راكيل عتيّق
إكتفى رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بالتعليق على حوادث الطيونة باستنكارها في بيان مُنفرداً، وفي آخر مع رئيسي الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة من دون توجيه أي إدانة لـ»حزب الله»، ثمّ لاذ بالصمت، ولم يعلّق على تصويب «حزب الله» على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع واتهامه بافتعال هذه الاشتباكات. ومع تصاعد الحملة التي يواجهها جعجع من «الحزب»، أمّت شخصيات سياسية سيادية معراب دعماً لـ»القوات» وتضامناً مع رئيسها، وصدرت مواقف من جهات عدة ترفض «شيطنتها»، فيما لم يرَ الحريري داعياً لدعم جعجع بزيارة معراب أو باتصال أو موقف أو بيان، بل عمّم على النواب والمسؤولين في التيار عدم أخذ أي موقف في انتظار جلاء التحقيقات في أحداث «الخميس الأسود».
أظهرت كلّ الفيديوهات المتداولة والتقارير التلفزيونية عن أحداث الطيونة ـ عين الرمانة، دخول مسلّحين من حركة «أمل» و»حزب الله» الى عين الرمانة من دون أن يظهر أي شريط يبيّن اعتداء من الجهة المقابلة. وأكد وزير الدفاع أنه لم يكن هناك أي مكمن في ذلك اليوم. إلّا أنّ الحريري بالنسبة الى البعض وازَى بين «المُعتدي والمُعتدى عليه». وفي حين دعم الشارع السني رئيس «القوات» حيث عُلّقت صوره في عدد من المناطق، وزار الوزير الأسبق اللواء أشرف ريفي معراب وشدّ على يد جعجع، ظهر الحريري ورؤساء الحكومة السابقين خارج هذه «الحال السنية». وعلى رغم أنّهم كانوا يسارعون الى اتهام «حزب الله» بأي حادث أمني أو عملية اغتيال أو محاولة اغتيال تحصل، فإنهم وقفوا على الحياد في حادثة الطيونة.
وإذ يرى البعض أنّ الحريري تخلّى عن جعجع في هذه اللحظة الحسّاسة لردّ «الصاع صاعين» بعد أن تركه جعجع في استحقاقات عدة، يعتبر هذا البعض أنّ التوقيت والمناسبة غير ملائمين لـ»انتقام» الحريري، خصوصاً في ظلّ أجواء عن «تركيب ملف «سيدة نجاة» جديد» لجعجع، وبالتالي إنّ الحريري يخطئ بذلك لأنّه لا يتخلّى عن جعجع فقط بل يعزّز موقع «حزب الله» ويغضّ الطرف عن تنفيذه «ميني 7 أيار»، في حين أنّ جعجع كان أول الداعمين للحريري والسنيورة والشارع السني في ذلك اليوم المشؤوم من عام 2008. وبالتالي إنّ الحريري لا يأخذ موقعاً وموقفاً بين جعجع والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بل بين «الخط السيادي والدولة» ومشروع الدويلة والحزب الذي أحد عناصره متهم من المحكمة الدولية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وفي حين تُفضّل معراب عدم التعليق على موقف الحريري هذا، تسأل مصادر قيادية في تيار «المستقبل»: «لماذا ندعم جعجع؟ ولماذا يجب أن يزور أحد معراب لهذا الخصوص؟». وتقول: «نحن أمام كارثة وطنية وهناك 7 قتلى، ويجب انتظار نتيجة التحقيق لكي يتبيّن مَن المُحق ومن المحقوق، إذ طالما أنّه من غير المعروف كيف حصلت هذه الأحداث وإذا كان هناك أمر ما مُعدّ سلفاً، يجب انتظار نتيجة التحقيق لكي نعرف اتجاهه. أمّا الآن فهناك سجال قائم لا يستدعي تأجيج الاوضاع». وفي الوقت نفسه تؤكد هذه المصادر أنه «إذا جرى استهداف لأي فئة، خصوصاً «القوات»، سيكون لتيار «المستقبل» موقف واضح مع المُستهدَف».
