محمد دهشة
العلاقة بين نائبي صيدا بهية الحريري وأسامة سعد لم تكن يوماً في افضل حال مما عليه اليوم، يميزها التقارب ويسودها التفاهم ويجمعها التوافق على أهمية معالجة الازمات المعيشية والحياتية والخدماتية كافة لابناء المدينة بعيداً من اي خلاف سياسي، وذلك بعد مراحل عديدة وطويلة من المد والجزر، تحكمت بها وتراوحت بين الخصومة الى الفتور، ولم تخل من القطيعة حيناً والتلاقي غير المباشر احياناً، والمباشر في المرحلة الاخيرة ، بعد استفحال الازمات وطول أمدها وانعكاسها السلبي على حياة الصيداويين في ظل الغلاء وارتفاع الاسعار والدولار.
على مدى ثلاثة عقود من الزمن، شكّل الحريري (تيار المستقبل) وسعد (التنظيم الشعبي الناصري) ثنائية نيابية في المدينة منذ اجراء اول انتخابات نيابية في العام 1992، فازت الحريري الى جانب النائب الراحل مصطفى سعد (توفي في تموز 2002 بعدما انتخب في دورات 1992 و1996 و2000) على اللائحة التي شكلها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وواصل المسيرة النائب اسامة سعد، باستثناء دورة واحدة حل مكانه الرئيس فؤاد السنيورة في دورة 2009 ولمدة تسع سنوات اذ جرى تمديدها ثلاث مرات، قبل ان تعود الى سيرتها الاولى في الانتخابات الاخيرة في العام 2018 ولكن على اساس صيدا وجزين دائرة انتخابية واحدة، تنافست يومها ثلاث لوائح ولم يحالف الحظ صيداوياً كلاً من الدكتور عبد الرحمن البزري، المسؤول السياسي لـ"الجماعة الاسلامية"، الدكتور بسام حمود والسيد سمير البزري ابن شقيقة رجل الاعمال مرعي ابو مرعي الذي اراد تسجيل صوت اعتراض.
وتقول مصادر صيداوية لـ "نداء الوطن" ان "التقارب بين الحريري وسعد أملته الظروف غير العادية والأزمات الخانقة التي تعيشها المدينة، وتشكل بلدية صيدا خط الدفاع المتقدم عن المواطن في مواجهتها وتخفيف اعبائها، فنشأ نوع من التفاهم الضمني بعدما أدّى رئيسها المهندس محمد السعودي دوراً اساسياً فيه تحت عنوان مصلحة المدينة وانجاح جهود البلدية في معالجة المشكلات الحياتية الداهمة وخاصة ازمات المازوت ومولدات الاشتراكات الخاصة والبنزين وحقوق المدينة كافة من التغذية بالتيار الكهربائي الى تأمين ديمومة المياه، قبل ان يتحول هذا التفاهم تواصلاً غير مباشر عبر ممثلين عن الطرفين تحت رعاية السعودي، حول كل القضايا الصحية والخدماتية والاجتماعية والحياتية، ثم قواسم مشتركة تمثلت بتناغم مواقف كلا الطرفين من بعض هذه القضايا لجهة الحسم وعدم السماح بتحدي ارادة المدينة وقواها النيابية والسياسية في ما يتعلق بتسعيرة المولدات وبالدولار الاميركي.
ولم يلغ هذا التقارب في المرحلة الأولى الحذر من الطرفين وهما يخوضان تجربة جديدة، اذ كان التوافق بينهما ضمنياً وبطريقة غير مباشرة ويتولاها احياناً وسطاء من سعاة الخير واصحاب المبادرات الحميدة لتمرير قطوع او تجاوز محنة او الاتفاق على موقف عام. لكن سرعان ما زال هذا الحذر بعد تحييد الموقف السياسي لكل منهما عن اتفاقهما على متابعة القضايا الحياتية والخدماتية بشكل يحفظ لكل منهما خصوصيته السياسية وحيثيته وقاعدته الشعبية، وطريقة متابعته كـ"تنظيم" او كـ "تيار" للشأن العام.
وتدريجياً، تحول التقارب شيئاً فشيئاً وبمبادرات من السعودي، رافعة دعم لأي قرار تتخذه البلدية بما يتعلق بشؤون المدينة، وترجم بلقاءين غير مسبوقين دعا اليهما السعودي وشارك فيهما الحريري وسعد جنباً الى جنب. الأول ابان ازمة محطة الوقود، واللافت انه لم يدع اليه اياً من القوى السياسية في المدينة بل اصحاب المحطات وقادة الاجهزة الامنية، واتفق على تشكيل "لجنة العدالة والشفافية لتوزيع المازوت" بمشاركة البزري و"الجماعة الاسلامية". والثاني منذ ايام خلال ازمة تسعيرة المولدات حيث عقد لقاء بحضورهما والجهات القضائية والامنية والادارية المعنية فقط من دون السياسية، وخلص الى اتفاق على الزام اصحاب المولدات بالتسعيرة العادية والدفع بالليرة اللبنانية.
وفيما يثير هذا التقارب تساؤلات بين القوى السياسية الصيداوية الاخرى التي بدأت تراقبه عن كثب، لاستشراف آفاقه على ابواب التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، خاصة في ظل اعتماد القانون الانتخابي صيدا وجزين دائرة انتخابية واحدة، اعتبر البعض انه أمر طبيعي، اذ من واجب نائبي المدينة تحمّل مسؤولياتهما في مقاربة الملفات الشائكة والتصدي للقضايا الحياتية طالما هما يمثلان رمزين للسلطة التشريعية والرسمية.
بالمقابل، تعبّر اجواء "التيار الازرق" عن ارتياحها الى هذا التفاهم بين الحريري وسعد كنائبين يمثلان المدينة ويضعان الخلاف السياسي جانباً لمصلحتها، بينما انصار "التنظيم" اكثر حذراً، علماً ان التنسيق بين الطرفين بما يتعلق بقضايا المدينة مستمر بشكل شبه يومي او اسبوعي عبر الرئيس السعودي او بالاتصال المباشر اذا دعت الحاجة بعدما كان مقتصراً على التلاقي والمشاركة في مناسبات اجتماعية مختلفة، وتبادل اطراف الحديث فيها.