على وقع تخبط السلطة وتضعضع ركائزها تحت وطأة "هزّات" التفليسة الارتدادية على أرضية حكم البلد وحكامه، تتوالى عمليات النبش في التشققات الرئاسية والسياسية والحكومية الآخذة بالاتساع أكثر فأكثر بين أركان الأكثرية، لتطفو على السطح "دهاليز" نزاعات هدّامة تسلكها منظومة 8 آذار باتجاهات جارفة معاكسة لمصالح لبنان وأبنائه... وآخرها على المستوى الحكومي "الدهليز" الذي أدخل به "حزب الله" مجلس الوزراء في عملية ربط نزاع ومقايضة بين "تطيير" حكومة الإنقاذ أو "تطيير" المحقق العدلي في جريمة المرفأ، قبل أن تكتمل "المتاهة" الحكومية بانزلاقة قاطعة للطريق أمام استعادة العلاقات العربية والخليجية، من خلال "النزعة الحوثية" التي صبغت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعدما تبنى "حزب الله" بالأمس موقف وزير الإعلام جورج قرداحي "الشجاع والشريف"، في مواجهة "العدوان" السعودي والإماراتي على اليمن، معمّقاً الأزمة الحكومية مع الخليج العربي برفضه "رفضاً قاطعاً أي دعوة إلى إقالة قرداحي أو دفعه إلى الاستقالة".
أما على المستوى الدولي، فتواصل إدارة الرئيس جو بايدن السير على خطى سلفه دونالد ترامب في عملية التنقيب والتوغّل في «مغاور» فساد المنظومة اللبنانية الحاكمة، وصولاً إلى النكش أمس في «زبالة» فساد السلطة، لتباغتها بسلة عقوبات جديدة فضّت «العقود الآسنة» وفضحت تقاسم مغانم تلزيمات مطامر النفايات والمكبات، مع إشارات واضحة إلى أنّ من بين هذه التلزيمات ما هو متصل بـ»الانتخابات الرئاسية» التي أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا عام 2016، كما جاء في مضبطة «الفساد» الأميركية بحق جهاد العرب المقرّب من الرئيس سعد الحريري، ومنها ما هو متصل بـ»الشراكة التجارية» مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «المصنّف» وفق قوائم العقوبات، حسبما جاء في «مضبطة» داني خوري.وعلى المستوى السياسي، شملت "مقصلة" العقوبات الأميركية النائب جميل السيد ربطاً بكونه "سعى اعتباراً من العام 2021 إلى الالتفاف على السياسات والشروط المصرفية المحلية وساعده بذلك مسؤول حكومي كبير في تحويل أكثر من 120 مليون دولار إلى استثمارات خارجية، ولأنه عندما احتج المتظاهرون خارج منزله عام 2019 دعا المسؤولين إلى إطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم". وإذ حاذر السيّد التعليق مباشرة على قرار وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات عليه مستمهلاً 24 ساعة للتمعن في الرد ظهر اليوم من مجلس النواب، سارع باسيل إلى "التظلّم" والتبرؤ من الشراكة مع خوري "في السياسة أو في الأعمال"، شاكياً في المقابل من "الظلامة الدولية" باعتباره أصبح معتاداً عليها بعد فرض العقوبات الأميركية عليه. لا سيما وأنّ بيان "أوفاك" ذكّر أمس بهذا الموضوع موضحاً أنّ "رجل الأعمال الثري داني خوري" تم تصنيفه لأنه "حصل بسبب علاقته الوثيقة مع باسيل على عقود عامة كبيرة جنت له ملايين الدولارات، بينما فشل في الوفاء بشروط تلك العقود بشكل مقصود"، مذكّرة بأنه "عام 2016، حصل على عقد بقيمة 142 مليون دولار من مجلس الإنماء والإعمار لتشغيل مطمر برج حمود واتُهم مع شركته بإلقاء النفايات السامة والنفايات في البحر، وتسميم الثروة السمكية وتلويث شواطئ لبنان بينما فشل في معالجة أزمة النفايات".
أما عن "رجل الاعمال الثري جهاد العرب" فكشفت الخزانة الأميركية عن "فضائح" متصلة بلجوء شركته إلى حيلة "إضافة المياه إلى حاويات القمامة لتضخيم وزنها القابل للفوترة"، مفنّدة العقود العامة التي نالها "مقابل رشاوى دفعها لمسؤولين حكوميين" سواءً بإشارتها إلى عقد تأهيل جسر سليم سلام "بقيمة 18 مليون دولار"، أو بفوزه "بعقد بقيمة 288 مليون دولار من مجلس الإنماء والإعمار لانشاء مكب بعد اقفال شوارع بيروت بالنفايات، ولكن اعتباراً من العام 2019 ظل وضع النفايات على حاله".
وتزامناً، أكدت وزارة الخارجية الاميركية أنّ حزمة العقوبات الجديدة على السيد والعرب وخوري تأتي رداً على "أفعال جعلت اللبنانيين يتحملون وطأة أزمة اقتصادية مدمرة سببها الفساد وسوء الإدارة الحكومية"، وتجسيداً للتضامن الأميركي "مع الشعب اللبناني الذي يطالب منذ فترة طويلة بالمساءلة والشفافية ووضع حد للفساد المستشري".
وعلى المستوى التشريعي، طغى الهرج والمرج الانتخابي أمس على وقائع مناقشة رد رئيس الجمهورية لتعديلات قانون الانتخاب، لينتهي المجلس إلى ردّ "الردّ العوني" وتنتهي جلسة الأونيسكو "على زغل وعزل" عبّر عنه باسيل من خلال انسحابه من الجلسة متوعداً بالطعن بالقانون. وفي المقابل، رأت مصادر نيابية أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ساهم في "تعميق" جراح باسيل الانتخابية عبر حشره نواب "التيار الوطني الحر" بسؤال: "بدكن انتخابات أو لا؟ قولوا بصراحة"، في إشارة إلى كون كل الاعتراضات اللوجستية والجوية والقانونية والدستورية التي يثيرها باسيل تتقاطع عند هدف مركزي وحيد وهو "تطيير الانتخابات"... وهذا ما لفتت إليه قناة "أني بي أن" صراحةً بالتشديد في مقدمة نشرتها المسائية على أنّ "التيار الوطني" يلف ويدور لتحقيق هذا الهدف "هرباً من مأزق حزبي وشعبي وسياسي".
وبعد إعادة المجلس إقرار تعديلات القانون كما هي سواءً بالنسبة لموعد الاستحقاق أو لاقتراع المغتربين، بادر كل من بري وميقاتي إلى توقيع القانون، على أن تنحصر الخيارات أمام عون بين خيار ردّه مره ثانية أو نشره ضمن مهلة "العجلة" المنصوص عليها، أو الامتناع عن التوقيع فيصبح القانون نافذاً حكماً مع انقضاء المهلة القانونية، مفسحاً المجال أمام تكتل "لبنان القوي" لتصدّر ساحة المعركة الانتخابية عبر الطعن بدستورية تعديلات القانون.