محمد بلوط - الديار
لم تظهر في الساعات الماضيةأيّ اشارات ايجابية تدل على احداث ثغرة في جدار الأزمةالمستجدةالناجمة عن قرار السعودية بالقطيعة مع لبنان اثر نشر تصريح قديم للوزير جورج قرداحي قبل تعيينه وزيرا للاعلام حول اليمن ووصفه حربها بالعبثية، وعلى خلفية تصعيد حملتها ضد حزب الله واتهامه بالهيمنة على الدولة اللبنانية وقرارها.
وعكست المواقف والاجواء التي رصدت في اليومين الماضيين مناخا ملبّداً يبعث على الاعتقاد باستمرار هذه الازمة واحتمال ارتفاع وتيرتها، لا سيما في ظل المعلومات والتسريبات عن اتجاه الرياض لاتخاذ المزيد من الخطوات والاجراءات في اطارالقطيعة الديبلوماسية والاقتصادية مع لبنان.
وفي هذا السياق ذكرت مصادر مطلعة انه بعد مغادرة السفير السعودي وليد بخاري بيروت منذ اعلان الموقف السعودي، غادر امس عدد من العاملين الاداريين والديبلوماسيين في السفارة السعودية لبنان في طريقهم الى المملكة.
وفي تصريح له جدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اتهام المملكة لحزب الله بالسيطرة على المشهد السياسي في لبنان، واشار الى انه «مع استمرار سيطرة حزب الله على المشهد السياسي، ومع ما نراه من امتناع مستمر من هذه الحكومة والقادة السياسيين اللبنانيين عامة، عن تطبيق الاصلاحات الضرورية، والاجراءات الضرورية لدفع لبنان باتجاه تغيير حقيقي، قررنا ان التواصل لم يعد مثمرا او مفيدا مع لبنان».
وشدد على ان «الامر اكبر من تصريحات وزير واحد».
في هذا الوقت لم يسجل أمس على الصعيد المحلي اي تطور ايجابي في اطار العمل لعودة جلسات مجلس الوزراء، خصوصاً في ظل الخلاف الذي برز حول طريقة معالجة الازمة السعودية بعد موقف الرئيس ميقاتي الداعي الى استقالة او اقالة الوزير قرداحي كجزء من خارطة طريق لمعالجة الازمة مع السعودية، ورد حزب الله وافرقاء آخرين في الحكومة المتشدد والرافض هذا الطرح وتحميل قرداحي المسؤولية.
المساعي الفرنسية والاميركية
وفي ظل المراوحة والتأزم المحلي، كشف مصدر رسمي واسع الاطلاع لـ«الديار» امس عن ان الجهود الفرنسية والاميركية مستمرة للمساعدة في رأب الصدع بين لبنان والسعودية، مشيرا الى ان الادارة الاميركية كانت ابلغت مراجع رسمية لبنانية عبر السفارة انها حاولت لدى المسؤولين في الرياض معالجة الازمة، لكنها اصطدمت بموقف متشدد وشروط مطلوبة من الجانب اللبناني قبل اي حوار.
واضاف المصدر ان الموقف السعودي ربما ارخى بظلّه على زخم المسعى الاميركي، لكن الادارة الاميركية حرصت على الافادة عبر سفارتها انها ستستمر في السعي لتخفيف حدة الاحتقال بين البلدين.
وعلى الجانب الفرنسي، قال المصدر ان باريس يبدو أنها ناشطة اكثر في التفتيش عن مخرج للازمة القائمة، مشيرا الى ان الدوائر الفرنسية تضع المسؤولين اللبنانيين المعنيين في اجواء مسعاها هذا الذي يجري باشراف مباشر من الرئيس ماكرون.
ووفق المعلومات التي توافرت في الاربع والعشرين ساعة الماضية، فان باريس تركز على مواصلة الاتصالات ليس مع الجانبين السعودي واللبناني فحسب، بل ايضا مع طهران التي تعتقد انها يمكن ان تساعد او تساهم في بلورة مخرج للازمة او على الاقل تخفيف حدة التوتر الحاصل بين بيروت والرياض.
ووفقا للمصدر ايضا، فان الجهود التي تبذلها باريس بالتعاون مع واشنطن تتركز ايضا على عدم الذهاب بالازمة الى مزيد من الاجراءات والمواقف التي من شأنها ان تفاقم الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، وتنذر بتداعيات اخرى تهدد باحداث تطورات على الارض.
ولفت المصدر الى ان جامعة الدول العربية، التي اكتفت منذ بدء الازمة باعلان المواقف والدعوات العامة لمعالجة وتطويق الازمة بين لبنان والسعودية، دخلت على خط المساعي حيث ينتظر ان يصل الامين العام المساعد للجامعة حسام زكي على رأس وفد من الجامعة الى بيروت غدا لاجراء محادثات في هذا الصدد مع رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، والبحث في امكانية ايجاد مخارج معينة للوضع القائم.
