انطوان فرح
احتفلت الحكومة الميقاتية ببلوغها الشهر. وهذه فترة ليست كافية للحكم على الأداء والنتائج المتوقعة. لكن، ويوماً بعد يوم، تبرز مؤشرات وحقائق تؤكّد انّ مهمّة الحكومة الإنقاذية، هي من أصعب المهمّات التي واجهها البلد في العقود الثلاثة الأخيرة، ليس بسبب طبيعتها المعقّدة فحسب، بل بسبب التوقيت غير المناسب.
منذ انطلاقتها، أعلنت الحكومة على لسان رئيسها، انّ اولويتها ستكون معالجة القضايا المعيشية الساخنة التي يعاني منها الناس. وكان شعارها، «مبارح قبل اليوم»، في إشارة الى صفة الاستعجال القصوى التي ستتحرّك بها للتصدّي للأزمات التي تحاصر المواطن. لكن، الأيام الثلاثين الاولى مضت، ولا تبدو صفة الاستعجال هي السمة التي تتحرّك بموجبها الحكومة الميقاتية، استناداً الى الامور التالية:
اولاً- ملف رفع الدعم عن البنزين الذي كان يُفترض ان يُستكمل في نهاية ايلول، لا يزال عالقاً على سعر منصّة «صيرفة». ومع ارتفاع اسعار النفط عالمياً، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المحلية الى عتبة الـ20 الف ليرة، اصبحت الخطوة الأخيرة المنتظرة صعبة، لأنّ البنزين سيرتفع بنسبة كبيرة، وسيصبح سعر الصفيحة اكثرمن 300 الف ليرة.
ثانياً- البطاقة التمويلية التي كان يُفترض ان تكون أقلعت منذ فترة، لا تزال عالقة، ولو انّها نظرياً تحرّكت في اتجاه التنفيذ. والمشكلة هنا، إلى جانب كل الملاحظات التقنية، انّ الحكومة لا تريد ان تتصرّف بوضوح في إنفاق الاموال التي تأمّنت من حقوق السحب الخاصة (SDRs) من صندوق النقد الدولي. (1,139 مليون دولار).
ثالثاً- المعالجات المؤقتة التي تهدف الى تخفيف معاناة المواطن، متعثرة، ذلك انّ النظرة التي قد يحكم بها الناس على الامور، هي انّ فاتورة المولّد كانت 200 الف ليرة في الشهر، اصبحت اليوم حوالى 800 الف ليرة، مع تقنين إضافي في التغذية. ثمن صفيحة البنزين كان 70 الف ليرة، اصبح اليوم حوالى 241 الف ليرة، بوليصة التأمين كانت باللولار، اصبحت بالدولار، بما يعني عجز الغالبية المضمونة عن الاستمرار، تحت مظلة الضمان الخاص. المستشفيات لم تعد تقبل سوى قسم من الفاتورة بالدولار، بما يعني انّ المؤمّن في الضمان الاجتماعي لم يعد مؤمّناً فعلياً. سعر الدجاج والبيض الذي كان لا يزال يشكّل البديل للحمة الحمراء بالنسبة الى المواطن بسبب الفارق في الاسعار، ارتفع بسرعة قياسية وتضاعف سعره وصار شبيهاً بسعر اللحمة الحمراء. سعر سحب الدولار العالق في المصارف والذي كان يُفترض ان يرتفع قليلاً لمساعدة الناس في تحسين قدراتهم الشرائية، بقي كما هو، وتمّ التمديد للتعميم 151 حتى آخر السنة، وأخيراً سعر الصرف الذي حيكت حوله الأساطير وتنافس الكثيرون في تقدير السعر الذي سيستقر عليه الدولار بعد الانخفاض، عاد الى طبيعته، وارتفع أكثر مما كان سعره قبل تشكيل الحكومة. ولا تزال هناك تطورات من هذا النوع، سيشهدها اللبناني في الايام القليلة المقبلة.
كل هذه المصائب قد لا تكون الحكومة مسؤولة عنها، لكنها حقائق حصلت في خلال الايام الثلاثين الاولى من عمر الحكومة، وكل ما يهمّ المواطن هي النتائج.
في موازاة هذه الملفات المعيشية التي انفجرت في خلال شهر، لا تبدو مهمة الحكومة اسهل في عملية الإنقاذ الشامل، من خلال التوصّل الى خطة يرعاها ويموّلها صندوق النقد الدولي. العائق الأساس في هذا الموضوع، يرتبط بالتوقيت. اذ كيف يستطيع رئيس الحكومة التوفيق بين متطلبات صندوق النقد، ومصلحته السياسية في صندوق الاقتراع؟ اذ يبدو الرجل عالقاً بين صندوقين، في لعبة تضارب مصالح (conflict of interest) يصعب الخروج منها بلا خدوش وأضرار قد تكون جسيمة. وهذا الامر ينطبق على تيار رئيس الجمهورية، الشريك الاساسي في الحكومة. وكذلك، على بقية القوى السياسية المشاركة في الحكومة، ولو بنسب أقل. انّها حكومة القوى السياسية التي تعتبر انّ الانتخابات المقبلة ستحدّد مصيرها ومستقبلها، فكيف ستجازف بمستقبلها، لتلبية متطلبات الإنقاذ، والتي تبدأ عادة بإجراءات تمهيدية يطلبها صندوق النقد، منها على سبيل المثال:
اولاً- توحيد سعر الصرف، بما يعني اختفاء دولار الـ1507 ليرات. هذا الاختفاء يؤدّي الى رفع فاتورة الخدمات، وفي مقدّمها الاتصالات والانترنت الى مستويات قياسية. ورفع الدولار الجمركي، بحيث سترتفع اسعار السلع بنسب ضخمة.
ثانياً- وقف الضغط على المالية العامة، وبالتالي عدم القيام بأي خطوة قد تزيد العجز، ومنها على سبيل المثال رفع الاجور...
ثالثاً- رفع كل انواع الدعم، وفي مقدّمها الكهرباء بما سيرفع الفاتورة بنسب كبيرة ايضاً.
هذه نماذج من متطلبات تسبق الاتفاق على أي خطة إنقاذية، فهل يمكن ان نصدّق انّ المرشحين الى الانتخابات النيابية، وعلى رأسهم ميقاتي، يستطيعون اتخاذ هذه الإجراءات قبيل التوجّه الى صناديق الاقتراع؟
الشهر الاول من عمر الحكومة كان صعباً، والشهر الثاني قد يكون أصعب. انّها مشكلة توقيت خاطئ، والتوقيت أهم عنصر للنجاح او الفشل في أي مشروع.