طوني كرم
تتوالى التحديات التي تعصف بطلاب الجامعة اللبنانية، وليس آخرها الإضراب المفتوح الذي ينظمه الأساتذة المتفرغون والمتعاقدون من أجل تحقيق المطالب المزمنة التي عجزت عن حلها الحكومات السابقة. فهل سيتمكن الرئيس الجديد للجامعة البروفسور بسام بدران من اجتراح الحلول التي عجز عنها سلفه؟ وأي مصير ينتظر الطلاب مع إقتراب الفصل الجامعي الأول من الإنتهاء دون الإلتحاق في جامعتهم؟ وهل سيحصد الطلاب الحصة الكبرى من تحلل القطاع العام في ظل غياب الإهتمام الرسمي والدولي في الجامعة اللبنانية؟
شكّل التحول الرقمي في التعليم تحدياً كبيراً أمام الجامعة اللبنانية، إستطاعت مواكبته بنجاح جرّاء الظروف التي فرضتها جائحة كورونا بالرغم من تردي الأوضاع المعيشية للعديد من طلابها. إلّا أنّ تفاقم "الجائحة اللبنانية" ينعكس بشكل مباشر على مستقبل الطلاب الذين يجدون أنفسهم رهينة التجاذبات السياسيّة، وتبعات الإنهيار المالي، والإضرابات المستمرة للروابط التعليمية التي تعيق إنطلاق العام الجامعي.
تمكن الرئيس الجديد للجامعة البروفسور بسام بدران والذي لم تمضِ على تعيينه، خلفاً للبروفسور فؤاد أيوب أيام معدودة، من إقرار التحفيزات التي رفعتها الهيئة التنفيذية لرابطة العاملين في الجامعة اللبنانية ودفعهم إلى العودة عن الإضراب الذي استمر لما يزيد عن الشهر، ليواجه اليوم المطالب المزمنة والمتفاقمة للأساتذة المتعاقدين الذين يطالبون بإدخالهم إلى التفرغ، والذين يشكلون 70 في المائة من الجسم التعليمي من أجل إنصافهم بزملائهم والبتّ في ملف التفرغ، بعد أن أجمعوا في تصويتهم على أنّ "المتعاقدين لن يعودوا إلى التعليم إلا بعد إقرار تفرغهم بشكل ناجز ونهائي"، نظراً إلى أن عقود المصالحة التي تنظّم عملهم فقدت قيمتها مع الإنهيار المالي، وغياب التقديمات الصحية، والمنح المدرسية، وبدل النقل، إضافة إلى إستثنائهم من كافة التقديمات والحقوق التي يحصل عليها باقي الأساتذة.
مصلحة الطلاب أولوية
لا يخفي البروفسور بدران التحديات التي تواجه الجامعة اللبنانية في هذه الظروف الصعبة، كون الجامعة صورة مصغّرة عن البلد، تتطلب التعاون بين كافة مكوناتها من أجل الحفاظ عليها وتطويرها، مؤكداً في الوقت نفسه أن مصلحة الطلاب هي مصلحة الجامعة ورئاستها، وهي أولوية الأولويات بالنسبة اليهم.
البروفسور بسام بدران أوضح لـ "نداء الوطن"، أن رئاسة الجامعة تقوم بإنجاز كافة الإجراءات الإدارية المرتبطة بملف التفرغ والدخول إلى الملاك، لتسلك بعدها الطريق الصحيح إلى وزير التربية الذي يقارب الموضوع بإيجابية كبيرة، ومن ثم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بعيداً عن الظروف السياسية التي تعيق العمل الحكومي.
وإذ تخوف بدران من عرقلة ملف التفرغ في مجلس الوزراء، أكّد إصراره على العمل إلى جانب وزير التربية من أجل أن يسلك هذا الملف الطريق نحو الحل الأنسب وبالسرعة القصوى بما يرضي كافة الأطراف.
وإذ إرتأى بدران الذي يتعامل بكل إيجابية مع مطالب الأساتذة، عدم الغوص في تفاصيل الإقتراحات التي يعمل على بلورتها تمهيداً لمناقشتها في القريب العاجل مع الأساتذة خلال لقائه المرتقب معهم، امل ان يكون التعاطي متبادلاً من قبلهم، كون أهل الجامعة هم أكثر الضنينين بالجامعة وطلابها، تمهيداً للعودة عن قرار الإضراب وإطلاق العام الجامعي بشكل سليم.
