رنى سعرتي
شكو المرضى من الفوارق المالية الكبيرة بعشرات ملايين الليرات التي تفرضها المستشفيات عليهم قبل اجراء أي استشفاء، خصوصا العمليات، رغم انهم مضمونون إمّا من قبل شركات التأمين او الجهات الرسمية الضامنة. فما هي أسباب ذلك؟
لم تعتَد الاوضاع المعيشية المتردّية في سلّم اولويات المواطن الذي نجحت السلطة الحاكمة في إلهائه لينسى فسادها، رغم ان الازمة المعيشية ازدادت حدّتها بشكل متسارع لتصبح أكثرية المجتمع اللبناني من الطبقة الفقيرة. إلا ان الازمة القضائية المفتعلة واحداث الطيونة والازمة المستجدّة مع دول الخليج باتت اليوم حديث الناس رغم ان رواتبهم لم تعد تسمح لهم بتأمين قوتهم اليومي بغض النظر عن ارتفاع سعر صرف الولار وأسعار المحروقات وفواتير المولدات واسعار الادوية، إن وُجدت، وفواتير المستشفيات واقساط المدارس وغيرها من الاساسيات التي تخطّت القدرة الشرائية للمواطن اللبناني.
لم تعد الاصوات تعلو احتجاجاً على فقدان أدوية الامراض المزمنة والمستعصية وعلى ارتفاع اسعارها، كما لم تعد صرخة المواطن ضد فواتير المستشفيات والفوارق الخيالية التي يدفعونها على الجهات الضامنة وشركات التأمين مسموعة، لأنّّ التطورات والانقسامات السياسية، كالعادة، حلّت مكانها. لكن الواقع المتردّي ما زال على حاله، والدواء الذي كان يشتريه المواطن بقيمة 5000 ليرة أصبح اليوم بـ70 الف ليرة، كما ان المرضى يموتون على ابواب المستشفيات لأنهم عاجزون عن تسديد كلفة الطبابة وشركات التأمين والجهات الضامنة لم تعد تغطي الفروقات في اسعار الصرف.
في هذا الاطار، قصد وزير الصحة فراس ابيض، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، لإبلاغه نيّته في إنشاء لجان تقنية بين الوزارتين لبحث مسألة عدم قيام شركات التأمين بتغطية أكلاف الطبابة والمعدات الطبية، وتحميلها للمريض المضمون والمؤمّن، ما يكبّده لدى دخول المستشفى اعباء مالية كبيرة قد تفوق عشرات الملايين.
واوضح نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ»الجمهورية» ان الفوارق التي يدفعها المرضى في المستشفيات متعلّقة بشقيّن، الاول مرتبط بشركات التأمين التي تسدد فواتير طبابة المؤمّنين ضمن بوالص سارية المفعول، جزءا باللولار، اي من خلال شيكات مصرفية بالدولار، والجزء الآخر بالليرة على سعر صرف الـ1500 ليرة، مع الاشارة الى ان فواتير المستشفيات المقدّمة لشركات التأمين تكون مسعّرة بالدولار.
واشار هارون الى انه نتيجة ذلك، تقوم المستشفيات بتحميل فارق الكلفة للمريض الذي يسدد ما بين 15 الى 20 في المئة من قيمة الفاتورة، بالدولار نقدا او على سعر صرف السوق، «وهي مبالغ كبيرة لا يمكن تحمّلها». وقال ان المستشفيات غير قادرة على تحمّل الخسائر بعد اليوم وهي مضطرة الى تحميل المريض هذه النسبة «لان المعدات وكافة الحاجات التشغيلية لم تعد مدعومة، كالمعدات الطبية والادوية والمازوت وغيرها».
في النتيجة، يضطر معظم المرضى الى إلغاء عملياتهم والاستغناء عن الطبابة وتحمّل المرض والوجع لانهم عاجزون عن تأمين الفوارق التي تطلبها المستشفيات حيث ان لا شركات التأمين ولا الجهات الرسمية الضامنة قادرة على تغطية كلفة فواتير الاستشفاء كاملة على سعر صرف السوق، مما أدى، وفقا لهارون، الى تراجع الدخول الى المستشفيات بنسبة 40 في المئة، «ومن يدخل الى المستشفى يكون على شفير الموت».
ولفت هارون الى انّ العمليات التي تعرّض حياة المريض للخطر هي خط أحمر، ولا تقوم المستشفيات برفض اجرائها بسبب عدم تأمين الفروقات المالية، بل انها تتحمّل الخسائر المالية على عاتقها، إلا ان العمليات غير الخطرة يُصار الى تأجيلها او الغائها من قبل المرضى.
وكشف ان هناك مباحثات حاليا مع شركات التأمين على تسديد جزء من فواتير المستشفيات بالدولار نقدا او على سعر السوق، حيث تتجه الشركات الى تسعير البوالص الجديدة بالدولار الـfresh او على سعر السوق، «ما سيؤدي في المقابل الى تراجع عدد المؤمّنين بسبب عدم قدرتهم على تسديد قيمة بوالص الشركات».
اما بالنسبة للجهات الضامنة الرسمية، فكشف هارون عن التوصل الى اتفاق مع الجيش على تعرفة جديدة، وهناك مفاوضات مع وزير الصحة حاليا بالنسبة للجهات الضامنة الاخرى، «وهناك تقدم ملحوظ. لكن المشكلة الكبيرة تكمن في مؤسسة الضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين العاجزتين عن تأمين التمويل اللازم لرفع التعرفة لان مصدر مداخيلهما من اشتراكات فرع المرض والامومة، ولا قدرة حاليا لرفع تلك الاشتراكات».
ونوّه هارون بالجهود غير المسبوقة التي قوم بها وزير الصحة وللمرة الاولى لدعم القطاع الاستشفائي الخاص، وليس الحكومي، كما جرت العادة مع الوزراء السابقين.