لكن ألا يعتبر «المستقبل» كلام نصرالله واستدعاء جعجع الى التحقيق استهدافاً؟ تجيب المصادر نفسها: «من المرجح أن يكون لنا موقف بعد ظهور التحقيقات وجلاء الامور رسمياً وعلى أي أساس ستجري الاستدعاءات». أمّا عن الصمت «المستقبلي» شبه التام حيال كلام نصرالله خصوصاً عن الـ100 ألف مقاتل وعن حملة استهداف جعجع، تشير المصادر نفسها الى أنّ «هناك خياراً وتمنّياً مُعمّماً من الرئيس الحريري لانتظار نتائج التحقيقات لكي لا نزيد «الطين بلة» ونوسّع مساحة التشنج».
لكن هل بات «المستقبل» ينتظر نتائج تحقيق لاتخاذ موقف من «حزب الله» في حين أنّه اتهمه باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل صدور الحُكم، ويتهمه بكلّ «شاردة وواردة أمنية» منذ عام 2005؟ بالنسبة الى «المستقبل»، إنّ مرحلة 14 آذار لم تعد قائمة، ولا مجال للحديث عن «التأييد على عماها»، وتقول مصادر «المستقبل»: «لنراجع مواقف جعجع و»القوات» من الحريري على مدى السنوات الأخيرة، وعدم تسمية «القوات» للحريري لرئاسة الحكومة، في حين لو وقفَ جعجع مع الحريري وأيّده ووافقت «القوات» على المشاركة في الحكومة لكان هناك حكومة لا تواجه الواقع القائم الحالي». وبالتالي، بالنسبة الى «المستقبل» إنّ «أحداً لا يمكنه لوم الآخر على شيء»، وإذ تؤكد مصادر التيار «أنّنا لسنا على الحياد في موضوع الدولة والحق»، تشدّد على «وجوب أن ننتظر التحقيق لنرى الى أين سيصل». وإذ تقرّ أنّ الذي يحصل يُشكّل «انكساراً لرؤية 14 آذار»، توضح أنّ مَردّ ذلك «قضية تراكمية، لا يوجد طرف لم يساهم فيها، و»القوات» أدّت دوراً أساسياً في ذلك، إن من خلال قانون الانتخاب القائم أو برفضها مشاركة مستقلّين مسيحيين في 14 آذار معها في الانتخابات». وتقول: «جميعنا كقوى 14 آذار لدينا سقطات، وأحد لا يُمكنه لوم الآخر». وترى أنّه إذا كان هناك من رغبة في إعادة التفاهم على موقف سيادي، يجب الذهاب الى «رؤية موحدة في قانون الانتخاب والنظرة الى لبنان وطريقة المواجهة، وليس أن يبحث كلّ طرف عن كسب نائب «بالزيادة» على حساب البلد».
لكن بمعزل عن أحداث الطيونة وعدم دعم الحريري حليفه السابق في هذه المواجهة، لم تكن المياه بين «المستقبل» و»القوات» قد عادت الى مجاريها بعد اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة، بل دخل الحريري في حال شبه انكفاء عن الحياة السياسية في انتظار الانتخابات النيابية المقبلة، من دون محاولة فتح أي قناة اتصال مع جعجع. ولا حوار مع «القوات»، لأن لا رغبة من الطرفين بذلك، بحسب مصادر «المستقبل»، التي تعترف أنّ «هناك مواقف شخصية، ونوع من المرارة لدى الحريري تجاه «القوات» بسبب أمور عدة، قد تبدأ من قضية السعودية لتصل الى عدم تسميته لرئاسة الحكومة. وبالتالي، هناك منحى شخصي ومواقف سياسية متراكمة أدّت الى هذا الوضع».
هذه التراكمات تشير الى استحالة التحالف الانتخابي بين «القوات» و»المستقبل»، لكن الى ذلك، إنّ التحالف في الانتخابات النيابية في ظل القانون النسبي الحالي، «لا يقدّم ولا يؤخر» بحسب «المستقبل»، بل يمكن أن يحصل تبادل بالأصوات، وهذا يعود الى حسابات الاطراف وفق استطلاعات الرأي التي تجريها، وهذا يتقرّر قبل نحو شهر أو شهرين من الانتخابات.