إبراهيم ناصر الدين - الديار
على وقع الانهيار الاقتصادي المتمادي وفي غياب اي فعالية حكومية تذكر وسط ضعف الحراك في الشارع لمواجهة الافقار الممنهج للشعب اللبناني، حصل تطور لافت في «جريمة» الطيونة مع توجه لدى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي للاستماع الى افادة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اشترط للتجاوب مع الامر استماع المحقق لافادة السيد حسن نصرالله! في هذا الوقت، تبقى الحكومة «مشلولة» بانتظار التسويات غير الناضجة في ملف القاضي طارق البيطار الذي يمضي في تحقيقاته وفق آليات «العمل» نفسها دون الاكتراث لما يدور حوله من «شكوك» «وارتياب» زادتها تسريبات اعلامية غربية- واسرائيلية اعادت احياء «هواجس» التسييس التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفيما تتجه الانظار الى معركة «خاسرة» يخوضها رئيس الجمهورية ميشال عون في ملف قانون الانتخابات المعدل، وسط مؤشرات غربية سلبية ومقلقة ترجح ان تكون الاوضاع في لبنان بعد الانتخابات التشريعة اكثر سوءا في ظل ترجيحات بحدوث فراغ حكومي ورئاسي، كشفت «اسرائيل» عبر اعلامها بالامس الجانب «المظلم» لمحادثات ترسيم الحدود البحرية ما يؤشر الى ان المسؤولين اللبنانيين القلقين من اغضاب الاميركيين سيخسرون معركة التفاوض؟
اسرائيل: موقف لبنان «ضعيف»
فبعد ساعات على تحريك الجانب الاميركي لملف ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، واثر محادثات «ايجابية» للوسيط الأميركي الجديد أموس هوكشتاين، الحامل للجنسية الاسرائيلية، مع الرؤساء ميشال عون، ونبيه بري، ونجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، كشفت صحيفة «اسرائيل اليوم» الجانب «المظلم» من الحادثات واشارت الى ان الولايات المتحدة أبلغت لبنان بان المطالبة بمساحة أكبر للتنقيب، يفجر عملياً المفاوضات عن قصد؛ لأن توسيع المساحة سيدخل حقل الغاز «كريش» في المنطقة اللبنانية، الأمر الذي تعارضه «إسرائيل» بشدة. ولفتت الصحيفة الى ان واشنطن معنية بإعطاء فرصة أخرى للبنانيين. وأوضحت الولايات المتحدة و»إسرائيل» للبنان أن كل خروج عما اتفق عليه من قبل بالنسبة للمساحة البحرية التي يتعين تقسيمها، سيؤدي إلى إنهاء الاتصالات نهائياً. وتحدثت الصحيفة عن ضعف الموقف اللبناني، وقالت: «موقف لبنان ضعيف لانه لا يريد إغضاب الولايات المتحدة، لأنها الداعمة الأساسية للجيش اللبناني»... ولهذا ليس للبنان مجال كبير للمناورة وفي هذا السياق يؤجل الرئيس عون التوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتوسيع الحصة اللبنانية، لأنه يعرف بأن الأمر سيضع حداً للمحادثات!
هل يرضخ لبنان للعرض الاميركي؟
وبحسب الصحيفة، فان الضغط الاميركي وطلب «إسرائيل» من شركة اميركية إعطاء عرض لإنتاج الغاز في المجال المتنازع عليه دون انتظار اللبنانيين، كفيل بإعادة لبنان إلى أرض الواقع، لانه برأيها يجب أن تستوعب بيروت أن الزمن لا يعمل في مصلحتها، وأن أمامها ثلاثة خيارات: ألا تتوصل إلى تسوية مع «إسرائيل»، أن تقبل مخطط هوف، أو تتبنى اقتراح عاموس هوكشتاين في أن تتولى شركة تجارية مسؤولية إنتاج الغاز وتوزيعه بين «إسرائيل» ولبنان دون تدخل مباشر من الدولتين.
ما سر «التفاؤل» اللبناني؟
وفي هذا السياق، تتساءل اوساط متابعة للملف عن اسباب «الغبطة» لدى المسؤولين اللبنانيين من نتائج زيارة «الوسيط» الاميركي، مع العلم ان ما قدمه هو فقط التراجع عن فكرة اجراء مفاوضات مكوكية بديلاً عن المفاوضات غير المباشرة التي كانت تجري في مقر الأمم المتحدة عند الحدود، بينما لم يقدم اي مؤشر ايجابي في المضمون حيال الحقوق اللبنانية البحرية؟! وقد حصل هوكشتاين على تعهد بعدم اجراء اي تعديل من الجانب اللبناني على اسس المحادثات، اي الالتزام بالخط 23 مشددا على انه سيزور اسرائيل وعندئذ «يبنى على الشيء مقتضاه»!
