انطوان فرح
حتى الساعة، لم تظهر أية عناوين عريضة للخطة الاقتصادية التي تُعدّها الحكومة عبر لجنة وزارية متخصصة مُكلفة هذه المهمة. لكن ما قاله المسؤول في صندوق النقد يمكن أن يعطي مؤشرات يُبنى عليها للقول انّ العقلية السائدة مختلفة عن العقلية التي أنتجَت ما سُمّي «خطة التعافي» في حكومة حسان دياب.
أمضى المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي والممثل لمجموعة الدول العربية بما فيها لبنان لدى المجلس التنفيذي للصندوق، محمود محيي الدين، بضعة ايام في لبنان، في جولةٍ ارتدَت الطابع الاستطلاعي اولاً، والنُصحي ثانياً. وحرصَ محيي الدين على مقابلة المسؤولين السياسيين، الى جانب الفعاليات المالية المعنية، وعلى رأسها مصرف لبنان. وكان لافتاً ان يختار نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي ووزير المالية يوسف الخليل ووزير الاقتصاد امين سلام ومحمود محيي الدين عقد اجتماع في مكتب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لمناقشة هيكلية الخطة الاقتصادية، في التوقيت نفسه الذي بدأ فيه التحقيق الجنائي في حركة الاموال في المركزي. اذ ان اختيار المكان له دلالته، وفيه نوع من التصحيح للمسار الخاطئ الذي سلكته الحكومة السابقة حيال دور مصرف لبنان في الخطة. هذا السلوك المُغاير، يُفترض ان يشكل مناخاً ايجابياً لا يشبه مناخ التحدّي والاسقاط الذي ساد بين حكومة دياب وحاكمية مصرف لبنان. وهذا الامر اشار اليه محيي الدين الذي تحدث عن اجواء تعاون وتنسيق بين الاطراف المعنية بالخطة، لا سيما بين الحكومة ومصرف لبنان والقطاع المالي. وحتى المصارف، ورغم انها لم يتم اطلاعها حتى الساعة على عناوين الخطة التي يتم العمل عليها، الّا انها غير قلقة، لأنها واكبت العقلية التي تتصرف وفقها اللجنة، وبالتالي، اعتبرت انّ الامور تمضي في المسار الصحيح.
ما هو لافِت في كلام محيي الدين، انّ العناوين الاربعة التي حدّدها لإنجاز برنامج يوافق عليه صندوق النقد، ركزت على أمرين:
اولاً - إعطاء الأولوية اللازمة للإنفاق الاجتماعي. البرنامج المقترَح معني بالتعامل مع الضغوط الاجتماعية التي يعانيها الناس، وهناك توصية واضحة بأن يكون لها مكوّن كبير في الإنفاق العام.
ثانياً - في موضوع الاصلاحات المطلوبة، تمّت تسمية قطاع الكهرباء من دون سواه، في اشارة واضحة الى اهمية وخطورة ومسؤولية هذا القطاع عن الأزمة التي وصل اليها البلد.
في الموازاة، ترك محيي الدين كل المجالات مفتوحة في شأن مستقبل القطاع المصرفي عبر «اتخاذ التدابير المختلفة لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي وأعمال البنوك».
هذه العناوين متوافَق عليها من حيث المبدأ، وهي تعكس في جانب منها الفلسفة التي بات يعتمدها صندوق النقد منذ سنوات، وتختلف عن الفلسفة السابقة التي كانت تقوم على مبدأ ضمان استعادة الاموال التي يضخها الصندوق في اي اقتصاد، من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات «النجاح» على يوميات مواطني الدولة التي تحتاج الى انقاذ. الفلسفة المعتمدة اليوم تقوم على مبدأ الاهتمام بانعكاسات اي خطة على حياة الناس، وهذا ما يفسّر التركيز على الانفاق الاجتماعي، رغم انّ هذا الانفاق قد لا يكون الطريق الامثل لإنجاح الخطط الاقتصادية.
إنطلاقاً من هذه الفلسفة، يمكن الانتقال الى كلام امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله الاخير في شأن تفاوض الدولة اللبنانية مع صندوق النقد. إذ إنه أعاد التأكيد انّ الحزب موافق على مبدأ التفاوض، آملاً «في وجود وفد لبناني واحد، وأن يفاوض من موقع المسؤولية لا الوقوع تحت إملاءات الصندوق بما لا يتناسب مع وضع الناس المعيشي». هذا المطلب المتعلق بمراعاة اوضاع الناس المعيشية لا يختلف في الشكل عن كلام محيي الدين عن الانفاق الاجتماعي. وبالتالي، واذا كانت المواقف المعلنة تعكس النيات، فهذا يعني ان الامور مسهّلة، والطريق سالكة لعقد اتفاق.
لكن ما أشار اليه محيي الدين في نقاط اخرى هو بيت القصيد، وفيه تكمن المشكلة التي لا تزال غامضة. إذ تحدث الرجل بلغة التمنّي عن ضرورة «تَوافر البيانات المطلوبة» وضرورة «الوصول إلى تفاهم جيد بين الوزراء المعنيين والمصرف المركزي». وهذا يعني انّ التوافق على الارقام لم يُحسم بعد، وطريقة توزيع الخسائر غير محسومة بدورها. ولا يمكن الانتظار طويلاً لحسم النقطتين الاساسيتين في خطة الانقاذ، لأنّ عامل الوقت حيوي وأساسي في نجاح الخطط او فشلها، وهذا ما قاله محيي الدين بوضوح عندما أعربَ عن أمله في «أن تجري الأمور بالسرعة المناسبة». والسؤال: هل المناخ الحكومي الحالي، ربطاً بمناخات التحقيق في جريمة مرفأ بيروت، والتحقيقات في أحداث الطيونة، يسمح بالتفاؤل في إمكان تحقيق أي إنجاز بسرعة، وضمن التوقيت المناسب؟