أكبر من لبنان!
بدوره، أشار عميد كلية الحقوق والعلوم السياسيّة البروفسور كميل حبيب إلى أنّ "الأزمة" أكبر من لبنان، وبطبيعة الحال فهي أكبر من الجامعة التي هي جامعة الدولة، مشدداً على أنّ هذا الصرح التعليمي وجد ليبقى، ولا يمكن الإستغناء عنه، رغم أنه ولد يتيم الأب والأم منذ تأسيسه، بحيث تتعرض الجامعة لمشاكل عديدة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، رغم تخريج ما يزيد عن الـ 600 ألف طالب يعملون في جميع أصقاع الأرض، بفضل شهاداتهم المحترمة، التي نأت بنفسها عن الأزمات، بحيث احتلت الجامعة اللبنانية المرتبة الثالثة لبنانياً، والثامنة عشرة عربياً، وبالتالي فإن شهادة الجامعة اللبنانية كانت محل إحترام، ولم تزل، وستستمر.
وعن إنطلاق السنة الجامعية، شدد العميد حبيب على أنّ أساتذة الجامعة جميعهم مسؤولون ويتحملون هذه المسؤولية بشرف، رغم المعاناة على كافة المستويات، مشيراً إلى أنّ الجامعة اللبنانية هي قضية وطن، وهي مسألة وطنية، ولا يمكن أخذ الطلاب رهينة والإستمرار في إضراب من دون أفق في ظل الأزمات السياسية التي تواجهها الحكومة، مشدداً حرصه على الطلاب الذين هم أساس الجامعة، ومستقبلهم، كحرصه على مستقبل إبنته التي تتابع دراستها كالعديد من الطلاب في الجامعة اللبنانية، آملاً عودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسيّة مع إنطلاق العام الجامعي فور الإنتهاء من إصدار نتائج الإمتحانات، على أن يكون التدريس مدمجاً بين التعلّم الحضوري وعبر وسائط الإتصال الرقمي، من أجل تخفيف الأعباء على الأساتذة والطلاب، وللحدّ من المخاطر الصحيّة المرتبطة بـ "كورونا".
وشدد حبيب على دور الحكومة في إجتراح الحلول من أجل تخفيف أعباء الأزمة الإقتصادية والمالية على عموم الشعب اللبناني وبمن فيهم الجامعة اللبنانية، التي تبدو ثانوية بالنسبة للبعض منهم، ودعا المسؤولين في الدولة إلى الإهتمام في الجامعة ومستقبل الطلاب، وعدم تركهم في هذه الأيام الصعبة، مع تشديده المسبق على أنّ الجامعة لم تكن يوماً أولوية عند الدولة اللبنانية إلّا في ستينات القرن الماضي مع تأسيس الكليات التطبيقة، لتترك من بعدها فريسة التجاذبات السياسيّة.
وتوجه إلى القوى السياسية من أجل أن تأتي بأحزابها لخدمة الجامعة عوض أن تأخذ الجامعة إلى أوكار أحزابها، بحسب تعبيره، مجدداً التأكيد على الشعار الذي طرحه الدكتور أسعد دياب في القرن الماضي، والذي لا يزال المطلب الأساسي لأهل الجامعة حتى اليوم، الا وهو: "إرفعوا أيديكم عن الجامعة اللبنانية".
وتوقف حبيب بتفاؤل عند إندفاعة الوزير عباس الحلبي والحرص الذي أبداه تجاه الجامعة مع تعيين رئيس جديد فور إنتهاء ولاية الرئيس فؤاد أيوب، والذي كان سيستتبع بتعيين عمداء أصيلين من أجل إعادة انتظام العمل في مجلس الجامعة، داعياً إلى إبعاد ملف الجامعة عن كافة التجاذبات السياسيّة ووضعه في سلّم الأولويات لارتباطه المباشر بمستقبل الطلاب.
الحد الأدنى للصمود... مفقود
إلى ذلك، رأى رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين الدكتور عامر حلواني أن انطلاق العام الجامعي يشوبه الكثير من التحديات والمخاطر، بحيث لا يمكن العودة عن الإضراب وإنطلاق العام الجامعي قبل تحسين الوضع الإقتصادي للأستاذ الجامعي، وإتمام ملف التفرغ للأساتذة المتعاقدين، ودخول الأساتذة المتفرغين إلى الملاك.
