يثقل شهر تشرين الثاني كاهل المواطنين مع ارتفاع فاتورة الاشتراك بالمولدات الخاصة في ظل الانقطاع شبه التام في تيار مؤسسة كهرباء لبنان والذي لا يتجاوز في افضل احواله الخمس ساعات كل 24 ساعة في مدينة صيدا ومنطقتها، لتطبق مع الازمة المعيشية الخانقة على لقمة عيشهم الكريم.
وأجبر ارتفاع كلفة الفاتورة الكثير من ابناء صيدا وخاصة في المدينة القديمة والاحياء الشعبية على قطع الاشتراكات عن منازلهم والعودة الى الانارة القديمة، فحضرت القناديل واللوكس والشمعة في بعض المنازل، ولمبات البطارية ذات الشحن و"يو. بي. أس" في البعض الآخر، والبعض الثالث فضّل الاستعانة بمولدات خاصة ذات مصروف قليل يضيء بها عتمة الليل لساعات معدودة فقط.
في المحال التجارية، إقبال متجدّد على شراء الشموع، على اعتبارها تبقى الارخص لانارة المنازل قياساً على الوسائل الأخرى المكلفة، سواء عند شرائها او استمراريتها شهرياً، رغم مخاطر اندلاع الحرائق بسببها و"لكن ما الذي أجبرك على المرّ... الا الأمر" يقول علي قبلاوي لـ"نداء الوطن"، وهو يشتري علبة شمع، مؤكداً ان "لا خيار امامي سواه بعدما قطعت الاشتراكات وهو الارخص الذي بمتناول يدي، لا استطيع شراء مولد كهربائي ولا "يو. بي. أس" لانهما بالدولار الاميركي، ولا حتى بطارية ذات شحن لانها تحتاج اصلاً الى كهرباء وهي شبه مقطوعة في المدينة".
ومع بدء ازمة الكهرباء والتقنين القاسي بالتيار وارتفاع فاتورة الاشتراكات ارتباطاً بالمحروقات والدولار الاميركي، ارتفع سعر الشمع وباتت العلبة بعشرة آلاف ليرة لبنانية بعدما كانت لا تتجاوز الالفين، وفيها ست شمعات، تضيء الواحدة منها نحو ثماني ساعات وهي كافية لانارة الليل بكامله، ويقول صاحب تعاونية البنيان الحاج خالد العلي لـ"نداء الوطن": "ان الاقبال على شراء الشموع بلغ ذروته منذ أشهر عدة مع تقنين الكهرباء والاشتراكات معاً تزامناً مع ازمة المازوت تحديداً قبل تحرير سعره بالدولار، وتحول الشمع ملاذ الناس لطرد العتمة من منازلهم لانه يبقى الارخص، حالياً هناك اقبال عليه وابيع في اليوم الواحد عدة علب ولكن سبب الاقبال هذه المرة ارتفاع فاتورة الاشتراك بالمولدات الخاصة، اذ لا قدرة للكثير من الناس على تحمل اعبائها في ظل البحث عن لقمة الطعام والشراب".
وفي بعض محال بيع التذكارات، حضرت القناديل التي تضاء على الكاز واللوكس، كان الناس يشترونها لتزيين المنازل كتراث، اليوم عادت لتستخدمها مجدداً، اذ يحتاج الى كاز او سبيرتو وهما متوفران الى الآن، ويقول علي بوجي بتأفف: "كنت ادرك اننا سنصل الى هذا الدرك من المستوى المتفاقم من المعاناة، لذلك اشتريت مادة الكاز وقِنديلين للإنارة، استعين بهما في فترة اطفاء المولدات او الكهرباء خاصة اننا اصبحنا حسب التوقيت الشتوي حيث تغيب الشمس باكراً والليل طويل بعتمته. قمت بالخطوة الاولى وخفضت الاشتراك الى 2 أمبير ونصف وافكر بقطعه في الخطوة الثانية في حال استمر ارتفاع كلفة الفاتورة شهرياً".
ولا يخفي الكثير من ابناء المدينة غضبهم واستياءهم مما آلت اليه الاوضاع المعيشية في ظل الارتفاع الجنوني بأسعار المازوت والبنزين وتالياً فاتورة الاشتراكات، يتهمون بعض اصحاب المولدات بعدم مراعاة ظروفهم المالية والسعي الى الربح الوفير، فيما دخلت بلدية صيدا على خط تنظيم القطاع منذ الشهر الماضي وضبط التسعيرة، وعقدت عدة اجتماعات برعاية رئيسها محمد السعودي ومشاركة نائبي صيدا بهية الحريري واسامة سعد ولجنة مراقبة شفافية وعدالة توزيع المازوت والمراجع القضائية والامنية واصحاب المولدات، وحولت بعض الشكاوى الى المراجع القضائية والامنية حيث وقّع اصحابها تعهدات بالالتزام بالتسعيرة التي تصدرها مقطوعية الـ"ديجنتير"، وطلبت منهم تركيب عدادات على نفقتهم الخاصة لجميع المشتركين، والالتزام بتسعيرة وزارة الاقتصاد في ما يتعلق بتسعيرتها.
وبين الاستياء الشعبي ومحاولة تنظيم وضبط الاسعار على قاعدة التكافل الاجتماعي ومراعاة ظروف الناس، يأسف الصيداويون لعودتهم الى نقطة الصفر ومخاوف العتمة في القرن الحادي والعشرين، "بينما في المقلب الآخر من الكرة الأرضية، هناك من بات يستفيد من الشمس والرياح لتوليد الطاقة، ونحن قُيّض لنا أن نُشعِل فتيلاً يتغذّى بمادة نفطية اكتُشفت قبل 100 عام، هل هذا مصير لبنان؟ إنّه أمر مُعيب ومُخجل".