمنة على لبنان. بالنسبة للأولى، قال نصرالله إن حزب الله هو «أكبر حزب سياسي في لبنان، ولكن نحن غير مهيمنين على لبنان، لا بل هناك من لديه تأثير في مفاصل الدولة أكبر من تأثيرنا». وأعطى أدلة على قوله هذا بمسائل كالتحقيق في انفجار المرفأ، قائلاً: «ما هو هذا الحزب الذي يهيمن على القرار في لبنان، والذي لا يستطيع أن ينحّي قاضياً عن ملف نعتقد أنه يعمل بشكل استنسابي ومسيّس. كذلك الأمر بالنسبة لسفن المازوت من إيران، أين هيمنتنا على الدولة في وقت نأتي بالمحروقات عبر سوريا وننقله لنحو 200 كيلومتر لأن الدولة اللبنانية ترفض استقبال هذه السفن في منشآت النفط. ومِثلها في مطالبتنا بالتوجه شرقاً مع الحفاظ على علاقات مع الغرب، أو بتفعيل العلاقة مع سوريا».
وعن اليمن وموقف حزب الله من الحرب فيه، قال نصرالله: «موقفنا واضح منذ سبع سنوات عندما أيدنا الشعب اليمني، فلماذا القصة الآن؟ إنها قصة مأرب ونتائج الحرب هناك، هذه الحرب التي فشلت بعد كل سنوات الحرب على الشعب اليمني. فتداعيات سقوط مأرب ستشمل المنطقة والسعودية تعرف ذلك». وعبّر عن رفضه «احتمال أن يكون الضغط علينا كي نضغط على أنصار الله (الحوثيين) في اليمن»، نافياً «الخبر الذي قيل عن أن الإيراني طلب من السعودي في بغداد أن يقوم حزب الله بهذه المهمة»، ومشدداً على رفضه «التفاوض نيابة عن اليمنيين وهذا أيضاً موقف إيران». وكشف أنه «مطّلع على محاضر جلسة الحوار السعودي الإيراني في بغداد، والتي لم يؤتَ فيها على ذكر ما أشيع».
وأكد الأمين العام لحزب الله أن مشكلة السعودية في لبنان أن حلفاءنا لم يأخذوا البلد إلى حرب أهلية، وهم قسمان: جزء عاجز عن جر البلد إلى حرب أهلية، وجزء يرفض الحرب الأهلية. لكن على رغم ذلك، السعودية استمرت بالسعي إلى إشعال الحرب داخل لبنان، سواء بعد حرب تموز 2006، أو عندما خطفت الرئيس سعد الحريري عام 2017، أو اليوم.
وختم السيد نصر الله بالقول: «نحن نريد التهدئة، وأطالب اللبنانيين بالصبر، ونحن صبرنا وضغطنا على جروحنا ونريد السير بالطريق الصحيح، ونحن منفتحون على المعالجات الهادئة، وهذا ما قمنا به في حادثة خلدة، ومثلها في مجزرة الطيونة التي ارتكبها حزب «القوات اللبنانية» تصميماً وتحضيراً واستجلاباً لعناصر من خارج منطقة عين الرمانة». وأكّد عدم وجود أي مقايضة بين ملفي الطيونة والمرفأ، لافتاً إلى أن أهالي الشهداء في المرفأ كعوائل الشهداء في الطيونة، «ونحن سنتابع القضيتين لأنها مسألة أخلاقية ووطنية نلتزمها».
نصرالله بدأ خطابه بالتشديد على أهمية الإنجازات التي حققها شهداء المقاومة، وشهداء الدول العربية، في مواجهة العدو الإسرائيلي، لجهة «تحرير الأرض وتحرير الأسرى والحماية والردع وهي مستمرة، ومنها مواجهة المشروع الأميركي التكفيري في المنطقة الذي انتصرنا عليه ومنع الحرب الأهلية التي لا يزال يجري التخطيط لها».
كذلك من أهم الإنجازات التي تحدّث عنها، «منع الإطباق الأميركي الكامل على لبنان، على رغم النفوذ الأميركي الكبير فيه، لكن منعناه من الهيمنة الشاملة على لبنان. وكل ما يحتاجه هو رفض الإملاءات السياسية، كما في قضية ترسيم الحدود البحرية، لأن المنطقة هناك تحتوي على ثروة نفطية وطنية». ونوه بعدم خضوع الدولة «إلى الآن»، للإملاءات الأميركية في مسألة ترسيم الحدود، «والسبب هو استناد لبنان إلى قوة المقاومة القادرة على ردع العدو ومنعه من أن يمد يده إلى ثروة لبنان وأي حبة تراب».