لا مبادرة محلية
اما على الصعيد المحلي، فقد ابلغ مصدر سياسي مطلع «الديار» امس انه منذ اعلان الرئيس ميقاتي موقفه الاخير وتأكيده على اقالة واستقالة الوزير قرداحي، ورفض حزب الله وحلفائه لهذه الصيغة لم يطرأ اي جديد.
وحول ما اذا كان هناك اقتراح او مبادرة معينة يجري العمل عليها لمقاربة هذا الموضوع سعيا لايجاد مخرج للازمة، قال المصدر «لا يوجد حتى الآن اي مبادرة او محاولة في هذا الشأن، وان كل ما يقال عن مثل هذا الامر هو مجرد كلام اعلامي وتكهّنات»، لافتا الى ان ما يصعب الامور هو ان السعودية منذ بدء خطواتها لم تعط فرصة حقيقية للحوار او المساعي الجدية للحل، بل واصلت تشددها مشترطة مبادرة لبنان الى اتخاذ خطوات تحاكي الموقف الذي اعلنته في بيانها الأخير.
ولفت المصدر ايضا الخلاف الحاصل بين افرقاء الحكومة اللبنانية حول طريقة التعاطي مع هذه القضية، مشيرا الى ان فكرة اقالة او استقالة الوزير قرداحي كمدخل لمعالجة الازمة مع السعودية ليست موضع قبول من الثنائي الشيعي والمردة، بينما يقف رئيس الجمهورية ومعه التيار الوطني الحر في الوسط، مفضلاً عدم اقحام نفسه اكثر في هذا الموضوع لاعتبارات وحسابات داخلية وخارجية.
وفي هذا السياق يبدو ان الازمة الحكومية مرشحة للاستمرار، خصوصا ان موانع انعقاد مجلس الوزراء قد زادت بعد الازمة مع السعودية، حيث ان الثنائي الشيعي ما زال متمسكا بموقفه الرافض لانعقاد المجلس قبل استبدال قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، مع تأكيده المستجد ايضا رفض طرح استقالة قرداحي في مجلس الوزراء اي رفض اقالته.
اما الرئيس ميقاتي فانه، كما تقول مصادر مطلعة، يرفض بدوره انعقاد مجلس الوزراء دون حل قضية الوزير قرداحي، اكان من خلال تقديم استقالته طوعا او طرحها على مجلس الوزراء في المسار الدستوري لاقالته.
الحكومة باقية
ورغم هذا الانسداد في آفاق الحلول والتأزم الذي تشهدها البلاد، فان استقالة الحكومة او رئيسها غير مطروحة حتى اشعار آخر، كما اعرب مصدر وزاري مطلع لـ«الديار» امس. واشار الى ان الرئيس ميقاتي يحظى بدعم سنّي واضح خصوصا بعد موقفه الاخير، وقد تجلى ذلك في بيان دار الفتوى امس واعلانها دعمه لمواقفه ومسعاه لمعالجة الازمة مع السعودية.
واضاف المصدر ان ميقاتي يحظى ايضا بتأييد الثنائي الشيعي لاستمراره في رئاسة الحكومة رغم التباين الاخير حول موضوع الازمة مع السعودية والموقف بشأن الوزير قرداحي.
كذلك فان الرئيس ميقاتي على علاقة وتواصل ايجابي وجيد مع رئيس الجمهورية، وقد ظهر ذلك في اكثر من مناسبة ومسألة. وهذا يعزز التنسيق والتعاون بينهما في هذه المرحلة وتجاوز صعوباتها قدر الامكان.
وبرأي المصدر ان بعض الاصوات المتطرفة والمتشددة في الشارع السنّي ليس لها اي تأثير فاعل في وضع الرئيس ميقاتي، لا بل ان الاجواء الداخلية والدعم الاميركي والفرنسي له ولحكومته يؤشران الى ان الحكومة مستمرة وباقية رغم تداعيات الازمة الاخيرة مع السعودية.
غير ان استمرار الازمة يبعث على الاعتقاد وفق اكثر من مصدر ان تتحول الحكومة الى ما يشبه حكومة تصريف الاعمال او نسخة محسنّة عن حكومة تصريف الاعمال.
موقف دار الفتوى
وأمس بعد اجتماعه برئاسة المفتي عبد اللطيف دريان، اكد المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى «دعمه ووقوفه الى جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اطلق موقفاً حازماً بوضع خريطة طريق يبنى عليها للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان في علاقاته مع اشقائه العرب، وخاصة السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي».
