كريم حسامي
ما يجري في العراق كتطورات سياسية وامنية عادة ينسحب على لبنان أو العكس، وهذا ما لحظناه في عدة محطات سابقة مثلا خلال اندلاع ثورة 17 تشرين 2019، التي حصلت توازيا مع اندلاع المظاهرات في العراق غير ان الفارق هو دموية الاحداث هناك حيث تٌصبغ بالدم قبل لبنان حين تشتد المواجهة الاقليمية والدولية بين القوى المؤثرة في معظم البلدان، خصوصا المواجهة الاميركية-الايرانية.
كانت الاوساط السياسية تتوقع عودة التفجيرات والاغتيالات الى لبنان منذ نحو السنتين عندما بدأت المواجهة بين اسرائيل وايران مع ادواتها تحتدم في المنطقة، لكن الامور بقيت ضمن نطاق التدهور السياسي والاقتصادي والنقدي الذي يلحقه الاجتماعي، وهو ما اعتبره المواطن اقسى بكثير من الحرب العسكرية والامنية. غير انه في الفترة الاخيرة، عادت التوترات الامنية الى العراق من اطلاق النار على المتظاهرين الى عودة التفجيرات بسيارات مفخخة واستخدام الانتحارييين وصولا الى تنفيذ "داعش" هجمات تستهدف مناطق معينة وشن ادوات ايران هجمات على مصالح اميركية.
انسحب هذا على لبنان حيث شهد استهداف المرفأ، ما أدى الى تدمير العاصمة ومقتل وتشريد المئات، اضافة الى التوترات الامنية المتنقلة كحادثة قبشرمون ومأساة خلدة وشويا (حيث طرد عناصر من الحزب مواطنين دروز) وأحداث الطيونة، ويُتوقع امتداد هذا النوع من الحوادث في أكثر من منطقة مستقبلا، في إطار إضعاف حزب الله وتوجيه صفعات كبيرة له.
نقطة الفصل تتمثل في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي هو رئيس حكومة تصريف الاعمال بعد الانتخابات العراقية التي أدارها وكانت نتائجها نكسة قوية لادوات ايران، وهو رجل أميركا والسعودية في العراق على الرغم من موافقة الايراني عليه (والدليل زيارة قائد الحرس الثوري ابراهيم قاآني له بعد ساعات من محاولة قتله) وهو مرشح لولاية جديدة، فوجهت له رسالة مبطنة بالنسبة للمرحلة المقبلة. الامر البارز في التطور الامني هذا هو حصوله بعد وقت قليل من اعلان أميركا وايران الاتفاق على بدء المفاوضات بينهما في 29 الشهر الحالي.
وهو ما لا يمكن اعتباره في اطار شدّ الحبال بين واشنطن وطهران قبل المفاوضات التي حتى لو بدأت، ستستمر التوترات الامنية في مختلف البلدان ذو النفوذ الايراني، خصوصا العراق، اليمن ولبنان وعودة القصف الاسرائيلي مستهدفا القوات الايرانية وحزب الله في سوريا، من الاجواء اللبنانية.
غابت الاغتيالات السياسية عن العراق لفترة طويلة وشهد نوعا من الاستقرار الامني، في وقت ان محاولة اغتيال الكاظمي ستخلط الاوراق على كل الصعد وتبرهن ان الامور تزداد سوءا وتتجه الى تدهور أمني كبير سينعكس على كل المنطقة، خصوصا لبنان.
حتى هذه النقطة، لم تبلغ الاحداث مستوى التفجيرات والاغتيالات التي حصلت في المرحلة بعد 2005، على الرغم من التحذيرات المتعددة من الاستخبارات الخارجية من استغلال الوضع اللبناني المنهار من اجل نشر الفوضى أكثر، وبالتالي الانتقال الى مستوى أقسى من هلاك الشعب.
اصبح منطقيا الان التأكيد على احتمالية عودة التفجيرات والاغتيالات، وتحديدا بعد الحدث الأمني الكبير والخطير جدا في العراق وتدهور المحادثات السعودية الايرانية وعزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي وفرض "حزب الله" سياسته الداخلية والاقليمية على البلد، فأصبحت سياسة بلاد الارز إيرانية بامتياز، فضلا عن رفض الحزب امكان خسارته الاكثرية في الانتخابات.
فاللبناني بانتظار اجراء الانتخابات في آذار المقبل على رغم ضبابية التطورات حول هذا الموضوع، فحتى هذه اللحظة، المؤشرات توحي ان لا انتخابات خصوصا في ظل هذه الاوضاع الاقتصادية والحكومية المعلقة في شباك التشنج السياسي الكبير الذي لا يبدو سيُحل قريبا، فهل ستكون مآال الامور في البلد أسوأ من العراق عبر اشاعة الفوضى الامنية قبل الانتخابات لتأكيد ان الاجواء لا تسمح باجرائها؟