زيزي اسطفان
مع بدء موسم الانتخابات يتحول الإعلان الانتخابي حاجة ضرورية لتسويق المرشح وتلميع صورته، فتخبو كل الإعلانات التجارية تاركة الساحة مشرعة أمام المرشحين يسرحون فيها وينفقون الأموال للوصول الى أكبر عدد من الناخبين و"بيعهم" أحلام التغيير. من اللوحات الإعلانية الخارجية وصولاً الى إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية ومروراً بالطبع بالإطلالات التلفزيونية والإذاعية والمقابلات الصحافية يصبح المرشحون في كل مكان فيصيبون حيناً ويخيبون أحياناً. فكيف يختار هؤلاء الإطلالة الإعلامية والإعلانية الأفضل ليصيبوا الهدف؟
يعتبر الإنفاق على المواد التسويقية والإعلانية أحد أهم بنود الإنفاق الانتخابي الذي يسمح به القانون وتطلب هيئة الإشراف على الانتخابات من كلّ وسيلة إعلاميّة مرئيّة ومسموعة، أن تقوم بتحديد سعر للإعلان الانتخابي، على ألّا تجاوز قيمته الـ 20 % من قيمة الإعلان التجاري خارج الموسم ووقت الذروة وذلك بعد أن يتمّ احتساب متوسّط كلفة هذا الإعلان في كل وسيلة اعلامية خلال 6 اشهر قبل الانتخابات النيابية.
أهلا بهالطلّة
وفقاً للقانون يتوجب على كل المحطات التلفزيونية كما الإذاعات والوسائل الإعلامية على اختلافها أن تتقدم من هيئة الإشراف على الانتخابات بلائحة أسعار لكل إطلالة للمرشّح وفق ما يقول الاستاذ غياث يزبك مدير البرامج السياسية في محطة MTV وذلك ليتسنى للهيئة دراسة تكلفة ظهوره الإعلامي وكيف توزع الإنفاق على وسائل الإعلام ليصار بعدها الى احتساب هذه المبالغ والتدقيق مالياً بشأنها وحسمها من الانفاق الانتخابي المسموح له. ويمكن للمرشّح تبعاً لميزانيته اختيار مؤسسة إعلامية واحدة ليطل عبرها أو أكثر من واحدة وهنا الخيار متروك له ومحدد بميزانيته. لكن من جهة وسائل الإعلام يفترض بها اعتماد الإنصاف ومراعاة تكافؤ الفرص بين المرشّحين وإن كان القانون لا يفرض عليها تسعيرة واحدة لكل المرشّحين. والتفاوت في الأسعار بين مرشّح و آخر يعود لسياسة المحطة،" فنحن في MTV نراعي بعض المرشّحين وقد نطلب منهم تسعيرة أقل، لا محاباة او دعماً بل لرفع الظلم عنهم نظراً لإمكانياتهم المادية المحدودة والتي لا تقارن بغيرهم من المرشّحين اصحاب الرساميل القوية او الذين يتلقون دعماً مطلقاً من رؤساء لوائحهم ".
يؤكد السيد يزبك أنه لا يمكن تحديد سعر موحّد لكل الوسائل الإعلامية لأن السعر مرتبط بالوسيلة الإعلامية وموقعها الإعلامي ونسبة مشاهديها وانتشارها في لبنان والعالم. من هنا فإن من يهتم بالحملة الإعلانية لكل مرشّح يجري الدراسات اللازمة لمعرفة مدى مناسبة الكلفة مع المردود الانتخابي حيث يقيّم كم عدد المشاهدين الذين يمكن أن يصل إليهم عبر هذه الإطلالة في لبنان وخارجه. واليوم مع إقرار قانون انتخاب المغتربين باتت المحطات التي لها انتشار كبير في العالم مثل MTV مرغوبة جداً ويسعى المرشّحون لطرق أبوابها ليصل صوتهم الى الانتشار اللبناني.
