الترويج للفيدراليّة
الترويج للفيدراليّة

خاص - Sunday, October 10, 2021 7:54:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

في حمأة المقابلات والمشاحنات، والغضب المهيمن على المتجادلين، وجدتُ في الصحافة الورقية المضمحّلة ملاذاً، بل واحة لا سيما الصفحات الداخلية التي لم تزل فيها مساحات للثقافة والفكر والأدب. يوم الاربعاء الماضي قرأتُ الجزء الأول من مقال سمير عطاالله بعنوان (بدو الميناء وعرب الفضاء) ولما قلبت إلى الصفحة السابعة لأقرأ التتمة طالعتني صورة العلاّمة عبدالله العلايلي على الصفحة السادسة تتصدر مقالاً للأستاذ المثقّف سليمان بختي بمناسبة ربع قرن على غياب الشيخ الذي قال في وداعه شوقي أبي شقرا: "أيفتى والعلايلي خرج من المدينة"؟ مقال ممتع ومفيد ومكثّف حيث استطاع الاستاذ سليمان أن يدمج في نصف صفحة سيرة سريعة لذلك العالم الفذ، مع إضاءات على فكره التنويري من خلال حوار أجراه معه، إذ يستعيد لنا قوله إنّ لغة بلا قاموس كدولة بلا دستور، وأنه سَمْحٌ مع كل فكر حر وإن كان مناقضاً لما اعتقد.

وكنت انتويت أن أخصص هذه المقالة لإبداء بعض الملاحظات حول الحملة البائسة للترويج للفدرالية، فإذ بالكلام عن الشيخ العلايلي ينبّهني إلى ضرورة مخاطبة الغاضبين والمتلهّفين بلغة هادئة لأن صاحب الرأي، مهما كان جموحه، يستحق حواراً وطول أناة في التعاطي معه، فلربما كان في التبادل وصول إلى أفكار جديدة وحلول ملائمة.

بناءً عليه، فإنني أسمح لنفسي بالتوجه إلى الدكتور ناجي حايك، وهو طبيب مهمّ على ما قيل لي،  وصهر لعائلة عزيزة جداً على قلبي، وزوج لأستاذة في القانون عالية المقام، فأقول له، إن الحماسة في إبداء الرأي قد تذهب الرصانة عن القائل وتزرع الإثارة في المتلقي، فيصبح الكلام والحال كما ذكر نوعاً من المونولوغ، يقصد به المتكلم أن يقنع نفسه أكثر من إقناع  الآخرين. وأضيف إن من يطرح فكرة كبيرة وخطيرة، عليه أن يُسَّوِّقها  بحجج أكثر قوة من حجة التفاوت في دفع الضرائب، علماً أن حجم الضرائب المدفوعة ليس مناطه طوائف المكلّفين، فقد يدفع درزي للخزينة ما يساوي أضعاف ماروني يزامله المهنة، وقد يدفع الدكتور محمد خليفة ضرائب لا تقاس بما يدفعه زميله الدكتور حايك، وهذا بحدّ ذاته يشير إلى تهافت الدليل وتهافت فلسفته، وإلا لكان من حق المكلفين النظاميين، في أي مكان أن يطالبوا بالانفصال عن مكلفين عصاة يأكلون حق الدولة المشروع، فيما تعتمد الدول عادة اسلوب عقاب المتهرب من الضريبة وملاحقته حتى آخر فلس مع الفوائد المركّبة. وألفت الدكتور حايك أيضاً، وزملاء له، يذهبون مذهبه أنّ العبرة في السلة الضريبية هو المدخول فإذا كان أهل جبل لبنان من كبار المكلفين فهذا مردّه إلى الانتعاش الاقتصادي في المنطقة، وإذا كانت سلة عكار -على سبيل المثال- ضامرة، فيعود هذا إلى الفقر والكساد، اما إذا كان يشير إلى الممتنعين استقواءً واستخفافاً بالسطات، فهذه مسألة سياسية يسأل عنها "حلف الفضول"، حيث يبدو أن تفاهم مار مخايل لم ينصّ على ضرورة التزام جماهير طرفيه بالتقيد بالأنظمة الضريبية.

المشكلة في مقابلات الدكتور حايك، أن أي سؤال يطرحه عليه محاوره، ينقله إلى طبقة أعلى من الغضب والحماسة حيث عاد بنا إلى معاداة معاوية بن أبي سفيان لا لأنه زاحم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على الخلافة –فهذا أمر لا يدعي العلم به- وإنما لأنه وضع اليد على هذه المنطقة.

ولقد أقلقني إذ صرّح أن دعواه هذه تلقى تأييداً كبيراً في صفوف التيار الوطني الحر، في حين أن مجد مؤسس التيار قام على مقولة: "يا شعب لبنان العظيم" الأمر الذي يخوّلني أن أعدّ نفسي معنياً بخطابه، لأنني ما زلت حتى الساعة أحمل الهوية اللبنانية. وفي إحدى المقابلات تبرّع حماسيّ آخر، وقال إن الطائفة السنية طائفة تجار، وليس فيها زجّال واحد، وكأنه بهذا ينزع الهوية اللبنانية عن طائفة بأكملها لأنها لا تمارس الزجل، فهل أصبحت الأرزة موالاً او بيتاً من العتابا أو الميجانا...

أختم هذا المقال بعنوان مقال سجعان قزي الخميس الماضي وهو "لا تقسيم بالإكراه ولا وحدة بالهيمنة."

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني