ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، على 68 شخصاً، بجرم المشاركة في الأحداث التي أدت إلى مجزرة الطيونة. التحقيقات التي أجرتها مديرية مخابرات الجيش، بإشراف عقيقي، نسبت إلى مسؤول أمن سمير جعجع إدارة عملية انتشار لمسلحين قواتيين، بعضهم استُقدِم من معراب، في الليلة السابقة للمجزرة، وإدارة تحركاتهم يوم 14 تشرين الأول
في نظر استخبارات الجيش والنيابة العامة العسكرية، باتت صورة الأحداث التي أدّت إلى مجزرة الطيونة، شبه مكتملة. ما جرى يوم 14 تشرين الأول 2021 لم يكن وليد «احتكاك» معزول وقع في «زاروب الفرير» المتفرّع من جادّة سامي الصلح، بل هو ناتج من تحضيرات أمنية وعسكرية بدأت منذ الليلة السابقة للمجزرة. فبحسب التحقيقات التي أجرتها مديرية مخابرات الجيش، كان مسؤول أمن رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، حاضراً «على الأرض»، منذ الليلة السابقة، ليشرف على مسلّحين جرى استقدام بعضهم من معراب!
وبحسب اعترافات موقوفين، مدعّمة بـ«أدلة تقنية»، ثبت لدى المحققين أنّ مسؤول الأمن في معراب، سيمون مسلّم، استطلع المنطقة في عين الرمانة والطيونة في الليلة التي سبقت نهار التظاهرة، وبقي في المنطقة يوم الخميس، وغادرها بعد وقوع المجزرة. كذلك اعترف عدد من الموقوفين بأنهم استُقدِموا من معراب تحديداً، في الليلة السابقة، مشيرين إلى أنّ عشرات عناصر القوات انتشروا في عدد من الشوارع الداخلية للمنطقة حاملين أسلحة رشاشة مخبّأة داخل حقائب سوداء، وأن مسلّم كان يُشرف عليهم. كما ثبت لدى المحققين أنّ القوات استقدمت شباناً بعتادهم العسكري ليبيتوا في مواقع محددة في الأشرفية وعين الرمانة.
وهذه المعلومات التي أدلى بها موقوفون يراها المشرفون على التحقيق «ثابتة»، بالاستناد إلى داتا الاتصالات وكاميرات المراقبة. وبناءً على التحقيقات التي أجرتها حصراً مديرية استخبارات الجيش اللبناني، ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، على ٦٨ شخصاً (بينهم ١٨ موقوفاً). وينقسم المدعى عليهم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول ضمّ ٤٧ شخصاً كانوا في جهة عين الرمانة، ادعى عليهم بجرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة النعرات الطائفية وتشكيل عصابة مسلحة، وعلى رأس هؤلاء المدّعى عليهم مسؤول امن جعجع، سيمون مسلّم.
القسم الثاني يضمّ 20 شخصاً شاركوا في الأحداث، قدموا من منطقة الشياح، بينهم ٣ موقوفين. وادعى عليهم عقيقي بجرائم القتل ومحاولة القتل وحيازة أسلحة من دون ترخيص، لكنه لم يدّع على هذه المجموعة بجرم تشكيل عصابة مسلحة بمثل ادعائه على الطرف الآخر، على اعتبار أنّ المشاركين في إطلاق النار الذين قدموا من الضاحية الجنوبية، جاؤوا بقرار فردي، بحسب التحقيقات، كردة فعل على إطلاق النار الذي أوقع شهداء وجرحى غالبيتهم كانوا في جادة سامي الصلح (بين عين الرمانة وبدارو).
أما القسم الثالث من المدعى عليهم، فيضم عسكرياً في الجيش بجرم القتل، وهو العسكري الذي ظهر في أحد التسجيلات المصورة يُطلق النار مباشرة على متظاهرين عُزّل.
وأحال القاضي عقيقي الملف والموقوفين على قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان. وعلمت «الأخبار» أن عقيقي ضمّن الملف «لفتَ نظر» للقاضي صوان بشأن وجود تحقيق جارٍ بموجب محضر على حدة، لتحديد أشخاص يُشتبه في مشاركتهم في الجريمة، بينهم «قياديون ومحازبون للقوات اللبنانية».
هذه المعطيات دفعت بالنيابة العامة العسكرية إلى استدعاء سمير جعجع للاستماع إلى إفادته. المسألة التي يريد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية حسمها متصلة بدوافع الاستنفار العسكري القواتي السابق لوقوع الجريمة. ويوم أمس، أُبلغ جعجع، لصقاً، استدعاؤه إلى فرع التحقيق في مخابرات الجيش في وزارة الدفاع في اليرزة، للاستماع إلى إفادته حول قضية أحداث الطيونة، وذلك بصفة مستمع إليه، للاستيضاح منه بشأن إفادات بعض الموقوفين. والجدير ذكره أنّ إبلاغ جعجع تمّ لصقاً بعدما تعذّر على استخبارات الجيش إبلاغه مباشرة. وتجدر الإشارة إلى أن الإجراء القانوني يفرض إبلاغه حسب الأصول وفي حال تمنّعه عن الحضور، يعود للقاضي قرار إصدار مذكرة جلب بحقّه.
ادعاء القاضي عقيقي، وقرار إبلاغ جعجع لصقاً، يعنيان أن الضغوط التي تعرّض لها الجيش، والغطاء الذي حاول البطريرك الماروني بشارة الراعي حماية رئيس القوات به، لم تؤدِّ إلى أي نتيجة. كذلك فإن إحالة الملف على قاضي التحقيق العسكري، فادي صوان، لن تسمح لجعجع بالتشكيك بالتحقيقات التي ستُجرى لاحقاً، وخاصة أن صوان هو نفسه المحقق العدلي السابق في جريمة انفجار المرفأ، والذي تعرّض للتشكيك به من قبل خصوم القوات اللبنانية، وصولاً إلى حد نقل ملف تحقيق المرفأ من يده «للارتياب المشروع»، فيما كان رئيس القوات وحلفاؤه في صفوف المدافعين عنه.
على خلفية استدعاء رئيس القوات للحضور كمستمَع إليه إلى فرع التحقيق في مديريّة المخابرات، رأت النائبة ستريدا جعحع أنّ هناك «صيفاً وشتاءً في هذا الملف، ومن غير المنطقي استدعاء المعتدى عليه في حين أن المعتدي بمنأى عن مجرّد الاستماع إليه». وقالت جعجع في بيان: «بالرغم من التشابه الكبير في الشكل ما بين اليوم وعام 1994، إلا أن الفارق في المضمون كبير جداً، لناحية أن القاصي والداني والأكثريّة الساحقة من الشعب اللبنانيّ اليوم على بيّنة من الذي يحاك لنا وترفضه رفضاً قاطعاً».