ودعا الفرقاء كافة على الساحة اللبنانية الى التعاون مع الرئيس ميقاتي «لاحتواء تداعيات هذه العاصفة للخروج من الازمة التي ينبغي ان تحل لبنانيا اولا بعدم اطلاق المواقف غير المسؤولة تجاه السعودية وسائر دول الخليج العربي، والتي لا تشبه اللبنانيين الحريصين على اصالتهم العربية وعلاقاتهم مع اشقائهم العرب».
ورأى «ان التعنت والاستمرار في المكابرة والتشبث باي موقع وزاري لاسباب سياسية وكيدية يتناقض مع المصلحة اللبنانية داخليا وخارجيا، فلتتقدم المصلحة الوطنية على اي اعتبار آخر تجاه السعودية والخليج العرب، ولا يمكن لاي فريق لبناني ان يبني لبنان على مقاس مصالحه الخاصة».
التيار الوطني الحر
وفي بيان له طالب المجلس السياسي للتيار الوطني الحر «بعودة العمل الحكومي بلا شروط وبمعزل عن اي أمر آخر، وعدم تحميل الحكومة ما هو خارج اختصاصها»، معتبرا ان الازمة الاقتصادية والاجتماعية تتطلب استنفارا حكوميا وبرلمانيا من اجل اقرار خطة التعافي المالي، توازنا مع الاصلاحات والاجراءات التي تحدّ من معاناة اللبنانيين».
واعتبر التيار من جهة اخرى ان قانون تعديل قانون الانتخابات الذي نشر في الجريدة الرسمية «عديم الوجود كونه لم يصدر في مجلس النواب بتصويت من الاكثرية الموصوفة والمحددة في المادة 7 5 من الدستور في حالة القوانين المردودة من رئيس الجمهورية».
وفي اشارة الى عزمه الطعن فيالقانون المذكور امل التيار من المجلس الدستوري «ان ينظر في هذا الارتكاب الضارب للدستور والميثاق بمعزل عن مضمون المواد التي سيطعن التيار استطرادا فيها».
ورأى ان القضية لم تحسم بعد، وهو يعوّل على المجلس الدستوري «لاعادة الحق الى اصحابه».
في هذا الوقت اجرى التيار أمس عملية استطلاع داخل صفوفه لاختيار المرشحين والمرشحات المحتملين للانتخابات النيابية، في اشارة يرمي منها الى تأكيده الذهاب الى الانتخابات بغض النظر عن موضوع الطعن في القانون.
وقال النائب الان عون «ان السجال حول قانون الانتخابات لن يؤثر في اجراء الانتخابات»، معتبرا ان عملية الطعن لا تعرض هذه الانتخابات للخطر. واشار الى ان التيار يحضر لطعن في القانون مبني على ما ورد في رد رئيس الجمهورية للقانون المذكور قبل اعادة المجلس النيابي اقراره مرة اخرى، كاشفا ان الطعن سيقدم قبل 20 تشرين الثاني الجاري.
فرنجية
وفي لقاء شعبي اكد النائب طوني فرنجية امس «اننا نمرّ بمرحلة دقيقة وخطرة واستثنائية، ونحن على مفترق طرق، فاما الذهاب الى الحوار والتفاهمات الوطنية، وهذا هو الطريق الافضل، واما الذهاب الى تصعيد امني للوصول الى امر لا نشتهيه، وهذا امر يدمر البلد».
وقال «لا نريد مغامرات، وهناك جزء كبير من اللبنانيين وتحديداً المسيحيين لديه الوعي الكافي ولا يريد الذهاب الى المهوار».
تصعيد اعلامي سعودي
على صعيد آخر، عكست وسائل الاعلام والصحف السعودية ارتفاع وتيرة الموقف السعودي المتشدد رغم المحاولات والتدخلات التي سجلت في الايام الماضية على غير صعيد لتخفيف حدة التوتر والاحتقان مع لبنان.
ورأت صحيفة الرياض «ان الرئيس ميقاتي، كما تتداول وسائل الاعلام، يحاول ان يبقي العلاقة بين لبنان والدول العربية في أحسن احوالها، لكن تبين له قبل غيره ان الامور ليست بيده بل القرار الاساسي في الدولة اللبنانية هو لحزب الله وحلفائه الذين رهنوا لبنان لمحور الممانعة».
اما صحيفة عكاظ فاعتبرت «ان لا بوادر لحل الازمة التي صنعتها حكومة الرئيس ميقاتي مع السعودية ودول الخليج تلوح في الأفق»، مستمرة في شن حملة عنيفة على وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على خلفية التسجيل التي سربته الصحيفة له في دردشة مع اعلاميين.