حسين درويش - الديار
غابت وجبة البيض اليومية عن ساندويتشات وفطور صحون الفقراء بسبب ارتفاع أسعارها، وشكل غيابها عن رفوف العرض في المحلات الصغيرة مقصداً، لزيارات «السوبرماركات» والمحلات الكبيرة، بعدما أصبح سعر كرتونة البيض يعادل ما نسبته واحد على عشرة بالمئة من الحد الأدنى للاجور.
اقتصرت عمليات بيع كرتونة البيض في الدكاكين الصغيرة بالاعداد تماشياً مع حجم العائلة ودخلها، بعدما سجل سعر البيضة الواحدة مبلغ ٢٥٠٠ ليرة لبنانية بالمفرق.
فوجئت النازحة السورية في بلدة الطيبة البقاعية ام عدنان، وهي ام لثلاثة أطفال، بإن المبلغ الذي تحمله ستة آلاف ليرة لا يساوي ثمن ثلاث بيضات، وبعدما علمت من صاحب «السوبرماركت» القريبة منها بإن سعر البيضة الواحدة هو ٢٥٠٠ ليرة، كانت تتمنى أن تشتري بالمبلغ الذي بحوزتها ثلاث بيضات كوجبة لفطور أولادها الثلاثة.
وعندما أيقنت بأن المبلغ الذي تحمله لا يساوي ثمن ثلاث بيضات، وانه لم يعد بإمكانها الحصول سوى على بيضتين ، وهما لا تكفيان سوى اقل من وجبة فطور لابنها البكر عدنان الذي شارف على عامه الثالث عشر، تراجعت على مضض عن الشراء وفي قلبها حسرة لعدم تمكنها من تأمين فطور أطفالها الثلاثة.
واذا كان الرومان قد نحتوا البيضة كرمز وشعار للخصوبة والتكاثر على مدخل قلعة بعلبك الاثرية في مدينة الشمس، عند بوابة معبد باخوس إله الخمر، فاين نحن اليوم من هذه الخصوبة وهذا التكاثر في ظل التراجع الاقتصادي، وانعدام الحالة الاجتماعية وتدني المستوى المعيشي وتفشي ظاهرة الفقر والعوز، وانت أمام حالة كأم عدنان التي لم يسعفها المبلغ الذي تحمله لشراء ثلاث بيضات من أجل تأمين فطور اطفالها الثلاثة ، وقد تراجعت مكسورة الخاطر امام بائع الدكان، وهي لا تستطيع أن تؤمن بأبسط الحال حتى ربطة الخبز الآخذة أسعارها بالارتفاع.
أصبح لبنان امام واقع يصح فيه المثل القديم بإن دجاجة ام فلان تبيض كل يوم بيضة من ذهب، بعدما أصبح سعر البيض يساوي ذهبا واصبحت الدجاجة تحتاج لمرافقة.
قفز سعر صندوق البيض الواحد المؤلف من ١٢ كرتونة الى ٤٠ دولار قبل تصريفه من المزرعة، وقبل ان يصل ليد التاجر او صاحب «السوبرماركت» ومنهما إلى المستهلك.
وحددت بعض المحلات سعر بيع كرتونة الواحدة ما بين ٦٧ و٦٩ الف ليرة لبنانية على سعر دولار ١٨ الف ليرة، فهذا يؤكد انه ليس بمقدور صاحب الدخل المحدود شراء كرتونة البيض فلجأ للشراء بالتجزئة والوحدات. ما يعني ان البيض أصبح حكراً على طبقة الاغنياء فقط.
يرى بعض مربي الدواجن ان للمازوت دورا في ارتفاع الأسعار الجنونية للبيض والفروج، تماشيا مع ارتفاع أسعار الاعلاف من الصويا والذرة والقمح والأدوية واللقاح والكالسيوم والمغذيات و كرتون صناديق الحفظ والتوضيب، ومع ارتفاع كلفته ارتفع سعر البيض والفروج بتصنيفهما من «اكلة» للفقراء الى وجبة للاغنياء بعد تعذر شراء اللحوم الحمراء والاجبان والالبان.
