ناصر زيدان
رفض الأفرقاء الرئيسيون المعنيون بأحداث الطيونة الأليمة - خاصة حزب الله والقوات اللبنانية - فكرة التواصل ولو على مستوى الصف الثاني من أجل تخفيف منسوب الاحتقان الذي أعقب اشتباكات 14 أكتوبر، حتى إن تأليف لجان مصالحة في الأحياء التي طالتها الاشتباكات لم تلق آذانا صاغية.
وإذا كان حزب الله قد بالغ في التوصيفات التي أطلقها ضد القوات وحملها مسؤولية كل ما جرى، فإن القوات اللبنانية وأصدقاءها واجهوا التحدي بمثله. وتبدو الدعوة إلى الحوار ثقيلة وغير شعبية ومرهقة، والمواقف الوسطية المعتدلة تطولها سهام الانتقاد من كل اتجاه.
ومن المؤكد أن جهات سياسية مؤثرة تتهرب من الحوار نظرا لارتباطها بأجندة خارجية، وهي محرجة في الموضوع الأمني لأن مواقفها والمعطيات المتوافرة تؤكد خشيتها من التحقيقات التي تحصل في ملف اغتيال لقمان سليم وجوزيف سكاف ومنير بورجيلي وجو بجاني وفي ملف تفجير مرفأ بيروت بشكل عام.
وهناك قوى أخرى لا تقبل بالوسطية كنموذج للتسوية، لأنها تعتبر أن التسوية تخفي تنازلا يتعلق بهوية لبنان وسيادته وربما بتركيبة نظامه التوافقي برمته. وبعض القوى تحاصر نفسها بشعارات اتهامية شعبوية غير واقعية، في إشارة إلى عدم قبولها بعناوين الحوار وفي صدارة هذه العناوين الإستراتيجية الدفاعية انطلاقا من مبادئ إعلان بعبدا للعام 2012، والملف الأمني المتفرع عن السلاح المتفلت هو الأساس في مروحة الخلافات السياسية، كما أنه السبب الرئيسي وراء انهيار لبنان وإخفاق اقتصاده، لأن هذا السلاح يحمي المتهربين من وجه العدالة، ويعكر علاقات لبنان مع أشقائه وأصدقائه لارتباطه بملفات الإرهاب وبالقتال خارج الحدود.
الدعوة الى الحوار ضرورية وسط هذا الهياج غير المسبوق، بصرف النظر عن صوابية موقف هذا الطرف أو ذاك، حيث لا توجد وسيلة أخرى لحل النزاعات القائمة والتي تهدد وحدة الدولة المتهالكة، خصوصا بعدما أصبح القضاء المنوط به تحقيق العدالة وفرض الحلول القانونية هو ذاته محل خلاف ويتعرض لهجمات سياسية متتابعة، وفرقاء النزاع المدعوون للحوار يصدحون في برية معتمة يسودها الطرش السياسي، وهم لا يطيقون السماع لبعضهم البعض، ويحجبون عن جمهورهم أيضا حرية سماع الرأي الآخر، ومن يصغي من هذا الجمهور لوسيلة إعلام مخالفة لرأي الأقطاب يصنف مباشرة في خانة «المتآمرين» كما يحصل في الدول التي تعتمد على الأنظمة الشمولية.
ما رافق تحقيقات جريمة تفجير المرفأ ليس عاديا، والمواقف والتحركات التي حصلت تسيء الى ما تبقى من هيبة الدولة. والمسؤولية في هذا السياق تقع بالدرجة الأولى على الطرف الذي مارس التدخل، وأطلق المواقف وقاد التحركات بأوقات مريبة.
فهل هذا الطرف على استعداد للحوار حول القضايا الأساسية المطروحة للإنقاذ، ومنها تحييد القضاء والجيش واحترام المعايير الدولية في خطوات الإنقاذ التي تجهد لتحقيقها الحكومة؟
بعد أحداث الطيونة الأليمة برزت أجواء جديدة زادت من منسوب التشاؤم وأثارت المخاوف من العودة للحروب والانقسامات وسط غليان شعبي من جراء التردي المعيشي الخانق. وعدم التجاوب مع حراك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومع مساعي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لتحييد عمل الحكومة عن الصراعات، وعدم تعطيلها يشكل تعنتا واستبدادا وفيه استهتار بحياة اللبنانيين.
مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ومعها مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأخيرة أظهرت مساحة الاختلاف الواسعة بين المكونات اللبنانية، وأكدت أن الحل لا يمكن أن يحصل إلا من خلال الحوار، والتهديد بأعداد المقاتلين من جهة أو بأعداد المحازبين من جهة ثانية دونه محاذير لا تحمد عقباها وذاق اللبنانيون لوعتها.
ووحده خيار الحفاظ على الدولة والانصياع للقانون وللقرارات الدولية ذات الصلة فيه خلاص اللبنانيين المحاصرين بنار الغلاء والوباء، ولبنان لا يتحمل ويلات حروب إضافية مهما كانت الأسباب والمبررات.