غادة حلاوي
ليست المرة الاولى التي يجد "حزب الله" نفسه رهينة الخلاف المستحكم بين حليفيه، "التيار الوطني الحر" وحركة "امل". بات تلاقيهما مستحيلاً بعد ان اشتدت عداوتهما السياسية وتعمق الشرخ الذي سيستمر حكماً حتى آخر العهد. الموقف الأصعب بعد هو تعاطي "حزب الله" مع الطرفين خلال مرحلة التحالفات الانتخابية فعلى خاطر من سيقف ومن سيرضي وكيف سيوفق بينهما ؟ يلتقي "التيار الوطني" و"حركة أمل" على انهما لا يقفان على خاطر حليفهما المشترك في التخفيف من وطأة الخلاف ويصوبان باتجاهه سهام العتب واللوم.
المراقب من بعيد لا يجد ان "التيار الوطني الحر" في افضل حالاته. قلق وعتب عميق على "حزب الله" الذي لديه بالمقابل عتب على حليفه. ولكن اذا كان الجانبان يتجنبان الخوض في مآخذ كل منهما على الآخر، فان الاحداث الاخيرة وما تمظهر على خلفيتها تبرر شرعية السؤال من يُحرج الآخر؟ هل يحرج "حزب الله" التيار "الوطني الحر" في بعض خطواته ومواقفه السياسية ام ان "التيار" يحرج "حزب الله؟".
من البديهي الا يكون "التيار الوطني الحر" في افضل حالاته. يشعر مناصروه ان احداث الطيونة الاخيرة احرجتهم واضعفت موقفهم وحولت خصمهم الى بطل في ذهن المسيحيين بينما تراجع رئيسهم الى الصفوف الخلفية. صارت المعادلة السيد نصرالله مقابل سمير جعجع على حساب حضور باسيل وسليمان فرنجية. لا يوجد داخل "التيار" من يمكنه تبرير خطوات "حزب الله" الاخيرة، الحملة ضد المحقق العدلي في قضية المرفأ فيما هو ليس متهماً، تعطيل آخر حكومة في عهد الرئيس ميشال عون وتظاهرة نتجت عنها احداث دامية في الطيونة.
لا يتوانى بعض مناصري "التيار" عن وصف هجوم "حزب الله" الاخير على جعجع على انه دعسة ناقصة استفاد منها رئيس "حزب القوات" مدعوماً من البطريرك الماروني، وحولت "التيار الوطني" الى حليف لمن يريد مواجهة المسيحيين في عين الرمانة ويقف مع رئيس مجلس النواب، الذي يتولى مهاجمة رئيس "التيار" بينما يتولى "التيار" الدفاع عن تفاهم مار مخايل واستراتيجية العلاقة مع الشيعة، ويسانده خجلاً في انتخابات الاغتراب، والا لو كان ثمة قناعة فلماذا يقف "حزب الله" مع بري في كل ما يفعله ولماذا يوافق على تقديم موعد الانتخابات، وما المقصود من احراج "التيار" في بيئته وهل يفيد التفاهم مع حليف ضعيف؟
حاول البعض الاستفادة من احداث الطيونة واستثمارها الى ابعد حدود وتصوير المجتمع المسيحي توّاقاً للحماية، بعد ان كان عنوان المعركة الشراكة الكاملة وتحصيل حقوق المسيحيين. في الوسط المسيحي من يعتبر ان "حزب الله" صعّب الخيارات، بين من طرح الوجود المسيحي من ناحية الامن، ومن طرحه من خلال الشراكة، معادلتان لا تحملان المنافسة. ربما هي قراءة سياسية خاطئة لـ"حزب الله" الذي ألحق الضرر بحليفه الذي سيكون محقاً لو اعتبر ان حصول الانتخابات في وقت قريب سيلحق بتمثيله الضرر، لان المسيحي المؤيد له سيلتزم منزله طالما ان اي خيار آخر يتعارض وقناعاته. وهل يمكن منازلة خطاب سياسي يقول للمسيحيين انا احميكم من عدو يريد النيل منكم؟
مسألة اخرى لا تقل احراجاً لـ"التيار" من وجهة نظر مسيحية وتتمثل في شعار "شيعة شيعة" فما الذي يربحه "حزب الله" من عنوان سياسي كهذا؟ وهل يعكس رفعه قراءة سياسية انطلاقاً من نتائج الانتخابات الاخيرة في العراق والحاجة الى استنهاض العصب الشيعي، مقابل تسوية روسية سورية على حساب الايراني؟ كل ما شهدته الساحة المسيحية يصب في مصلحة خصم "التيار الوطني" ولا يقوي موقفه امام جمهوره.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لم يتوانَ عن احراج "حزب الله" بهجومه على بري، حتى ظن البعض ان الغرض من كل ذلك ليس الا محاولة احراج "حزب الله".
صديق للطرفين يقول ان لا نية لاي طرف في احراج الآخر. على باسيل ان يستوعب ان "حزب الله" لا يمكنه فكّ ارتباطه مع حركة "أمل" وأولويته توحيد البيت الداخلي وتحصينه. وهذه حقيقة يدركها باسيل منذ زمن بعيد ورضي بالواقع فما الذي استجد؟ وهل للأمر علاقة بالانتخابات الرئاسية التي اقترب موعدها من دون وعد بالرئاسة؟ فربما يريد باسيل احراجهم. أخطأ باسيل في السجال مع حركة "أمل" واتهامها بالتواصل مع "القوات" فيما شهداؤهم على الارض، بالمقابل أخطأ "حزب الله" استراتيجياً بمعركته الاخيرة التي شنها على خلفية احداث الطيونة فأحرج "التيار" وصعّب عليه شروط المواجهة. مهاجمة "حزب الله" لجعجع تضعف باسيل الذي يخوض معركته البديلة بالهجوم على بري فيحرج "حزب الله". مع فارق ان اخطاء باسيل تحرج "الحزب" ولا تضعفه بينما تضعف فاولات "حزب الله" السياسية باسيل امام جمهور تياره.
بين "التيار" و"حزب الله" لم يعد يكفي التأكيد على عمق التحالف الاستراتيجي وحده بل ثمة حاجة ضرورية الى مراجعته انطلاقاً من ميزان الحاجة المتبادلة. ذلك ان الخطأ الجسيم بدأ حين اعتقد كل طرف انه صار بمقدوره التحليق بعيداً عن شرعية وجود يؤمّنها الآخر.