حالة من الترقب يعيشها جمهور كرة القدم حول العالم، قبل انطلاق الكلاسيكو المنتظر بين ريال مدريد وبرشلونة، اليوم الأحد، والذي يعد أحد أهم الأحداث الرياضية في كل موسم كروي.
يملك ريال مدريد في رصيده 17 نقطة قبل موقعة "كامب نو"، محتلًا مركز الوصافة بترتيب فرق الدوري الإسباني، بينما يحتل برشلونة المركز السابع برصيد 15 نقطة.
ورغم أن "الكلاسيكو" الإسباني فقد شيئًا من بريقه المعتاد خلال السنوات الأخيرة، برحيل الثنائي الأسطوري كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي عن الدوري الإسباني، إلا أن المواجهة التي تجمع "كبار إسبانيا" تعد المفضلة لقطاع كبير من جمهور الساحرة المستديرة، مهما كانت الأسماء المتواجدة داخل المستطيل الأخضر.
ويستعرض موقع "سكاي نيوز عربية"، خلال السطور التالية، رحلة عبر الزمن، للتعرف إلى أسباب الصراع التاريخي بين برشلونة وريال مدريد، والذي نتج عنه ليال كروية لا تُنسى، وتناوله أكثر من كتاب حديث مثل: "الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد: حرب العالمين"، و"الخوف والكراهية في الدوري الإسباني: برشلونة وريال مدريد وأكبر تنافس رياضي في العالم".
صراع سياسي
حتى عام 1917، كان إقليم كتالونيا، الذي يضم مدينة برشلونة، بمثابة دولة مستقلة بذاتها، تمتلك لغتها الخاصة وثقافتها وهويتها، إلا أن كل شيء تغير، عندما قرر ملك إسبانيا، فيليب الخامس، غزو هذه المنطقة.
وبعد ذلك بوقت قصير قام فيليب بضم مناطق أخرى من الأراضي المتبقية من شبه جزيرة أيبيريا، حتى تكونت إسبانيا بالشكل الذي نعرفه الآن.
وتعتبر مدينة برشلونة رمزًا للهوية الكتالونية، إلا أن ما حدث عام 1936، كان يمهد لبداية فصل جديد تمامًا للصراع السياسي بين برشلونة ومدريد، إذ قام الجنرال فرانسيسكو فرانكو، الذي حكم إسبانيا بعد ذلك، بانقلاب عسكري ضد الجمهورية الإسبانية الثانية، ما أدى إلى نسوب الحرب الأهلية الإسبانية.
واشتدت الحرب الأهلية بين الجمهوريين المحسوبين على إقليم كتالونيا والقوميين المحسوبين على العاصمة مدريد تحت قيادة الجنرال فرانكو الذي قام خلال هذه الفترة باعتقال جوسيب سونال، رئيس نادي برشلونة حينها، وقام بإعدامه دون محاكمة بسبب المناداة بالانفصال عن إسبانيا، وفي الحقيقة لم تتوقف طلبات الانفصال حتى الآن.
مع انتصار الجنرال فرانكو، الذي عُرف عنه دعمه لريال مدريد، في هذه الحرب، فرض عدم استخدام اللغة الكتالونية في وثائق نادي برشلونة، فضلاً عن منع رفع العلم الكتالوني في الملاعب الذي كان كافيًا لاتهام أي مشجع بـ "الخيانة العظمى".
وفي العام 1975، توفي الجنرال فرانكو، وعاد علم كتالونيا يرفرف في الملاعب الإسبانية، كما عادت المطالبات بانفصال كتالونيا.
كرة الثلج
وخلال هذه السنوات، كان تواجد برشلونة بإقليم كتالونيا يجعله محسوبًا على قوى المعارضة التي تهدد استقرار إسبانيا، بينما كان ريال مدريد في قلب العاصمة محسوبًا على السلطة الإسبانية ويحصل على بعض الامتيازات الخفية، التي زادت من حدة الصراع بين كبيري "لا ليغا".
كانت الأحداث السابقة بمثابة كرة ثلج يزداد حجمها مع كل خطوة، حتى دخلت إلى الملاعب، لتعطى أبعاد "غير كروية" لكلاسيكو الأرض بين النادي الملكي ونظيره الكتالوني.
وفي العام 2019، تأجلت مباراة القمة بين ريال مدريد وبرشلونة، بسبب مظاهرات عارمة ببرشلونة؛ ردًا على سجن 9 من قادة حركة استقلال كتالونيا التي لم تنجح في مهمتها خلال عام 2017، إذ كان بمثابة اتفاق من جانب واحد فقط.