تحريض على حزب الله
وفي تطور يعزز شكوك حزب الله من محاولات خارجية لتسييس التحقيق في انفجار المرفأ، دخلت اسرائيل بقوة على خط التحريض على الحزب، تزامنا مع تحقيقات نشرتها صحف غربية ركزت على مسؤوليته عن تفجير المرفأ، وفيما اقرت صحيفة «يديعوت احرنوت» ان الولايات المتحدة وفرنسا تبذلان جهداً خاصاً لحماية القاضي طارق البيطار، الشخص «اللطيف والذكي»، بل والاستثنائي في محيط بيئة محلية فاسدة، على حد وصفها، تناولت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابِع لجامعة تل أبيب، تداعيات الوضع الداخليّ في لبنان، وتأثير ذلك في ميزان القوى داخل البلاد. وتساءلت الدراسة، التي نُشرت امس إلى أيّ مدى قد يعمل حزب الله من أجل إيقاف التحقيق والذي تشير المعطيات برأيها إلى إلقاء مسؤولية التفجير على الحزب؟! ولفتت الدراسة إلى أنّ استمرار التحقيق في القضية يزيد من حالة الاحتقان الداخليّ في لبنان، ومن غير المُستبعد بتاتًا لجوء حزب الله إلى خوض معركةٍ عسكريّةٍ ضدّ الأعداء في داخل لبنان، ولكن برأي الخبراء الذين أعّدوا الدراسة، يتعيّن على «إسرائيل» مراقبة تطورات الوضع ، ومحاولة الإجابة عن السؤال المفصليّ: هل سيلجأ حزب الله إلى التصعيد مع «إسرائيل» من اجل صرف الأنظار عن المشاكل الداخليّة التي تعصف بلبنان؟
الى الفتنة در؟
وفي تحريض مباشر على الفتنة الداخلية، لفتت الدراسة إلى أنّ الأزمة الحالية حول استقلالية القضاء اللبنانيّ هي بالنسبة لأعداء وخصوم حزب الله فرصةً كبيرةً للنيل منه، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأزمة الحالية تُعتبر امتحانًا لكلّ أولئك اللبنانيين، الذين قرروا تحدّي حزب الله «وغطرسته» وسيطرته على لبنان!
تزييف للوقائع!
وفي حملة تشبه الحملة السابقة لاتهام حزب الله باغتيال الشهيد رفيق الحريري، عبر «شيطنته» زعمت صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية أن قتال الشوارع الذي شهدته العاصمة بيروت الأسبوع الماضي، جزء من معركة يشنها حزب الله، وحلفاؤه للتأكد من عدم تقدم التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في آب العام الماضي. وفي تزييف واضح لكل المعطيات، قالت الصحيفة « يحاول الحزب وهو «دولة فوق الدولة» تجنب تحمل المسؤولية عن الكارثة، فيما عمد مسلحوه الى اغلاق مكان الحادث حيث حصل تخزين الكميات الكبيرة من نترات الأمونيوم في عنبر من عنابر مرفأ بيروت، وهو المخزن الذي قيدت عملية الدخول إليه؟!
البيطار لا يتراجع
في هذا الوقت، ووسط انقسام القضاة، والخوف من الاحراج اذا لم يستجب المحقق العدلي للدعوة، لم يتبلغ المحقق العدلي القاضي طارق البيطارمن مجلس القضاء الاعلى أي تبليغ بحضوره امام المجلس الذي عقد جلسته الثانية امس، وهو في المقابل، واصل نشاطه دون اي مؤشرات على تراجعه عن آلية تحقيقاته، وفي هذا السياق، راسل مجددا النيابة العامة التمييزية للبت في الخلاف مع وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي في ملف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم كما راسل المجلس الاعلى للدفاع لاعطائه الاذن في ملاحقة المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا. وسيشهد الاسبوع المقبل تسطير مذكرتي توقيف بحق النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق اللذين لن يحضرا جلسة الاستماع يوم الجمعة، فيما تبلغ رئيس الحكومة السابق حسان دياب موعد جلسة الاستماع اليه الخميس المقبل.
لا مساعدات قبل الانتخابات!
فيما ابلغ صندوق النقد الدولي المسؤولين اللبنانيين شروطه لنجاح اي مفاوضات مستقبلية على ان تبدأ بوضع اطار جديد لاولويات الحكومة، المحت السفيرة الفرنسية آن غريو امام رئيس الجمهورية ميشال عون الى ان فرص التوصل الى تفاهمات بين لبنان «والصندوق» تبدو ضعيفة جدا في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة، واشارت الى ان غياب عمل الحكومة «الطبيعي» على خلفية ازمة المحقق العدلي طارق البيطار سيؤدي حكما إلى مشاكل في تنفيذ برامج المساعدة الدولية للبنان. ووفقا لمصادر دبلوماسية، فان كلام السفيرة الفرنسية يعكس توجها اميركيا يدعمه كل الرعاة الغربيين غير الراغبين في تخصيص أموال للبنان في ظل عدم وضوح الرؤية حيال الحكومة التي سوف يتم تشكيلها بعد الانتخابات التشريعية.
