دي ميستورا والصحراء الغربية.. عقبات أمام "الحل الغامض"
دي ميستورا والصحراء الغربية.. عقبات أمام "الحل الغامض"

دولية وإقليمية - Friday, October 8, 2021 9:30:00 PM

الحرّة

في رد فعل سريع غداة تعيين الأمم المتحدة مبعوثا جديدا للصحراء الغربية، طالبت الجزائر بسحب القوات المغربية من منطقة الكركرات العازلة في الإقليم لتسهيل مسار تسوية النزاع، بينما لم تتضح بعد الأوراق التي يملكها ستافان دي ميستورا  لإنجاح مهمته.

والصحراء الغربية موضوع نزاع، منذ عقود، بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، وهي منطقة تصنفها الأمم المتحدة بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

وبعد أكثر من عامين من البحث عن مرشح واقتراح الأمم المتحدة "13 اسما" على طرفي النزاع (المغرب وجبهة بوليساريو)، عينت الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، الدبلوماسي المخضرم دي ميستورا مبعوثا خاصا.

وكان المغرب رفض، في أيار الماضي، تعيينه، لكنه تراجع مؤخرا عن قراره وقبل به أخيرا تحت ضغوط أميركية، بحسب ما نقلت فرانس برس عن دبلوماسيين.

يقول المحلل السياسي الصحراوي لحسن بولسان لموقع "الحرة": "يبدو أن بعض المتغيرات الدولية قد فرضت على (الرباط) إعادة النظر في مسألة قبول دي مستورا بعدما سبق وأن رفضته".

وفي أروقة المنظمة الدولية، يوصف دي ميستورا بالرجل الذي "يدير الأزمة ولا يحلها"، حسبما تقول دينا أبو صعب، الصحفية المعتمدة لدى الأمم المتحدة لموقع "الحرة".

ورغم أهمية توافق طرفي النزاع على دي ميستورا، وتوقع عمله على إعادة الهدوء لهذا الملف، "فإن الآمال في الوصول لحل مستدام لقضية الصحراء الغربية ليست كبيرة"، كما تقول أبو صعب. 

أما توفيق بوقعدة، الباحث والأستاذ في العلوم السياسية بجامعة الجزائر، فيقول لموقع "الحرة"، إن "دي ميستورا على معرفة جيدة بملف الصحراء الغربية"، واصفا ترحيب طرفي النزاع والقوى الدولية بتعينه دي بـ"المؤشر الإيجابي لبداية موفقة لعمله على تفكيك صعوبات الحل السلمي لآخر قضية تصفية استعمار في أفريقيا".

وسيتولى دي ميستورا منصبه في الأول من نوفمبر المقبل، في محاولة لحل الأزمة التي اشتعلت مؤخرا بعد سنوات من الهدوء النسبي.

ويشدد البشير محمد الحسن، الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية، على أهمية منح دي ميستورا وقتا، قائلا لموقع "الحرة": "يجب أن نرى تصوره للنزاع وخطة العمل المفترضة". 

تحديات بانتظار دي ميستورا
وبعدما كان ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (2007-2009) وأفغانستان (2010-2011)، تولى دي ميستورا منصب المبعوث الخاص إلى سوريا (2014-2018) لكنه لم يحقق إنجازا يذكر واستقال من منصبه.

ويرى بوقعدة أن فرص نجاح أو فشل دي ميستورا فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية ليست مرتبطة بتجربته الفاشلة في سوريا أو تجاربه الناجحة في مناطق آخرى بقدر ارتباطها بإرادة حقيقية لدى طرفي النزاع، إلى جانب الإرادة الدولية، للحل.

ويستبعد بوقعدة تحقيق المبعوث الأممي أي إنجاز بدون هذه الإرادة، قائلا: "الخيارات محدودة، وأصعب ما في هذا الملف هو فرض خيار وقبول الطرفين به. وهذه محددات لا يتحكم فيها دي ميستورا وحده وإنما تعني المجموعة الدولية عموما وطرفي النزاع خصوصا".

وفي نظر بوقعدة، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه دي ميستورا هو إقناع طرفي النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات والالتزام باتفاق عام 1991 الذي ثبت الهدنة طيلة الأعوام الماضية، وعودة المناطق العازلة بين الجانبين في منطقة الكركرات.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، الخميس، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية قوله إن "تجريد هذه المنطقة من السلاح... يشكل حجر الأساس في أي عملية سياسية ذات مصداقية تهدف إلى إيجاد حل سلمي للنزاع".

والعام الماضي قالت البوليساريو إنها ستستأنف ما تصفه بـ"الكفاح المسلح" بعد هدنة استمرت لعقود.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية، لموقع "الحرة": "هناك عوامل حاسمة طرأت على القضية لم تكن موجودة إبان تولي مبعوثين سابقين، مما يشكل ورقة جديدة تضفي على القضية زخما وحيوية وتخرجها من قوقعة الجمود التي ميزتها طيلة الثلاثين سنة الماضية".