حتى الآن لم تحدد بعد أسعار الإطلالات التلفزيونية فالمعايير كلها اختلفت عن الانتخابات الماضية ولا يمكن التكهن إن كان سيتم رفعها او خفضها بناء على ارتفاع سعر الدولار وقدرة المرشّحين وتحديد سقف جديد للانفاق الانتخابي لكن ما هو مؤكد أنها ستكون بالليرة اللبنانية وذلك لأن القانون قد حدد سقف الإنفاق بالليرة اللبنانية.
نسأل السيد يزبك ووفق خبرته الطويلة في نشرات الأخبار والبرامج السياسية عن الإطلالات التي يفضلها المرشّحون وعن أكثرها تأثيراً؟ لا شك أن الإطلالة في النشرة الإخبارية هي التي تحمل وقعاً أكبر ولو كانت لوقت محدد يليها البرنامج السياسي الأول في المحطة وبعدها البرامج الأخرى. لكن هنا أيضاً يجب التنبه الى أن لكل برنامج متابعيه وتختلف فئات المتابعين بين برنامج وآخر ويقوم المرشّح او فريق عمله بالبحث عن الفئة المستهدفة في الإطلالة لاختيار البرنامج التلفزيوني الملائم. فهل يودّ التوجه للنخب الفكرية التي تشاهد ربما برنامجاً حوارياً معروفاً ام أنه يود التوجه الى ربات البيوت او العمال ربما او سواهم من الفئات التي تفضل البرامج الصباحية؟ إذاً ليست أهمية البرنامج هي ما تحدد تفضيل المرشّح له بل من هو الجمهور الذي يتوجه إليه عبر البرنامج ليعمل على مواكبة التعرجات التي تتلاءم وشكل جمهوره.
ولكن ما هو واضح للجميع أن المرشّحين " بيقتلوا حالهم" للظهور على محطة تلفزيونية معروفة وبعضهم قد يقايض كلفة حملته الإنتخابية برمتها بظهور في برنامج ترفيهي مثلاً يحظى بنسبة عالية من المشاهدة كما حصل مع النائب السابق مصباح الأحدب الذي وافق على الظهور ببرنامج Celebrity duet، قبيل الإنتخابات النيابية الأخيرة، مقابل إطلالات سياسية متعددة. وكذلك باتت معروفة أسماء المرشّحين المتمولين الذين أنفقوا مبالغ خيالية على إطلالة تلفزيونية في برنامج حواري أعدّ خصيصاً لهم.
التسويق الرقمي يدخل الحملات
ننتقل الى صاحب شركة تعنى بالتسويق الرقمي او ما يعرف بديجتال ماركيتنغ لندخل معه ساحة انتخابية جديدة تكاد تأخذ مكان الساحات كلها. كل مرشّح لا شكّ يملك صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي لكنّ نادرين منهم من يتولوا إدارتها بأنفسهم ويوكلون ذلك إما إلى مناصر خبير بها و إما الى شركة متخصصة بالتسويق الرقمي. واستخدام هذه الصفحات للإغراض الانتخابية ليس مجانياً كما بالنسبة للعامة بل يتطلب صرف مبالغ لا بأس بها قد تبدأ بـ 10000دولار لتصل الى حدود 100000 دولار لتغطية كل متطلبات الحملة كما يقول صاحب الشركة. وتتضمن التغطية الكاملة للحملة البراندينغ اي وضع الشعارات التي يبني عليها المرشح او الحزب حملته وابتكار الديزاين المرافق لها، تغطية مصورة بالفيديو لكل نشاطات المرشّح مع إجراء عملية المونتاج الضرورية لها وبثها مباشرة على الصفحة او على خاصية الستوري مع تحديد كمية البوستات اليومية وقد يضاف إليها مطبوعات وكتابة أخبار المرشّح وتوزيعها على وسائل الإعلام... أي باختصار خلق هوية خاصة بالمرشّح وتلميع صورته وإظهارها بأفضل صورة ممكنة ولو كانت مغلوطة وكلما كانت الحاجة الى تلميع الصورة أكبر كانت الكلفة أعلى.
