كلير شكر
يبدو أنّ طموح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لم يسعفه كثيراً في تحمّل تبعات جولة الاشتباكات التي شهدتها منطقة الطيونة - عين الرمانة صباح أمس، بحيث أنّه تخلى سريعاً وعند أول مطب أمني، عن الهدف الإنقاذي الذي ألصقه بحكومته مع بداية مشوراها المستحيل، لتصير مجرّد "إسفنجة" يُراد منها أن تخفف من حدّة الارتطام الاجتماعي والاقتصادي الحاصل.
اذ اعتبر رئيس الحكومة في حديث صحافي أمس أن "الحكومة "ماشية" وموجودة، وتشكّلت حين وصل البلد إلى الحضيض، والحكومة "إسفنجة" لتخفيف أثر الارتطام"، سائلاً: "هل ما جرى اليوم (أمس) هدفه إسقاط حكومتي؟ تذكّروا أن هدف حكومتي تخفيف أثر الارتطام".
بالفعل، قد يكون ميقاتي محقّاً في تساؤله عما اذا كانت حكومته ستدفع ثمن الصراع السياسي الحاصل على خلفية التحقيقات التي يقودها المحقق العدلي طارق البيطار في قضية انفجار المرفأ، فينفرط عقدها عند أول اختبار صعب. ذلك لأنّ الحكومة التي علّقت جلستها على أثر المشادة التي شهدتها الجلسة الأخيرة بين المحور المطالب بتصويب مسار التحقيقات ربطاً باتهامات الاستنسابية التي كانت توجّه إلى المحقق العدلي، وبين المحور الرافض، تحت عنوان استقلالية القضاء، تواجه اليوم اشكالية أعمق، وأشدّ حساسية، تتصل بما حصل على محور الطيونة - عين الرمانة.
اذ يبدو أنّ الحكومة تترنّح، وقد يكون سقوطها بضربة الأحداث والتطورات الأمنية غير مستبعد، ذلك لأنّ ما حصل في الشارع هو انذار بالدم للنار المتوقدة تحت الرماد والتي من شأنها أن تشتعل في أي "لحظة جنون"، بعدما بلغ التوتر ذروته منذراً بمزيد من التصعيد والتشنج اللذين قد يطيحان بالاستقرار الأمني والسياسي.
ومع أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون سارع إلى الطمأنة إلى أنّ "القوى العسكرية والأمنية قامت وستقوم بواجباتها في حماية الامن والاستقرار والسلم الأهلي. ولن نسمح لأحد بأن يأخذ البلد رهينة مصالحه الخاصة أو حساباته"، لافتاً إلى أنّ "عقارب الساعة لن تعود الى الوراء. ونحن ذاهبون باتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة. وإنني بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب لن نتساهل ولن نستسلم الى أيّ أمر واقع يمكن ان يكون هدفه الفتنة التي يرفضها جميع اللبنانيين"، وقد تبعه رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إلى التأكيد "أنّنا لم نعد إلى الجحيم ولن نعود لكن هذا يتطلب اعتماد العقل ولغة الحوار، ومن حق اللبناني التظاهر لكن أدين استخدام القناصات ضد المتظاهرين"... إلا أنّ ذلك لا يحجب الواقع المعقّد الذي باتت تواجهه الحكومة.
وفق المتابعين فإنّ البيان التصعيدي الذي أطلقه الثنائي الشيعي متّهماً "القوات" بالوقوف خلف "الاعتداء المسلّح"، ولو أنّ الأخيرة نفت هذه التهمة مطالبة "الجيش بتوضيح ملابسات أحداث الطيونة كي لا يستغل حزب الله الأحداث الأليمة ليتهم شمالاً ويميناً"، أحرج الفريق العوني الذي اضطر إلى المسارعة إلى تلقف الكرة والاصطفاف بجانب الثنائي الشيعي، فأصدر "التيار الوطني الحر" بياناً في المساء اعتبر فيه أنّ "ما حصل هو اعتداء مسلّح ومرفوض على أناس ارادوا التعبير عن رأيهم، ولو كنا لا نوافقهم على هذا الرأي". ما يعني أنّهم أيدوا رواية الثنائي الشيعي.
ولكن قبل ثمانٍ وأربعين ساعة، كانت الحكومة معلّقة على حبل البحث عن صيغة قانونية توافقية تترك باباً للمراجعة في أداء المحقق العدلي، بعدما أقفلت أبواب القضاة بوجه المعترضين على سلوك القاضي طارق البيطار المتهم من جانب هؤلاء بتسييس التحقيقات والتصويب على فريق معيّن، وقد أسفرت الاتصالات عن تفاهم على صيغة مقبولة من مختلف الأطراف الحكومية وكان ينتظر أن يدعو رئيس الحكومة إلى جلسة قريبة لبتّ تلك الصيغة وتجاوز المطب الأول... واذ بأحداث الشارع ترفع المتاريس الطائفية والعسكرية من جديد أمام الحكومة التي باتت في مواجهة أزمة أكثر تعقيداً، وهي الأحداث الأمنية خصوصاً وأنّ المؤشرات تدلّ على أنّ صفحة معالجتها قد لا تطوى بسهولة بفعل تبادل الأطراف المعنية الاتهامات وتقاذفها، ما قد يصعّب المهمة على السلطات المعنية... ويزيد من حدّة الأزمة وخطورتها.