كما يشير الحسن إلى إلغاء محكمة بالاتحاد الأوروبي، في أيلول الماضي، اتفاقات تجارية مع المغرب بسبب الصحراء الغربية.

ويعتبر المغرب الصحراء الغربية جزء من أراضيه، لكن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال المنطقة.

وتتحدث دينا أبو صعب عن مؤشر آخر قد يضمن تحقيق الاختراق في هذا الملف، وهي العلاقات الجزائرية المغربية المتوترة حاليا والتي تعكس نفسها على هذه الأزمة، "في ظل تأثير الجزائر على الوضع في الصحراء الغربية".

وكانت مزاعم دعم المغرب لحركة تقرير مصير منطقة القبائل الجزائرية (الماك)، إضافة لقضية الصحراء الغربية وقضايا أخرى خلافية ضمن الأسباب التي استندت إليها الجزائر لإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة يوم 24 أغسطس الماضي.

يقول رشيد لزرق، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل المغربية، لموقع "الحرة"، إن دي ميستورا يواجه تحديات  كبرى في ظل "نظام جزائري يعاني الاختناق ويريد متنفسا عبر تصدير أزمته للمغرب".

والعلاقات بين الدولتين الجارتين في شمال إفريقيا ليست على ما يرام منذ عقود، وأغلقت الجزائر والمغرب حدودهما منذ عام 1994، ثم تدهورت أكثر مع تصاعد الخلاف مرة أخرى على إقليم الصحراء الغربية العام الماضي.

ويرى لزرق أن العقبة الكبرى في قضية الصحراء تتمثل في محاولة الجزائر "إشعال قضية الصحراء بغية العودة بها للنقطة صفر"، على حد قوله.

أما نجاح مهمة دي ميستورا، في وجة نظر لزرق، فيرتبط بالقدرة على السير قدما في الحل السياسي التفاوضي، قائلا إن قرار البوليساريو لدى الجزائر.

فيما يقول بولسان إن التحديات التي تنتظر الدبلوماسي السويدي هو كيفية إنقاذه "سمعة ومصداقية الأمم المتحدة"، قائلا: "الجهد الدولي لا يمكن أن يستقيم ما دام هناك من يعرج وعلى الملأ".

واتهم بولسان المغرب بـ"عدم توفر الإرادة الصادقة لديه لاحترام التزاماته الدولية"، قائلا إن "المملكة أحرجت المنظمة الدولية التي تدرك أنها محكمة بجملة قرارات تشدد على حتمية احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره".

الاعتراف الأميركي
وفي بيان، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن الولايات المتحدة "ترحب بحرارة" بتعيين دي ميستورا، دون إشارة إلى الاعتراف الأميركي السابق بمغربية الصحراء.

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرر الاعتراف بسيادة المغرب على كل هذه الأرض عام 2020، ، مقابل تعزيز الرباط علاقاتها مع إسرائيل التي لا تعترف بها الجزائر.

وفي بيان، قال بلينكن: "سندعم بحزم جهوده من أجل تشجيع مستقبل سلمي ومزدهر لشعب الصحراء الغربية والمنطقة" ومن أجل "استئناف عملية سياسية".

وتصف أبو صعب الموقف الأميركي بـ"الغامض"، موضحة بقولها: "قد يكون الغموض الأميركي الحالي إحدى أوراق الضغط التي تمتلكها الولايات المتحدة على المغرب، وقد يكون سببا في إقناع المغرب بالقبول بالوساطة الدولية للمبعوث الجديد".

وعن كيفية تعامل دي ميستورا مع الاعتراف الأميركي، يعلق لزرق قائلا إنه يشكل دفعة للمبعوث من أجل إنهاء هذا الصراع الطويل بتطبيق المقترح المغربي بمنح الإقليم الحكم الذاتي، ولا شيء غيره، هو أساس التفاوض، في ظل الاحترام الكامل للوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة وعدم واقعية الدولة الصحراوية .

تقترح الرباط، التي تسيطر على ما يقارب 80 في المئة من أراضي المنطقة الصحراوية الشاسعة، حيث تم إطلاق مشاريع إنمائية مغربية كبرى في السنوات الأخيرة، منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها.

أما جبهة بوليساريو فتدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير، بإشراف الأمم المتحدة، تقرر عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين في أيلول 1991.

وعلى النقيض من لزرق، يقول بوقعدة: "دي ميستورا يعمل في إطار قوانين ولوائح الأمم المتحدة، والاعتراف الأميركي الأحادي بمغربية الصحراء الغربية في عهد ترامب لا قيمة ولا أثر قانوني له في المنظمة الدولية"، مشيرا إلى عدم ذكر بلينكن قرار ترامب بشأن الاعتراف.

وفي هذا السياق، تتفق أبو صعب مع بوقعدة، مقللة من تأثير هذا الاعتراف، وقالت: "لن يؤثر على القضية بعد موافقة مجلس الأمن الذي يعكس إرادة دولية للسير في الحل السياسي في الصحراء الغربية".

وترى أبو صعب أن طبيعة حل قضية الصحراء الغربية لا تزال غامضة.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني