أنهى الضيف الإيراني جولة "تسجيل النقاط وتثبيت النفوذ" في بيروت، مخلّفاً وراءه "قاطرة" من الوعود الإنمائية والرسائل السياسية برسم الداخل والخارج، سرعان ما قسمت السكة اللبنانية بين ضفتين متقابلتين، الأولى تشدّ الرحال في اتجاه "الحظوة" الإيرانية، والثانية تشد الحبال في مواجهة "الهيمنة" الإيرانية على البلد.
وإذ يتقدم "حزب الله" الصفوف على الضفة الأولى ومن خلفه العهد وسائر الحلفاء، برز على الضفة المقابلة تصدّر بكركي المشهد السيادي متوجسة من انسياق البلد خلف "طروادة" المساعدات العينية، التي تخفي وراءها نوايا بالسيطرة و"الهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره"، كما جاء في تنبيه البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس، في سياق فهم منه المراقبون تعقيباً غير مباشر على أحقية الهواجس الوطنية من خطر إلحاق البلد بالأجندة الإيرانية تحت ستار مساعدته نفطياً وكهربائياً وإنمائياً، محمّلاً في المقابل الحكومة اللبنانية مسؤولية إبقاء عملية إعادة الإعمار ضمن "إطار وطني". كما كان للراعي تحذير مباشر من "شيطنات" أهل السلطة في سبيل تطويق الاستحقاق الانتخابي، راسماً خطاً أحمر عريضاً إزاء أي محاولة هادفة إلى "اللعب بموضوع الانتخابات"، باعتبارها ستشرع الأبواب أمام "أخطار لا أحد يعرف مضاعفاتها"، مع التشديد في الوقت نفسه على وجوب إخضاع العملية الانتخابية إلى "مراقبة لبنانية وأممية".
ومساء اليوم، من المرتقب أن تبلغ زيارة وزير الخارجية الإيراني مداها لبنانياً، على مستوى تجسيد دلالاتها السياسية وأبعادها الاستراتيجية، من خلال إطلالة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي لا شكّ في كونه سيقارب الزيارة من زاوية العرفان والامتنان لطهران على "وقفتها مع لبنان ووفائها للحلفاء"، ليشكل بذلك مدخلاً يلج من خلاله نحو رفع منسوب الضغط على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لدفعها إلى الإقدام على خطوة التنسيق مع الحكومة الإيرانية و"قوننة" العلاقة الثنائية، ضمن إطار قالب من التفاهمات الهادفة إلى تحقيق الانصهار الرسمي بين الجمهوريتين اللبنانية والإسلامية في مواجهة "الحصار الأميركي".
أما في ملف تحقيقات المرفأ، فيسود ترقب لما سيقوله نصرالله بخصوص مستجدات هذا الملف لا سيما بعد شيوع رسالة التهديد التي تلقاها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار على لسان وفيق صفا، من دون استبعاد إمكانية تجاهله الموضوع وتهميش وقائعه المستجدة، بغية ترك مفاعيل "الرسالة" تسلك مسارها القانوني ووسائلها القضائية باتجاه تحقيق الغاية المنشودة منها و"قبع" البيطار. على أنّه برز في هذا السياق ارتقاء "حزب الله" في مواجهة المحقق العدلي إلى مستوى الربط بين تحقيقاته وبين العمل على تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأميركية، وفق ما جاء على لسان عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن عز الدين لاعتباره أنّ "الأميركي" يتعامل مع التحقيق في إنفجار المرفأ، بوصفه "واحداً من الأدوات التي يمكن أن يبقيها مفتوحة ليستثمرها ويوظفها في الانتخابات ضد خصومه، محاولاً تغيير المعادلة النيابية القائمة في المجلس النيابي لمصلحة حلفائه ومن يدعمهم ممن يسمى بالمجتمع المدني أو الجمعيات وغيرها"، متوعداً بالكشف إعلامياً عن "رواية كاملة حول باخرة نيترات الأمونيوم التي دخلت إلى مرفأ بيروت لكي يطلع الناس جميعاً على مجريات ما حصل (...) من لحظة دخول الباخرة إلى المياه الإقليمية وصولاً إلى تفريغ حمولتها"، وسط تلميحه صراحةً إلى اتهام قوات "اليونيفيل" بلعب دور في هذه القضية.
تزامناً، وأمام ما بدا واضحاً من عجز وتباطؤ على سكة العمل الحكومي في تنفيذ مقتضيات الإصلاح والإنقاذ، بالتوازي مع محاولات التفافية "انتخابية" على مسألة البطاقة التمويلية لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، برزت دعوة البنك الدولي السلطات اللبنانية إلى تسريع عجلة إطلاق هذه البطاقة و"تسجيل المستفيدين" منها، والتحقق من البيانات عبر "منصة impact تحت إشراف مباشر من التفتيش المركزي"، مشدداً على أنه بالنظر إلى وضع البلد "ما من بديل أفضل".