مربو الدجاج البياض والفروج يقولون ان ارتفاع أسعار البيض والفروج الذي يلحق صاروخياً بسعر البيض وصولا إلى ٤١ الفا للكيلو الواحد من الفروج و٧٥ الف ليرة للمسحّب الصافي ، و ٦٠ الف ليرة للمسحب بعظمه، هذا بالامر الطبيعي ان تكون هذه الأسعار عندما يصل سعر كيلو البندورة الى ١٤ الف ليرة، وعندما يشتري المزارع صفيحة المازوت بـ٢٥٠ الف ليرة.
ارتفعت اسعار كرتون توضيب البيض تماشيا مع سعر صرف الدولار ، بحيث اصبح سعر كرتونة حفظ البيض عشرة سنتات بالنسبة للدولار، بما يعادل ١٨٠٠ ليره لبنانية، اما اسعار المواد المغذية الميتيونين فقد وصل سعر الطن الواحد منه الى ٤٠٠ دولار، والصويا الى ٥٦٠ دولار والذرة الى ٣٧٠ دولار مع غياب الدعم. يقول بعض المزارعين أخذنا المدعوم وبعنا بالسعر المدعوم، واليوم غاب المدعوم فارتفعت الأسعار ولن تتوقف عند هذا الحد، وهناك عدد كبير من المزارعين اقفلوا مزارعهم بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار تبعا لارتفاع سعر الصرف، بحيث لم يعد باستطاعتهم تأمين المواد العلفية كالصويا والذرة واللقاح والأدوية، عملوا على تسريح الدجاج البياض وبيعه للحم، فيما لا يكفي الإنتاج الحالي اقل من نصف حاجة سوق الاستهلاك المحلي فالتراجع في التربية.
قلص حاجة لبنان من ٥٠٠٠ صندوق يوميا، الى ٣٠٠٠ صندوق بعد توقف عدد كبير من اصحاب المزارع عن الإنتاج والتربية في منطقه البقاع بسبب الارتفاع الجنوني للدولار.
المختار ضاهر الديراني قال: ان معظم مزارعي الدجاج توقفوا عن تربية الدجاج بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع كلفة التربية وغلاء المحروقات وارتفاع اسعار الاعلاف وتكاليف النقل.
المزارع علي عدنان الديراني، صاحب مزرعة في بلدة قصرنبا، قال بعض المزارعين عمدوا الى تسريح الدجاج بعدما شرّعوا أبواب مزارعهم وتركوا الدجاج يسرح ويمرح في الحقول لتلاحقه الأطفال وهو يسعى لتأمين طعامه على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار والاعلاف، فيما لجأ البعض الآخر من أصحاب المزارع الى تشليح الدجاج لريشه بهدف إعادة تجديد إنتاجه عندما يكسو بالريش مجدداَ، بسبب ارتفاع سعر صوص التربية الى٢٧٠٠٠ ليرة لكل صوص.
المزارع علي شومان صاحب مزرعة في بلدة سرعين الفوقا، قال: لقد أثرت موجة الصقيع التي ضربت لبنان خلال الأسبوعين الماضيين بخفض الإنتاج الى ما دون مستوى نصف الإنتاج، فانخفض انتاجنا من سبعة صناديق يوميا الى ثلاثة صناديق، أضاف: ان كلفة تربية في مَزرعة اليوم تتسع لـ٨ آلاف طير من الدجاج البياض كلفتها اليوم ٥٠ الف دولار، ومن أين نأتي بها، والظاهر ان هذا القطاع ذاهب الى التراجع والانحسار بسبب عزوف الناس عن الاستثمار بهذا القطاع المهدد بالزوال.