دوللي بشعلاني - الديار
على خلفية تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي منذ أكثر من شهر وقبل تولّيه منصبه الوزاري، وحتى قبل إبلاغه بأنّه سيكون وزيراً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حول التدخّل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، قرّرت المملكة التصعيد تجاه لبنان، فاتخذت إجراءات صارمة بحقّه.. فاستدعت سفيرها في لبنان للتشاور، كما طلبت من سفير لبنان لدى المملكة المغادرة خلال الـ 48 ساعة المقبلة... وقرّرت بالتالي «وقف الواردات اللبنانية اليها»، مؤكّدة على ما سبق وأن صدر بخصوص منع سفر المواطنين الى لبنان»... فما هو الهدف من افتعال أزمة ديبلوماسية وسياسية مع لبنان عن غير حقّ في ظلّ ما يُعانيه البلد من وضع إقتصادي ومالي سيئ رغم حرص السعودية، على ما أعلنت، على المواطنين اللبنانيين المقيمين على أراضيها، وهل من شأن ذلك أن يُعرّض لبنان الى عزله عن الدول العربية، وخصوصاً أنّ البحرين والامارات والكويت حذت حذو السعودية سريعاً، وانضمتا الى مقاطعة لبنان ديبلوماسياً، من خلال الطلب من ديبلوماسييها اللبنانيَين المغادرة خلال 48 ساعة أيضاً؟!
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت أنّ الدولة اللبنانية تقوم باتصالاتها من أجل إعادة المياه الى مجاريها مع دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية، لأنّه لا يُمكن أن يتمّ عزل لبنان عن محيطه العربي لأي سبب كان كونه عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية، وفاعلا فيها. كما أنّ جامعة الدول تدخّلت فور اندلاع الأزمة فأعلنت في بيان لها أنّها تثق في حكمة وقدرة الرئيسين عون وميقاتي على السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية التي يُمكن أن تضع حدّاً لتدهور تلك العلاقات. كما ناشدت المسؤولين في دول الخليج باتخاذ الإجراءات المناسبة لتفادي المزيد من التأثيرات السلبية في الإقتصاد اللبناني المنهار.
وأشارت الى أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان أعلن بعد إطلاق السعودية مواقفها أنّ تصريحات قرداحي صدرت قبل تولّيه منصبه، وهي لا تعكس وجهة نظر الدولة اللبنانية. كما أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شدّد بدوره على أنّ موقف قرداحي الذي أعلنه قبل تولّيه مهامه الوزارية لا يُمثّل رأي الحكومة.. غير أنّ السعودية لم تظهر أي تجاوب مع هذه المواقف التي صدرت من قبل أعلى المراجع اللبنانية الرسمية.
ولهذا جرى تكليف وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب بالتنسيق والتشاور مع رئيسي الجمهورية والحكومة، إدارة خلية تضم وزراء عدّة في الحكومة، مهمتها الأساسية رأب الصدع لتجاوز الخلاف المؤسف المستجد، انطلاقاً من إيمانهم بأن ما يحدث مشكلة وليست أزمة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ويمكن تخطّيها وحلّها بالحوار الأخوي الصادق ولمصلحة بلدانهم الصديقة. فلطالما شدّد لبنان على أنّه حريص أشدّ الحرص على إبقاء خطوط التواصل والتلاقي مفتوحة مع السعودية، كما مع الأشقّاء الخليجيين الذين غالباً ما يمدّون يدّ الدعم والمساعدة للبنان، لا سيما في أسوأ أزماته، ولهذا يصرّ على استعادة أطيب وأفضل العلاقات المبنية على كلّ ما يجمع فيما بينها ولا يُفرّقها..
من هنا، شدّدت إدارة الخلية في مؤتمر صحافي لها بعد عقد جلستها الأولى في وزارة الخارجية السبت أنّها في حال انعقاد دائم وتشاور مستمرّ حتى معالجة كلّ الأمور التي ترتّبت عن الأزمة الديبلوماسية الراهنة بين لبنان ودول الخليج. فالمعالجة قائمة، على ما أوضحت الأوساط عينها، وسيتمّ التوصّل الى استدراك هذا الأمر وفتح صفحة جديدة مع فتح أبواب الحوار لتوضيح الأمور.. كما جرى تأكيد الخليّة على حرص لبنان الشديد على أفضل العلاقات التي تجمعه مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي لا سيما السعودية التي للبنان روابط قوّية معها لا يُمكن أن تُفكّ مهما كانت الظروف، كما على حرص لبنان على التزامه تجاه الدول العربية والسعودية، على توقيع كلّ الإتفاقات المحضّرة فيما بينه وبينها.
وأكّدت أنّ الخليّة ترغب بمعالجة تداعيات المشكلة القائمة بما يكفل إبقاء لبنان في الحضن العربي الذي يحرص عليه. ولهذا يُمكن القول بأنّ العمل الحكومي مستمر على أكثر من جبهة، في الداخل والخارج، للوساطة مع السعودية ودول الخليج سيما أنّ الرئيس ميقاتي يقوم بزيارة رسمية لبريطانيا، وذلك بهدف إعادة العلاقات الى طبيعتها، إذ لا يُمكن ترك لبنان من دون حكومة، ما يعني بأنّ استقالة الحكومة غير واردة وغير مطلوبة من دول الخارج في الوقت الراهن.
وعن إمكانية اعتذار الوزير قرداحي من السعودية التي عمل في إحدى محطاتها التلفزيونية سنوات عدّة قبل قبوله بمنصب وزير الإعلام أخيراً، فلفتت الأوساط نفسها الى أنّ المشكلة التي حصلت منذ مدّة مع وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة في حكومة حسّان دياب تختلف عن مشكلة قرداحي، كون ما قاله وهبة آنذاك، وإن كان يُعبّر عن رأيه الشخصي ربّما، كان بصفته وزيراً للخارجية. ولهذا اعتبرت السعودية أنّه أساء إليها فيما أعلنه في إحدى المقابلات التلفزيونية، وكان حلّها أنّ قدّم استقالته من الحكومة التي كانت مستقيلة أساساً وتُصرّف الأعمال، وجرى تعيين وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر كوزيرة للخارجية بالوكالة. وقد عمل لبنان آنذاك على امتصاص الأزمة باتخاذ هذا القرار إلّا أنّ العلاقات لم تعد رغم ذلك الى طبيعتها مع السعودية.
أمّا في ما يتعلّق بتصريحات قرداحي فقالها عندما كان مواطناً لبنانياً عادياً وليس وزيراً في الحكومة، على ما أوضحت الأوساط عينها، ولهذا فإنّ الديبلوماسية اللبنانية تقوم بالإتصالات لاتخاذ القرار المناسب بشأن هذه المشكلة، مع الأخذ بالإعتبار أنّه لا يُمكن لأي بلد شقيق أو صديق أن يفتعل أزمة ديبلوماسية جرّاء تصريحات غير صادرة عن وزير أو مسؤول سياسي في الدولة، وإلّا يُصبح بإمكان أي دولة أن تمنع أي مواطن لبناني عن التعبير عن مواقفه. من هنا، فإذا طُلب من الوزير قرداحي اليوم تقديم استقالته كحلّ لإنهاء هذه الأزمة الديبلوماسيةـ وقد أبدى فعلاً استعداده لتقديمها من بعبدا أو من بكركي وعرض هذا الأمر على رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية، كونه محسوبا عليه سياسياً، وقد رفض فرنجية استقالته كونه ظُلم ولا يقبل التعاطي معه بدونيّة، فقد يُصبح بإمكان أي بلد آخر «التجنّي» على أي وزير آخر في الحكومة الحالية، وفقاً لتصريحات أو مواقف اتخذها قبل توزيره.
في المقابل، يقول المراقبون بأنّه كما وصفت السعودية تصريحات قرداحي عن تدخّلها في اليمن بأنّها «إفتراءات»، فإنّ الكثير في الداخل والخارج يُجمعون على أنّ ما قامت به السعودية من استنكار لتصريحات قرداحي عندما كان مواطناً عادياً، يصبّ في محاولة تصفية حسابات سياسية مع سوريا وإيران على حسابه. فما أعلن عنه قبل تولّيه وزارة الإعلام لا يعبّر سوى عن موقفه الشخصي، ولبنان معروف بأنّه بلد الحريات الإعلامية الذي لم تُكفّ فيه الأفواه يوماً، والدليل كلّ الشعارات التي أُطلقت خلال انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وطالت جميع المسؤولين السياسيين.. ولهذا لا يُمكن محاسبته، والبناء على تصريح قديم له بعد أن أصبح وزيراً في الحكومة اللبنانية الحالية، بهدف «تحجيم» المسؤولين اللبنانيين، أو «تعطيل» عمل الحكومة الذي لم يُقلّع حتى الآن بفعل الأحداث التي حصلت منذ تشكيلها، ولا سيما أحداث الطيّونة وما تلاها.