هيام القصيفي
لا يتعلق الطعن بقانون الانتخاب، بالفريق الذي سيقدمه، أي التيار الوطني الحر. كل القوى السياسية تستعد لمواكبة عمل المجلس الدستوري وجوانبه المختلفة، في مرحلة سيكون فيها إجراء الانتخابات حداً فاصلاً بين القرار السياسي والدستوري.
يكاد التدخل الغربي، الأوروبي والأميركي، لإجراء الانتخابات النيابية، يفوق أي تدخل آخر في كل الملفات الحيوية، من أزمة الكهرباء إلى أزمة العلاقات مع السعودية. وكلما ازدادت الضغوط الإقليمية بفعل تطورات العراق وسوريا واليمن، وزادت التحديات الأمنية والسياسية في الداخل، ضاعفت هذه العواصم اندفاعتها وحثها المسؤولين في لبنان على ضرورة إجراء الانتخابات، وسط ورشة عملانية لمواكبتها لوجيستياً، وتغطية سياسية دولية لها. وهي انطلقت في الأساس من مبدأ الضغط لإجرائها مهما كان شكل القانون، بعدما كثر اللغط بين تعديلات مطروحة وشروط ورفض مضادّ لها. من هنا جاء إعطاء الأميركيين جرعة دعم لانطلاق عمل الحكومة، ومن ثم إنعاشها، لإبقائها رافعة بالحد الأدنى لإجراء الانتخابات كمحطة مفصلية بين مرحلتين.
لكن الانتخابات تواجه اليوم استحقاقاً أساسياً يتعلق بالطعن الذي سيقدّمه التيار الوطني الحر إلى المجلس الدستوري، والذي سيصبح تحت المجهر والرصد الغربي والمحلي خلال المرحلة المقبلة. وهذا الطعن ليس مجرّد خطوة دستورية وقانونية، بل هو محك لمرحلة مواجهة تفرز في نهايتها مستقبل استحقاق عام 2022، وقد تلتقي حوله مصالح أكثر من فريق في حسم مصير الانتخابات.
فحين اعتبرت رئاسة الجمهورية أن قانون الانتخاب أصبح نافذاً قبل نشره في الجريدة الرسمية، كانت تفتح الباب أمام الطعن الذي يفترض أن يقدمه التيار في الأيام المقبلة. هذا الطعن، المتعدد الوجوه بفعل اعتراض التيار على بنود عدة في القانون كاقتراع المغتربين والميغاسنتر والبطاقة الممغنطة، سيجعل القوى السياسية تنصرف إلى استراحة عملية في انتظار القرار الذي سيؤسس لمرحلة تتداخل فيها العوامل السياسية مع القانون والدستور. لكن الاستراحة الانتخابية سيقابلها، عملياً، استنفار سياسي استعداداً لمرحلة شدّ كباش بين هذه القوى. فالتسييس الذي قد يغلب على قرار المجلس بفعل تركيبته بين معيّنين ومنتخبين، وبفعل التدخلات التي أصبحت عادية في مثل هذه الاستحقاقات المصيرية، سيكون من العناصر الحاسمة في رسم معالم الأشهر المقبلة.
تنتظر القوى السياسية، بحسب المهل، ما لا يقل عن خمسة عشر يوماً بعد تقديم الطعن من أجل أن تتضح صورة المشهد الانتخابي وفق قراءة الدستوري، ما يعني أنها ستكون، بدءاً من كانون الأول، أمام استحقاق متعدد الاتجاهات في قبول الطعن أو ردّه، ودور المجلس النيابي في حال سلك المجلس الدستوري خيار قبول الطعن. وهذا يعني بالنسبة إلى البعض مزيداً من إهدار الوقت، لا سيما أن مهلة الأسابيع المقبلة قد تفتح المجال أمام احتمال تطيير نصاب المجلس الدستوري، أو المسّ بالمهل المحددة لإجراء الانتخابات، ما سيتحوّل معضلة سياسية بامتياز، تضاف إلى سلسلة الصدامات الآنية. والجميع يعلم أن قراراً بهذا الحجم، وسط ضغوط خارجية وداخلية، لن يكون من السهل على أعضاء المجلس الدستوري اتخاذه بمنأى عن الاصطفافات السياسية والكباش الدائر حالياً على كل المستويات، لا سيما أن كل المفاصل القضائية حالياً تخضع للتجاذب في ملفات عالقة، من انفجار المرفأ إلى أحداث الطيونة، ولن يكون قرار المجلس الدستوري معزولاً عن المشهد القضائي المرتبك. هذا يعني أن عجلة الانتخابات باتت متوقفة، على رغم أن كل المعنيين فعلياً بالانتخابات يتحدثون عن أن هذا الملف فُتح مبكراً. فمن غير المنطقي الكلام اليوم عن إحصاءات أو عن أرقام أو تحالفات قبل جلاء صورة القانون بنهائياته على الأقل لجهة تحديد تاريخ الاقتراع. في حين أن القرار الأهم يبقى في اتضاح القرار السياسي بحسم إجراء الانتخابات أو عدمها، وهذا الأمر من شأنه أن يكون معبراً أساسياً في تحديد وجهة خيار المجلس الدستوري. من هنا يبدو مبكراً جداً الكلام عن تحالفات سياسية، خصوصاً في ضوء التطورات بعد أزمة الرياض وأحداث الطيونة وتموضع الحلفاء والخصوم في معسكرات متقابلة. فالكلام اليوم هو للقانون وعلى ما ستفعله القوى السياسية باختلاف اتجاهاتها في التعامل مع حدث المجلس الدستوري والمهل التي أخذ بها سابقاً في المجلس النيابي لإجراء الانتخابات مبكراً، بحيث تتداخل المصالح في تطيير الانتخابات أو إجرائها مبكراً، فيكون الوقت ضاغطاً أمام الجميع. وليس صحيحاً أن قرار الطعن سيكون بذلك حكراً على مصلحة التيار الوطني، لأن القطب المخفية في مصالح الأحزاب يمكن أن تجد ممراً لها من خلال طعن التيار. من هنا فإن الأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالضغوط والمفاوضات، ومناقشات المجلس الدستوري - على أهميتها - ستكون جزءاً أساسياً من المشهد السياسي، لكنها لن تكون وحدها صاحبة الكلمة الأخيرة.