الامور نحو الأسوأ؟
فثمة قلق جدي ازاء انعدام الثقة «بولادة» سريعة للحكومة الجديدة، خصوصا ان التجارب السابقة غير مشجعة واظهرت أن هذه العملية يمكن أن تستغرق عدة أشهر، بل قد تستمر عاما كاملاً، وهذه المرة تتسع دائرة المخاطر مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية، فولاية الرئيس ميشال عون تنتهي في تشرين الاول من العام المقبل وانتخابه استغرق عامين ونصف العام، وحتى الان لا ضمانة بعدم تكرار هذه الازمة، خصوصا ان نتائج الانتخابات لا تزال ضبابية في ظل ضعف بنيوي ينتاب الاكثرية الراهنة المنقسمة على نفسها، والندوب الخطرة التي اصابت التيار الوطني الحر، ولهذا تفضل القوى الغربية تاجيل البت في اي اتفاق، اولا لوجود حالة من انعدام اليقين حول الاستقرار السياسي والامني، وثانيا كون هذا الملف احد العوامل المؤثرة في الاستحقاقات المقبلة، ولا داعي الان لخسارة هذه «الورقة». وبناء عليه تشير تلك الاوساط، الى ان ما تشهده الساحة اللبنانية راهنا قد يكون اقل سوءا مما ستكون عليه البلاد بعد الانتخابات في ظل ترجيحات بدخول موقعي الرئاسة الاولى والثالثة في حالة فراغ «قاتل»، خصوصا اذا ما تاخرت التسويات الاقليمية والدولية؟! وكان، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، محمود محي الدين، وصف زيارته للبنان بـ«الموفّقة وذات نتائج جيدة»، واشار بعد زيارته وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، الى أنه «لا يتفاوض مع الحكومة اللبنانية أو مع مصرف لبنان، لكنّ دوره هو التعرف إلى أولويات الدولة التي حددها على نحو مفصل.
معركة رئاسية خاسرة؟
في هذا الوقت، يتجه رئيس الجمهورية ميشال عون الى رد قانون الانتخابات المعدل بعدما وقع عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واحاله الى القصر الجمهوري، وامام الرئيس مهلة خمسة أيام للبت في الامر لان القانون يحمل صفة المعجل، لكن هذه الخطوة الاعتراضية لن تتمكن من توقيف العمل بالقانون بل ستؤخر انطلاقته، لان ما يملكه عون من سلطة دستورية تخوله فقط رد القانون مقرونة بالأسباب المعللة ما يضطر البرلمان الى عقد جلسة جديدة للتأكيد على التعديلات بأكثرية ثلثي عدد أعضائه، وعندئذ يعتبر القانون نافذا. ولذلك تجري اتصالات بعيدة عن الاضواء مع عون لثنيه عن اتخاذ قرار غير قابل للصرف، وتمرير القانون، ليصبح نافذاً ما يسمح لرئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل بالتقدم بطعن أمام المجلس الدستوري، لكن مصادر قانونية تجزم ان المجلس الدستوري سيتصرف في حال تقدم باسيل بالطعن «كأنه لم يكن» لان كل التعديلات المقرة في البرلمان محصنة دستوريا ولم تخالف ايا من مواد القانون، سواء لجهة تقديم موعد الانتخابات، ومسألة العوامل المناخية، او لجهة «الميغاسنتر»، وتعليق العمل بانتخاب نواب الاغتراب الستة، فكل ما ورد لا يشكل مخالفات دستورية.
حزب الله ينتقد الوزراء؟
وفي محاولة لتعويض الشلل الحكومي، عرض رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة للاوضاع المعيشية الصعبة، دون ان تحصل ترجمة عملية لاي حلول ناجعة، فيما التأمت «لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام»، في السراي الحكومي في محاولة لتجاوز «البطء» المريب في عمل الحكومة التي تلقت اول انتقاد قاس من حزب الله، إذ دعت كتلة الوفاء للمقاومة الوزراء في الحكومة إلى تفعيل الإنتاجيّة في وزاراتهم ضمن هامش الصلاحيات المتاحة لهم، ما يؤشر الى ان عودة الحكومة ليست قريبة، وبحسب «الكتلة» فان كثيرا من المهام والمشاريع المطلوبة وحتى بعض القوانين الصادرة تحتاج من الوزير والإدارات المختصة إلى اجراءات تنفيذية لتحويلها إلى إنجازات بدل التذرع ببعض الصعوبات والعراقيل...
من اين التمويل؟
في هذا الوقت، راسل وزير الاشغال علي حمية الفرنسيين مجددا بشان الحصول على باصات نقل، وتبلغ انهم يقومون بالاجراءات الادارية قبل البت في الملف، ويبقى السؤال الملح: من اين ستؤمن الوزارة المال لشراء المازوت في ظل الانهيار المالي؟ وهو السؤال نفسه الذي يطرح نفسه امام خطة وزير الاشغال الذي رفع الى وزارة المال آلية لدعم السائقين العموميين لدرسها ورفعها لمجلس الوزراء، على ان تتضمن اجراءات محددة لعدم بيع الكميات في السوق السوداء!