وهنا يطرح التساؤل هل تدخل كلفة هذا التسويق ضمن سقف الإنفاق الانتخابي إذا كان أحد المقربين او المحازبين يتولاه أم وحدها الأموال المدفوعة للشركات تحتسب من ضمنه؟ وألا تشكل الضبابية في هذا الموضوع منفذاً كبيراً للتحايل على القانون وتفضيل مرشّح على آخر؟ وماذا عن المنصات الرقمية التي تمتلكها بعض الشخصيات السياسية او الحزبية او المدنية هل يعتبر الظهور من خلالها إنفاقاً انتخابياً ولا سيما إذا كانت غير مرخصة او مسجلة رسمياً؟ او ماذا عن إعادة بث حلقات تلفزيونية او إذاعية عبر صفحات المرشحين لتصل الى عدد أكبر من الناس هل تحتسب ضمن سقف الإنفاق؟
قانونياً يمكن للمرشح اعتماد الإعلان الإلكتروني أي عبر صفحات مواقع التواصل وهو إعلان مدفوع ومسجّل ويخبرنا صاحب شركة التسويق الإلكتروني ان الـ boosting اي الصفحات التي تظهر على شاشاتنا تحت مسمى sponsored يتم دفعها لشركات فيسبوك او إنستاغرام او تويتر وغيرها بالدولار الأميركي وقد ارتفعت الأسعار كثيراً مؤخراً حيث أن مئة دولار سابقاً كانت تعطي النتيجة المطلوبة في إيصال الإعلان الى العدد المطلوب من المستهدفين و طوال مدة معينة أما اليوم فالكلفة باتت حوالى 5000 دولار للنتيجة نفسها وعلى المرشح دفعها بالفريش دولار لأن شركات التواصل الأجنبية لا تتعامل إلا بالدولار. وبناء على ميزانية المرشّح او الحزب يتم تفعيل هذه الإعلانات واختيار المستهدفين منها من حيث الموقع والعمر والجنس والاهتمامات غيرها هي تُفرض عليهم دون أن يختاروا رؤيتها. وكلما كان المرشّح ميسوراً وقادراً وصلت صورته الى عدد أكبر من الناخبين.
إنفاق مشروع
بهدف عدم الوقوع في الالتباس بين ما هو انفاق انتخابي وما هو انفاق غير انتخابي أوردت جمعية LADE مجموعة من التحديدات التي تساعد على التمييز بين المفهومين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعتبر إنفاقاً انتخابياً الاتصالات التي تستلزمها إدارة العملية الانتخابية منذ اللحظة التي يعلن فيها الفرد ترشيحه ولغاية اللحظة التي تنتهي فيها عملية الفرز، الاعلانات في وسائل الاعلام والمواد الدعائيّة والتسويقيّة مثل طبع وتوزيع المنشورات، والملصقات الاعلانية، والصور التي تُعلّق على الجدران وعلى اللوحات الاعلانية التجارية في الشوارع والطرقات والألبسة وغير ذلك من المواد الدعائية الأخرى، بدل النقل والمواصلات بكافة انواعها التي تستلزمها العملية الانتخابية منذ دعوة الهيئات الناخبة حتى انتهاء عملية الفرز. كذلك التكاليف الإداريّة كمصاريف وبدل إيجار المكتب الإنتخابي، النثريات المرتبطة بالعمل اليومي في المكتب، بدل رواتب الموظفين لادارة العمل اليومي في المكتب، تكاليف البريد الداخلي منه والخارجي... ويضاف إليها النفقات المرتبطة بتنظيم الاجتماعات العامّة، البدل الناتج عن ايجار القاعات او الأماكن التي تجرى فيها مثل هذه النشاطات... بدل أتعاب المندوبين الماليين ومساعديهم، وباقي مندوبي المرشحين وأيضاً أتعاب الحراس الشخصيين للمرشحين والمستشارين الانتخابيين، سواء قبضوا هذا البدل أم قدّموا خدماتهم بشكل مجاني او جزئي وأخيراً النفقات المرتبطة بتوظيف أعضاء الحملة الإنتخابية، كالمتخصصين في المكننة وفي ادراة الحملة الاعلانية للمرشح.