رولان خاطر
منذ 14 تشرين الأول، خطفت معراب المشهدية، وباتت البوصلة والهدف في آن. وعلى رغم الانتصار التكتيكي الذي تحقق أمس، إلّا أنّ الثابت أنّ صولات وجولات من المواجهات السياسية تنتظر «القوات» ورئيسها، وهي مستعدة لها بحسب قولها.
مسيرة القواتيين لم تكن يوماً سهلة. ليست المرّة الأولى التي يتعرضون فيها للاضطهاد، ولن تكون الأخيرة. وفي كل مرة، كما يوم أمس، كانوا يمشون دروب جلجلة لبنان حاملين صليبهم وسيفهم وغصن زيتونهم.
بكل تصميم وإرادة وإيمان سلكوا الطرقات التي توصل إلى معراب، وبعبارات التضامن مع قائد «القوات»، مكثوا ساعات، رافضين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والاستنسابية في العدالة والانتقائية في التحقيق.
من جونيه مروراً ببكركي وصولاً الى المقرّ العام، عجّت الطرقات بحشد شعبي واسع ومسيرات سيّارة من مناطق عدة، لـ«تشكيل حاجز بشري» يمنع جعجع من الخروج من معراب، في يوم استدعائه للحضور الى مركز مديرية المخابرات في وزارة الدفاع في اليرزة للإستماع إليه في أحداث الطيونة.
«الجمهورية»، التي حضرت في معراب أمس، كان لها حديث مع العديد من المواطنين، ومن مختلف الطوائف، الذين شاركوا في التحرك.
لولا جعجع، التي التفّت بعلم «القوات»، وآتية من بشري، اكّدت لـ«الجمهورية» رفضها القضاء المسيّس. وقالت: «رسالتنا لـ»حزب الله» أننا نرفض وصايتك ولا نريد حمايتك، كثر قبلك عجزوا عن السيطرة على لبنان وتركيعه وقمع حرياته، والأكيد أنك لن تستطيع وسنواجهك».
باتريسيا طربيه، أتت من العاقورة: «صحيح انّ وقفتنا تضامنية مع «الحكيم». لكن هي وقفة مع لبنان الحرّ، ومع كل لبناني يرفض الهيمنة الإيرانية»، شاجبة مبدأ تركيب الملفات الذي ولّى الى غير رجعة».
الممثل أسعد رشدان، قال لـ«الجمهورية»: «أنا هنا، كنت هنا، وسأبقى هنا. ورأى أننا ما زلنا امام المنظومة ذاتها التي كانت منذ الوجود السوري في لبنان. لكن يبقى الظلم الأشد من ذوي القربى، اي التيار الوطني الحر».
وعن القدرة على مواجهة قوة «حزب الله»، يقول رشدان: «لا أحد قوي في لبنان. واثبتت التجربة أنّ فريقاً لا يستطيع أن يفرض الغلبة على فريق آخر. نحن اقوياء بتضامننا ومحبتنا وليس بـ«البارودي». والـ100 الف مقاتل الذي تحدث عنهم نصرالله، ولو أصبحوا مليوناً هم بحاجة لعشرة منا فقط، يملكون الإيمان وإرادة البقاء ودفع الظلم عن انفسنا».
وفي حين، أكّد «قواتيون»، «أنّنا جميعاً كنا في عين الرمانة، فليستدعونا جميعاً»، اكّد العديد من طوائف إسلامية مختلفة أتوا من طرابلس والضنية وعكار، انّهم أتوا الى معراب «ليس دعماً لجعجع فقط، والذي هو الحصن الأخير في وجه «حزب الله»، بل دعماً للحق والعدالة والحرية والدولة، ورفضاً للاستدعاء السياسي وتركيب الملفات، كذلك رفضاً للتصويب على المُعتدى عليهم وهم أهالي منطقة عين الرمانة، بدلاً من الاقتصاص من المُسلّحين الذين اقتحموا المنطقة مدجّجين بالسلاح وعمدوا الى التكسير والتخريب والاعتداء».
وقالوا: «نحن هنا من أجل معادلة السيادة والحرية والاستقلال التي نحلم بها وكما نراها كلبنانيين. ونقول اليوم مع كل أحرار هذا البلد: «كفانا ظلماً وارهاباً وتسييس ملفات».
هذا، ورفع القواتيون شعارات مؤيّدة لجعجع ومنها «معك من اجل لبنان حرّ سيّد ومستقلّ» و«استدعونا كلّنا».