انطلقت المظاهرات في 4 نقاط محيطة بملعب "الكامب نو"، ووصل عدد المشاركين بها إلى 32 ألف شخص وفقًا لـ "فوربس"، وتم اعتقال 16 شخصًا خلال هذه المظاهرات التي استمرت لأيام؛ لتكون هذه الأحداث بمثابة تأكيد أن الصراع السياسي الذي بدأ منذ عشرات الأعوام وتسبب في اشتعال المنافسة بين ريال مدريد وبرشلونة كرويًا، ربما لن ينتهي أبدًا، أو على الأقل خلال الفترة الحالية.
اللقاء الأشهر
بعد ذكر جذور الصراع السياسي الذي تحول إلى كروي بين برشلونة وريال مدريد، هناك أكثر من واقعة تسببت في اشتعال المنافسة بين طرفي "كلاسيكو الأرض"، وعلى رأسها مباراة الإياب في نصف نهائي "كأس فرانكو" بين الفريقين.
كان قد انتهى لقاء الذهاب بفوز برشلونة بثلاثية نظيفة، لكن المفاجأة الكبرى كانت بانتصار النادي الملكي في مباراة الإياب بالنتيجة الأكبر في تاريخ مواجهات الفريقين وهي 11 – 1.
تمثل هذه المباراة التي أقيمت أثناء حكم فرانكو لإسبانيا واحدة من أساطير "كلاسيكو الأرض"، التي تُحكى لإثبات الظلم الذي تعرض له النادي الكتالوني أمام ريال مدريد.
بعد فوز برشلونة في لقاء الذهاب، تقدم ريال مدريد بشكوى إلى الاتحاد الإسباني على الأداء التحكيمي بلقاء الذهاب، مؤكدين أن ثلاثية برشلونة جاءت عن طريق أخطاء تحكيمية واضحة.
هناك أكثر من رواية حول مباراة الإياب الأسطورية، أحدها تقول إنه كان هناك أمر مباشر للطاقم التحكيمي للمباراة من قبل الجنرال فرانكو بإهداء الفوز لمدريد؛ لأنه لا يمكن لنادي إقليم كتالونيا المزعج أن يصل إلى النهائي على حساب نادي العاصمة.
وهناك رواية أخرى تقول إن جمهور برشلونة أطلق الصفارات خلال لقاء الذهاب لتحفيز لاعبي فريقهم على بذل مجهود أكثر، إلا أن هذه الصفارات فُهمت على أنها تستهدف الجنرال فرانكو نفسه.
وعلى أثر ذلك، سُمح لجمهور مدريد بإرهاب لاعبي برشلونة، إذ استقبلوا حافلة برشلونة بإلقاء الحجارة، الأمر الذي استمر من مدرجات ملعب المباراة، حيث كان حارس برشلونة يخشى الوقوف على خط مرماه، بسبب هجوم جمهور النادي الملكي بالحجارة عليه، لتستقبل شباك النادي الكتالوني 8 أهداف كاملة خلال شوط اللقاء الأول.
وقبل بداية الفصل الثاني من المباراة، رفض لاعبو برشلونة الخروج إلى أرض الملعب، لكن "التهديد بالحبس" جعلهم يستكملون المباراة؛ لتنتهي بنتيجة 11-1.
دي ستيفانو.. الثغرة والألقاب
صراع الفريقين على الصفقات القوية أضاف فصلًا مؤثرًا في تاريخ "كلاسيكو الأرض"، بداية من اللاعب الأسطوري ألفريدو دي ستيفانو، وصولًا إلى صفارات الاستهجان وإلقاء رأس خنزير على لويس فيغو، لاعب ريال مدريد آنذاك، في ملعب "الكامب نو" عام 2000.
في العام 1953، كان برشلونة يفاوض النجم ألفريدو دي ستيفانو، وبالفعل اقتنع بالانتقال إلى صفوف "البرسا"، وقام بتوقيع عقد مع الفريق، إلا أن "ثغرة قانونية" كانت وراء عدم توثيق العقد من قبل الاتحاد الإسباني و"الفيفا"؛ لأن ملكيته لا تعود لنادي ريفر بليت الأرجنتيني وإنما لنادي ديبورتيفو لوس ميلوناريوس الكولومبي.
كان رئيس نادي ريال مدريد آنذاك، سانتياغو برنابيو، يتابع المشهد، وقرر أن يدخل النادي الملكي على خط المفاوضات مع دي ستيفانو، الذي كان قد تحرك إلى إسبانيا من أجل الانضمام رسميًا لصفوف برشلونة.
بشكل مفاجئ، تواصل نادي ريال مدريد مباشرة مع النادي الكولومبي من أجل الحصول على خدمات دي ستيفانو، وتغيرت وجهة النجم الإسباني في اللحظات الأخيرة ليتنقل إلى صفوف ريال مدريد بدلًا من برشلونة.