حلواني الذي دعا الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها أو الإستقالة، أشار إلى أن وزير التربية عباس الحلبي طلب المزيد من الوقت من أجل إيجاد المخارج اللائقة لمطالب الأساتذة، في حين لم تتوصل مساعي الرابطة مع رئاسة الجامعة من أجل تأمين الحدّ الأدنى من مقومات الصمود للأساتذة من أجل وضع حدّ للإضراب.
وفي سياق متصل، أشار الدكتور في كلية العلوم الفرع الأول، علي فارس، إلى أنّ ما يقارب الـ 850 أستاذاً جامعياً وقعوا عريضة من أجل الإستمرار في الإضراب وعدم العودة إلى التدريس قبل تسوية أوضاعهم من خلال اتمام ملف التفرغ كباقي الزملاء، وليس عبر تحفيزات مالية لا قيمة لها. وإذ لفت إلى أن التنسيق يتم بحذر مع رابطة الأساتذة المتفرغين التي قد تعود عن الإضراب في أي وقت، شدد على أن انطلاق العام الجامعي سيكون مشلولاً مع إلتزام غالبية الأساتذة المتعاقدين الذين يشكلون ما يفوق الـ 70 في المائة من الأساتذة في الإضراب.
وأكّد فارس على أنّ الأمور أصبحت على المحك في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، والتي تتخطى قدرة الأستاذ على الإستمرار، بعد ان أصبح راتبه لا يتعدى الـ 1500 دولار سنوياً، مؤكداً استمرار التصعيد بوجه الحكومة والضغط على وزير التربية ورئيس الجامعة اللذين يعود إليهما البتّ في ملفات التفرغ في ظل غياب مجلس الجامعة وذلك قبل تعيين عمداء أصيلين.
ولفت فارس إلى أن الأساتذة الذين أبدوا تجاوبهم مع الإتصالات التي أدّت إلى تصحيح الإمتحانات وإنهاء العام الجامعي السابق، يصرّون على استمرار الإضراب وعدم اطلاق العام الجديد قبل البتّ في مطالبهم.
وأمام هذا الواقع، من ينقذ مصير طلّاب الجامعة اللبنانية الذين يترقبون بحذر العودة إلى متابعة مسيرتهم التعليمية، في أوج التحديات المعيشية، من ارتفاع أسعار المحروقات التي ستقف عائقاً أمام التحاق العديد منهم بجامعاتهم، وانقطاع الكهرباء المستمر الذي سيحرم العديد أيضاً من متابعة المقررات عبر الإنترنت، إضافة إلى الميزانيات الهشّة للإدارات والتي تواجه صعوبة في تأمين أوراق لإعطاء إفادات للخريجين... ليصبح السؤال اليوم: لمصلحة من الإمعان في ضرب التعليم الرسمي؟ وألا يستحق قرابة الـ 80 ألف طالب إلتفاتة من قبل الجهات المانحة والمنظمات الدولية من أجل الحفاظ على الجامعة الوطنية وضمان مستقبل أبنائها بعيداً عن التحلل الذي يصيب القطاع العام في لبنان؟
إنجاز بعد عجز
بعيداً عن التخبط الذي يرافق إنطلاق العام الجامعي وأثره الحتمي على مستقبل الطلاب، حقق الباحث في مجال الرياضيات في المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا في الجامعة اللبنانية أيمن حسن الزين، إنجازاً علمياً من خلال تمكنه من حلّ المعضلة الشهيرة التي طرحها الرياضي روزنفيلد عام 1974 وعجز عن حلّها رياضيون مهِمّون قبله، وآخرهم الباحث الفرنسي «هافيت»، بحيث تمكن الباحث في الجامعة اللبنانية من حلّ المعضلة بشكل كامل في بحث مؤلف من 78 صفحة قدّم إلى واحدة من أهم المجلات العلمية العالمية لنشره، ما يؤكد أهمية الحفاظ على هذا الصرح التعليمي ومواكبة تطويره بما يترافق مع البرامج التعليمية العالمية.