رنى سعرتي
لم يتبدّل المشهد المعيشي ولم تخف وتيرة تسارع الأزمات رغم تأليف الحكومة منذ اكثر من 30 يوماً. فالوضع الاقتصادي والمعيشي من سيئ الى أسوأ. والدولار الذي تهافت مدّخروه على بيعه مع تشكيل الحكومة خوفاً من تراجع اضافي في سعر صرفه الذي بلغ حينها 13 الف ليرة، استعاد اليوم مساره الصعودي ووصل الى 21 الف ليرة.
رُفع الدعم عن المحروقات ليصل سعر صفيحة البنزين الى 250 الف ليرة امس، ولم يتمّ تعويضه لا ببطاقة تمويلية ولا دعم مباشر آخر. والكهرباء التي كانت تنوّر على المواطن حياته ساعة او ساعتين يومياً، مقطوعة اليوم بانتظار تأمين اعتمادات الفيول مروراً بـ»قصّة ابريق الزيت» نفسها.
اما الحكومة، فكانت على وشك الانهيار في جسلة مجلس الوزراء امس الاول، نتيجة التجاذبات السياسية، وسط صمت عميق في ما يتعلّق بخططها لمعالجة الأزمات الآنية. وإذا كانت المهلة المنطقية لتحقيق أي تقدّم ملحوظ على صعيد المعالجات، محدّدة إجمالاً بـ100 يوم من بدء عمل الحكومة، يمكن طرح السؤال التالي: هل انّ الحكومة تعمل بصمتٍ وتكتّم، ام انّ مهمّتَها الحقيقية لا تتمثل بلجم الانهيار بل التحضير فقط للانتخابات النيابية؟
من حق المواطن الذي فقد اكثر من 90 في المئة من قدرته الشرائية، أن تبادر الحكومة الى دعمه لاستعادة قيمة راتبه، ومن حقه ان يعلم متى تنوي الحكومة تحريره من جحيم فواتير المولّدات الخاصة. ومن حق المواطن الذي أصبح راتبه يعادل صفيحتي بنزين، ان تؤمّن له حكومتُه وسيلة نقل عامة تُقلّه الى عمله يومياً، بعدما اصبح التنقل بالسيارات الخصوصية امراً محصوراً بالميسورين فقط. من حق المريض الذي يصارع الموت بسبب عدم قدرته على شراء الدواء ودفع فواتير المستشفيات، أن يعي إذا كانت دولتُه ستؤمّن له الطبابة أم انّه سيستسلم للموت. ومن حق المودعين الذين احتُجزت مدّخراتهم أن يعلموا إذا كانوا سيسترجعونها يوماً ما.
إلى هذه الاسئلة المشروعة، يبقى سؤال يتعلق بمصير البطاقة التمويلية، أين صارت؟ وما الذي يعيق إطلاقها حتى الآن؟ رغم انّ تلك البطاقة لن تنتشل المواطنين من فقرهم وجوعهم وعوزهم، إلّا انّ اي دعم مادي او مساعدة مالية قد تخفف جزءاً من معاناتهم اليومية. لكن البطاقة التمويلية التي اعلنت الحكومة السابقة انّها جاهزة لإطلاقها، عادت مع تأليف الحكومة الجديدة الى المربّع الاول، وما زالت لغاية اليوم «تُطبخ» في اللجان الوزارية التي تمّ تأليفها لمتابعة ملفها برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي وقّع ووزيرا الشؤون الاجتماعية والاقتصاد، قرار تحديد آلية ومعايير تطبيق القانون المتعلق بالبطاقة الالكترونية التمويلية، وفتح اعتماد إضافي إستثنائي لتمويلها. وقد اعلن وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار «انّ اللجنة أنهت مرحلة، وعليها ان تنهي مراحل أخرى للوصول الى بدء التسجيل على المنصّة، على ان يتمّ عقد مؤتمر صحافي في وقت لاحق لشرح كل التفاصيل. وبانتظار التفاصيل، سيسجّل سعر صرف الدولار مستويات قياسية جديدة، وستفقد البطاقة التمويلية التي من المقرر تسديدها بالليرة، قدرتها الشرائية!
نحاس
في هذا الإطار، اوضح النائب نقولا نحاس الذي يتولّى رئاسة اللجنة التي شكّلها رئيس الحكومة لوضع خطة للتعافي، انّ جميع وزراء الحكومة يعملون بجهد ليلاً نهاراً طيلة ايام الاسبوع لوضع حلول للأزمات المتعددة في اسرع وقت ممكن، «لكن عدم ظهور الحلّ حالياً، لا يعني اننا عاطلون عن العمل، بل انّ كلّ أزمة وكلّ مشكلة يتمّ وضع الخطط اللازمة والمطلوبة لحلّها، وهناك تقدّم ملحوظ في هذا الإطار».
واكّد لـ«الجمهورية»، انّ آلية البطاقة التمويلية والمنصّة التابعة لها لم تكن جاهزة، ويتمّ تحضيرها حالياً على ان يتمّ اطلاقها قريباً، مع الإشارة الى انّ تمويلها سيكون من ضمن الموازنة، وليس من اموال حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي.
وسأل نحاس: «هل من المنطقي ان تظهر الحلول وتُعالج الأزمات بأسبوع او اسبوعين؟ ورغم انّ الوضع المعيشي لا يحتمل الانتظار، إلّا انّه لا يوجد حلّ سحري بين ليلة وضحاها». وقال: «لن نكثر الكلام قبل بدء الافعال».
وبالنسبة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أكّد نحاس انّها بدأت ويتمّ عقد اجتماعات عن بُعد عبر تقنية zoom، وهناك تشاور مع كافة الفرقاء المعنيّين بخطة التعافي التي تقوم الحكومة بإعدادها.