ماذا بعد حراك معراب؟
في موازاة تحرك أمس، كان قرار لافت، إذ خابرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي لاستيضاحه حول الخطوة المقبلة بعد تخلُّف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن الحضور أمامها، فطلب منها ختم التحقيق ولم يطلب اتخاذ أي خطوة أخرى، وأصبح الملف لدى النيابة العامة العسكرية من دون إصدار مذكرة إحضار أو بلاغ بحث وتحرٍ.
مصادر «القوات اللبنانية»، قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ العودة عن الخطأ فضيلة، وختم التحقيق أمر بديهي، وهو ما كان يجب ان يحصل منذ البداية، لأنّ التحقيق ينفي كل التقارير المفبركة عن وجود قناصة او كمين، بل انّ اشتباكاً حصل نتيجة الدعوة وعدم تنظيم التظاهرة والدخول عنوة وغزو عين الرمانة والبدء بإطلاق النار، وهذا يعني أنّ هناك طرفاً اعتدى، وانّ هناك متظاهرين كانوا مدججين بالسلاح، والفيديوهات اظهرتهم بشكل واضح»، مشدّدة على أنّ تسييس القضاء مرفوض وكذلك الاستنسابية، والعودة إلى زمن صيف وشتاء تحت سقف واحد أيضاً غير مقبولة، كما العودة إلى تركيب الملفات مرفوض ومستهجن من قِبل الرأي العام اللبناني الذي انتفض أمس رفضاً لمحاولات التزييف والتركيب والفبركة».
و»أمس، تقول «القوات»، عبّر الرأي العام بصريح العبارة عن تأييده لرئيس القوات والعدالة في ملف مرفأ بيروت، ولسيادة منطق الدولة، ورفضهم ان يكون هناك 100 ألف مسلّح خارج إطار الشرعية، ومواصلة خطف الدولة».
وأكّدت انّ «الدكتور جعجع يشكّل رأس حربة الدفاع عن مشروع الدولة واتفاق الطائف والدستور والقانون والمؤسسات والجيش اللبناني».
وفي موازاة الاستنفار الشعبي، تشرح «القوات»، «سُجّل استنفار سياسي أعاد توحيد القوى السيادية، لناحية الموقف السياسي، إذ شعرت مختلف الشخصيات والقوى السيادية بوجود خطر يتهدّدها ويتهدّد لبنان السيادة والدستور والقانون والعدالة، وعبّرت عن مواقفها الرافضة لممارسات المنظومة الحاكمة. كما سُجّل استنفار روحي، عبّر عنه أيضاً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والمطران الياس عودة في عظاتهما، هذا إضافة إلى الاستنفار القانوني الذي تمثل بمذكرات وكلاء الدفاع عن الدكتور جعجع والدعاوى التي تقدّم بها اهالي عين الرمانة لجهة تنحّي القاضي عقيقي».
وتؤكّد «القوات» أنّه «بالنسبة لها لا توجد مقايضة بين ملف المرفأ وملف الطيونة، وهي ضدّ أي تسوية على أرواح الناس والشهداء والضحايا، وهي ضد اي صفقة أو تسوية وأي مساومة. وهي واضحة لجهة رفضها عمّا يُحكى من إحالة المدّعى عليهم امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهي متمسّكة بما يقوم به القاضي طارق البيطار وبتحقيقاته وإصداره قراره الظني للوصول إلى معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة في تفجير مرفأ بيروت، وترفض أي مساومة أو مقايضة في هذا الموضوع».
كما تؤكّد «القوات» أنّها «تتمسك بمسار العدالة بملف غزوة عين الرمانة، لجهة انّ الطرف المعتدي يجب ان يتحمّل المسؤولية، خصوصاً أنّه استخدم «حزب الله» سلاحه في الداخل من أجل إسقاط العدالة وإسقاط محكمة المرفأ من بوابة عين الرمانة، لذا هذا الطرف يجب أن يُحاسب وأن يُساءل ولا يجوز أن تمرّ هذه المسألة مرور الكرام».
وشكرت «القوات» البطريرك الراعي على مواقفه الرافضة ان يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد ومطالبته بالعدالة، و»لكن للبطريرك مواقفه المتعلقة بانتظام عمل المؤسسات انطلاقاً من حرصه على الناس وعلى الوضع المالي، ونحن نتفهم هذا الجانب من موقف البطريرك. لكن موقف «القوات» واضح تمام الوضوح لناحية انّها ضد أي مقايضة لا من قريب ولا من بعيد، وضد أي مساومة، وهي مع الوصول إلى الحقيقة في ملفي تفجير المرفأ وأحداث الطيونة».