هذه الصفقة أثارت غضب جمهور النادي الكتالوني واصفين إياها بـ"السرقة"، مع توجيه اتهامات لإدارة ريال مدريد بعدم احترام المنافسين.
قاد دي ستيفانو النادي الأبيض لحصد عديد من الألقاب المحلية والقارية مثل الفوز 5 مرات بـ"أبطال أوروبا"، ولقب الدوري الإسباني 8 مرات؛ هذا التألق زاد من غضب جمهور برشلونة حول هذه الصفقة، التي كان من الممكن أن تزيد من حصيلة ألقاب "البرسا" تاريخيًا.
فيغو ورأس الخنزير
بمرور الأعوام، وتحديدًا في بداية الألفية الجديدة، كان فلورنتينو بيريز يجهز حملته الانتخابية من أجل الترشح لرئاسة نادي ريال مدريد، وكانت أحد وعود بيريز التي جعلت جماهير الملكي تتمنى فوزه هي الحصول على خدمات نجم المنافس التقليدي، البرتغالي لويس فيغو لاعب برشلونة.
فاز بيريز بمقعد رئيس نادي ريال مدريد، ونفذ وعده للجماهير، وانضم فيغو إلى صفوف الملكي في صفقة قياسية بلغت قيمتها 60 مليون يورو، وهي قيمة الشرط الجزائي في عقد النجم البرتغالي.
هذه الصفقة أثارت غضب جمهور برشلونة بشدة، وبعد الصفقة بقرابة شهرين، كان لويس فيغو على موعد مع أحد أسوأ لياليه داخل المستطيل الأخضر، حيث كان يتأهب للمشاركة في "كلاسيكو الأرض" على ملعب "الكامب نو".
لم تتوقف هتافات برشلونة ضد فيغو قبل وخلال المباراة، واصفين إياه بـ"الخائن"، مع إلقاء الزجاجات على أرض الملعب كلما أتيحت لهم الفرصة لفعل ذلك، إلا أن التصرف الأشد قسوة كان بإلقاء "رأس خنزير" تجاه فيغو داخل أرض الملعب.
هذه الواقعة هي إحدى أغرب وقائع "كلاسيكو الأرض" عبر تاريخه، وكانت سببًا في تأجيج الصراع بين الفريقين، الذي كان مشتعلًا بالفعل.
أساطير كروية
وتمكن طرفا "كلاسيكو الأرض" عبر تاريخهما من التعاقد مع لاعبين مميزين، يمكن وصفهم بـ "أساطير كروية"، نتحدث هنا على عدد من الأسماء التي لا يمكن نسيانها مثل: دييغو مارادونا، وليونيل ميسي، وكريستيانو رونالدو، ورونالدينيو، والظاهرة رونالدو، وزين الدين زيدان، وبالطبع دي ستيفانو، وغيرها من الأسماء التي طالما ساعدت على زيادة نسب مشاهدة مباريات ريال مدريد وبرشلونة طيلة الوقت.
ربما كان الصراع السياسي سببًا في إعطاء طابع تنافسي خاص لكلاسيكو الأرض، إذا كان جمهور برشلونة يصف نفسه بــ "جيش كتالونيا غير المسلح" الذي يقف في وجه النادي الملكي.
إلا أن جمهور اللعبة من خارج إسبانيا بنسبة كبيرة لا يهتم بمثل هذه الصراعات، لكنه يبحث عن مباراة ممتعة، وكانت أسماء لاعبي ريال مدريد وبرشلونة كافية ليعيش جمهور اللعبة ليالي كروية لا تُنسى.
فبينما ريال مدريد يمتلك "فريق الأحلام"، كان برشلونة لديه الساحر البرازيلي رونالدينيو ومن خلفه "البرغوث" ليونيل ميسي، الذي لم يجد بيريز حلًا للصمود أمامه إلا بالتعاقد مع "صاروخ ماديرا" كريستيانو رونالدو.
الصراع بين رونالدو وميسي كان الأفضل خلال السنوات الأخيرة، بعدما تمكنا من تحطيم عديد من الأرقام القياسية بقميصي ريال مدريد وبرشلونة.
ورغم أن الفريقين لا يعيشان أفضل فتراتهما، إلا أن "الكلاسيكو" يظل محتفظًا ببريقه مهما حدث.
ويأمل جمهور الساحرة المستديرة أن يكون هناك صراع أسطوري جديد طرفيه لاعب من برشلونة أمام لاعب من مدريد، لتستمر الحكاية الكروية التي لا يمل منها أي محب للعبة بنفس القوة.