الحرّة
يوم إثر يوم، يبدو للعيان انتشار مظاهر الفقر والحاجة في جميع أنحاء العاصمة الأفغانية، وذلك عقب سيطرة حركة طالبان على كابل في منتصف أغسطس الماضي، وفقا لما ذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية.
ويتجلى ذلك في الحشود الغاضبة لموظفي الحكومة الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ عدة أشهر، وينتظرون في طوابير يائسة أمام البنوك التي نفدت السيولة لديها، وفي مظاهر الجوع والحاجة في مخيم العائلات النازحة في إحدى الحدائق العامة الكبرى في كابل، وفي أكوام السلع المنزلية التي باتت تعج بها الأرصفة بعدما عرضها أصحابها للبيع، مقابل حفنة قليلة من النقود يسدون بها رمق أطفالهم.
وباتت معظم المكاتب الحكومية مغلقة، فيما يصرف البنك المركزي جزءا من رواتب متأخرة للمدرسين وعناصر الشرطة وبعض الموظفين.
وفيما فر العديد من الأفغان الأثرياء من البلاد، يكافح أصحاب الأعمال الصغيرة من أجل البقاء واقفين على أقدامهم، وذلك مع الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية.
وبالأساس كانت أفغانستان، تلك الدولة الفقيرة التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة، تعاني بالفعل من الجفاف الشديد، ومرت بأشهر طويلة من القتال قبل أن تستولي طالبان على الحكم قبل نحو شهرين ونصف، مما دفع المانحين الأجانب والحكومات إلى تعليق مساعدات بملايين الدولارات كانت موجهة للحكومة السابقة المدعومة من الغرب، ناهيك عن إغلاق النظم المالية التي تحول دون وصول أموال إلى البنوك المحلية خشية استغلالها من قبل جماعات ومنظمات إرهابية.
وحتى الآن، لم يكشف مسؤولو طالبان عن أي خطط ملموسة لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، وبدلاً من ذلك ألقوا باللوم على الغرب متهمين إياه بالتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
"مأساة البطون الخاوية"
وفي هذا الصدد يقول أمان ناصر، البالغ من العمر 18 عاما، والذي كان قد كدس بعض البطانيات على الرصيف بعد أن أحضرها من منزله، على أمل أن يشتريها أحد: "كل أسرة تواجه نفس الأزمة.. والمشكلة الآن هي بطوننا الخاوية".
وكانت أوضاع ناصر المادية جيدة قبل قدوم حركة طالبان، إذ كان يصنع خزائن فولاذية في ورشة عمل بعقد مع الجيش الأميركية، بيد أن المصنع الصغير أغلق أبوابه بعد خروج قوات التحالف الدولي مما أدى إلى فقدان 16 عاملا لوظائفهم.
واضطرت جارته شريفة علي، وهي في الأربعينيات من عمرها، إلى إغلاق محل الخياطة الخاص بها بعد سقوط الحكومة في يد طالبان وتوقف الزبائن عن القدوم، إذ اضطرت لبيع أفضل أدوات المطبخ لديها في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة، وتأمل ألا تضطر إلى التخلي عن ماكينة الخياطة الخاصة بها أيضًا.
من جانبه يقول، رضا خان، 30 عامًا، وهو جندي سابق في الجيش الأفغاني: "لا أعرف ما يجب القيام به، فلدي ثلاثة أطفال وليس عندي ما يكفي لإطعامهم".
وختم بالقول: "على مدى تسع سنوات، كنت أخاطر بحياتي من أجل بلدي، وتبين لي الآن كل ذلك كان بلا جدوى".
وفي حديقة ومنتزه شهر ناو، تعيش مئات العائلات النازحة في خيام مؤقتة، في انتظار يائس لمساعدات غذائية بينما أطفالهم يبكون من الجوع ويعانون أمراض البرد وسط تناثر القمامة في كل مكان.
وقال رجل ضئيل في الأربعينيات من عمره ويدعى، غصن الدين، إن منزله في مقاطعة قندوز الشمالية دمر بالصواريخ خلال قتال عنيف في يوليو الماضي، مما جعله يفر مع عائلته وجيرانه جيرانهم بإحدى الحافلات إلى كابل على أمل أن تكون ملاذا آمنا لهم
وقد جلب معه مدخراته البالغة 300 دولار ، والتي سرعان ما نفدت. بعد شهرين من إقامته في مخيم الحديقة. ويردف: "كان علينا ترك كل شيء وراءنا، فليس لدينا ما نعود إلي.. ولكن الشتاء قادم قريبًا، ولا يمكننا البقاء هنا في العراء".
تحذيرات ومناشدات
وكانت عدة منظمات إغاثة دولية قد حذرت من توجه أفغانستان نحو الوقوع في أزمة إنسانية خطيرة على مستوى البلاد، لافتين إلى أن الملايين من الناس يعتمدون بالفعل على التبرعات للحصول على حاجتهم الضرورية من الطعام، وفي هذا السياق أفاد برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 90 في المائة من الأفغان لم يحصلوا على ما يكفي من الغذاء.
وكان يان إيغلاندا، الأمين العام لمجموعة مساعدة نرويجية نشطة منذ فترة طويلة في أفغانستان، قد زار كابل في الأسبوع الماضي ووصف الاقتصاد الأفغاني بأنه "يخرج عن نطاق السيطرة".
ونبه إلى أن النظام المصرفي يمكن أن ينهار "في أي لحظة" وأن مجموعات المساعدة "في سباق مع الزمن" لدرء مخاطر الجوع الجماعي والمرض عن الأفغانيين مع بدء حلول فصل الشتاء القارس.
وقال إيغلاند أنه حتى الموظفين الأفغان الذين يعملون مع المجلس النرويجي للاجئين، لا يمكنهم الحصول على رواتبهم كاملة، وذلك عقب تعليق المساعدات الخارجية وعدم وجود طريقة آمنة لجلب الأموال إلى البلاد.
من ناحية أخرى، ألقى مسؤولو طالبان مرارًا باللوم على الضغوط الخارجية باعتبارها "السبب الرئيسي لمحنة الأفغان" على حسب زعمهم، ويصرون على أنهم يريدون علاقات جيدة مع العالم لكنهم "يرفضون التدخل في القيم الدينية والثقافية" في بلادهم.
ويقول المتحدث باسم طالبان إنعام الله سمنغاني: "نحاول حل هذه الأزمة، لكن أميركا والمنظمات الدولية الأخرى جمدت الأموال والمساعدات التي جرى التعهد بها لنا.. وممارسة الضغط علينا ليس هو النهج الصحيح".
وعند سؤاله عن الخطط التي تضعها السلطات الجديدة للتعامل مع الأزمة، لم يقدم سمنغاني تفاصيل، مكتفيا بالقول إن البلاد بحاجة ماسة إلى استعادة الأنشطة التجارية والاستثمارية والمصرفية، معتبرا أن العالم "سيكون مسؤولاً إذا جاع الشعب الأفغاني".
ومع تزايد حدة التنبؤات بالمعاناة، تحاول منظمات الإغاثة تجاوز المواجهة مع طالبا، وهنا يرى إيغلاند أن على الأمم المتحدة تعقد "اتفاقية متعددة الأطراف" لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتمويل الخدمات العامة واستعادة التدفقات النقدية.
واقترح إيغلاند توجيه المساعدات من خلال الصناديق الائتمانية للأمم المتحدة، مردفا: "يجب أن ندعم الشعب الأفغاني مهما كان الأمر".